أفضت زيارة رسمية لإيغلي حسني، وزير أوروبا والشؤون الخارجية لجمهورية ألبانيا، إلى المملكة لمدة أربعة أيام، التقى خلالها نظيره المغربي ناصر بوريطة ورئيسيْ مجلسي البرلمان، إلى موقف إشادة بالمبادرة الأطلسية الملكية، ودعم المسار الأممي ومخطط الحكم الذاتي في قضية الصحراء المغربية أساسا لحل النزاع الإقليمي.
كما تم الاتفاق على “انعقاد اللجنة المشتركة قبل نهاية السنة، والتي لم تنعقد منذ سنوات”، في ظل وجود مجالات كثيرة للتعاون القطاعي، “يمكن خلالها تشجيع تبادل الزيارات بين الوزراء القطاعيين والوصول إلى اتفاقيات في مجالات الطاقات المتجددة والأمن الغذائي ومجال السياحة وغيرها”، حسب ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية.
زيارة الوفد الألباني للمملكة، تزامنا مع الذكرى الثالثة والستين لإقامة العلاقة الدبلوماسية بين البلدين، تستند على تاريخ من التعاون المشترك يمكن الترصيد عليه من أجل فتح علاقات تعاون اقتصادي ثنائية؛ وهو ما تحيل عليه “أهمية هذه الزيارة في تعزيز الشراكة بين البلدين واستكشاف آفاق جديدة للتعاون في مختلف المجالات، لا سيما السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية”، حسب رئيس مجلس المستشارين لدى استقباله المسؤول الألباني.
مراهِنا على “الإصلاحات الاقتصادية الطموحة التي تبنتها ألبانيا، وتعزيزها اندماجها الاقتصادي وساهمت في تقاربها مع معايير الاتحاد الأوروبي”، فالمغرب متشبث بـ“ضرورة الارتقاء بالتعاون الاقتصادي والتجاري إلى مستوى العلاقات السياسية المتميزة بين البلدين، مع التركيز على القطاعات الاستراتيجية؛ مثل صناعة السيارات، الفلاحة، السياحة، الطاقات المتجددة، والتعدين”.
ومن المنتظر أن تتقوى دينامية العلاقات التاريخية للمغرب مع هذا البلد الواقع غرب البلقان بـ“الدور المحوري لآليات التعاون الاقتصادي”؛ وفي مقدمتها اللجنة المشتركة للتعاون الاقتصادي ومنتدى الأعمال المغربي الألباني، لتعزيز المبادلات التجارية والاستثمارية، خاصة أن الإعلان المشترك الصادر في فاتح مارس الجاري بالرباط سجل بوضوح “تعهُّد وزيريْ خارجية البلدين بمواصلة التشاور والتنسيق فيما بينهما في إطار المنظمات والهيئات الدولية”.
وفق بوريطة، فإنه من بين ما تم الاتفاق عليه خلال المحادثات البينية، “إحياء وإعادة آلية الحوار السياسي، لأننا نعتبر أن ألبانيا فاعلة أساسية في منطقة غرب البلقان، وهي من بين الدول التي لديها دور أساسي في الاستقرار والتنمية بالمنطقة؛ ومن المهم جدا تبادل الرأي معها حول المشاكل والتحديات ببحر الأبيض المتوسط”.
نبيل بوابراهيمي، أستاذ متخصص في الاقتصاد الدولي بجامعة ابن طفيل القنيطرة، أكد أن “الآفاق الاقتصادية تبدو واعدة بين البلدين باعتبارهما بوابتين لسوقَيْن مختلفتين تشكلان بوابة مناطق إقليمية فاعلة في التجارة الدولية وسلاسل القيم العالمية (إفريقيا، ودول البلقان)، مسجلا أن “التعاون الاقتصادي مناسبة مهمة لتعزيز نتيجة سياسة تنويع الصادرات المغربية، وكونها نقطة بداية نحو آفاق أرحب من التعاون بين اقتصادين متكامليْن، من حيث القطاعات وإسهامها في البنية الاقتصادية”.
ولفت بوابراهيمي، مصرحا لهسبريس، إلى أن “المغرب لم تكن له علاقات اقتصادية/ تجارية مباشرة مع الجانب الألباني رغم قِدَم ورسوخ العلاقة التاريخية منذ ما يفوق 60 سنة، بحكم البُعد الجغرافي وارتباطه التقليدي بالاتحاد الأوروبي؛ لكنه يمكنه أن يمنحها زخما أقوى بعد الزيارة الرسمية للوفد الدبلوماسي الألباني”.
واعتبر المتخصص في الاقتصاد الدولي أن “منتجات الطاقات المتجددة والسياحة وأنشطة صناعية عديدة (صناعة النسيج وصناعة السيارات والصناعات الغذائية) يمكن المغرب أن يدعم بها صادراته ويضمن توسيعها نحو ألبانيا في المستقبل”، مشددا على ضرورة “تفعيل آليات التعاون الاقتصادي ومنتديات الأعمال الثنائية الخاصة”.
“هي نقطة بداية لحضور اقتصادي وازن وتوطين استثمارات مغربية في أسواق دول البلقان من بوابة ألبانيا للمرور نحو تعزيزها مع باقي دول تلك المنطقة؛ كما أن ألبانيا ترى في المملكة بوابة ولوج صادراتها للقارة الإفريقية”، زاد المصرح، خاتما بأن البلقان “سوق واعدة نُلاحظ حصول تكامل اقتصادي لمعظم دولها مع المغرب.. والوقت حاليا هو وضع مخطط عمل خلال انعقاد اللجنة المشتركة هذه السنة لتذليل العقبات أمام التبادلات الاقتصادية، مع مراعاة تجسير هوّة الاختلافات الثقافية”.
محمد نشطاوي، أستاذ جامعي متخصص في العلاقات الدولية، يشدد على “أهمية المباحثات التي جمعت الوفد الألباني بقيادة وزير خارجيتها، سواء مع وزير الخارجية المغربي أو رئيسيْ مجلسي النواب والمستشارين”، باعتبارها “فرصة لإبراز قوة ومتانة العلاقات التاريخية بين البلدين والرغبة التي تحذوهما في أن يسود تعاون مثمر وأكثر عمقا، في الشق السياسي والدبلوماسي وصولا إلى تعزيز التبادلات الاقتصادية والاستثمارية”.
وابتداء من القضية الوطنية وتأكيد الجانب الألباني على أهمية مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، سجل نشطاوي، في حديثه لهسبريس، أن “البناء على تاريخ العلاقات يؤكد حاجة الطرفين إلى دور الدبلوماسية البرلمانية وتعاون البرلمان المغربي مع نظيره الألباني للتوفر على آليات جعلها قاطرة للتعاون وفضاء للحوار والتواصل والتنسيق في مختلف المحافل الدولية والإقليمية”.
وتابع أستاذ العلاقات الدولية أن “الجانب السياسي لم يكن الوحيد الذي شملته الزيارة؛ بل إمكانيات تقوية آليات للتعاون الثنائي وضرورة تبادل الزيارات في أفق إحداث لجنة مشتركة اقتصادية ومنتدى للأعمال للرقي بهذه العلاقات إلى مجالات أكثر نضجا وفاعلية”، مبرزا “ضرورة الاستثمار في القطاعات الاستراتيجية الواعدة وفتح أسواق جديدة بين الطرفين”.