على بعد أسابيع من بلورة مقترحات مراجعة مدونة الأسرة في صيغة نص تشريعي شدد عبد اللطيف وهبي، وزير العدل، على أن مواجهة ظاهرة تزويج القاصرات، لاسيما في الأوساط القروية، “لا تعدّ رهينةً بوجود تشريع يسمح أو يمنع هذا النوع من الزواج بقدر ما هي مرتبطة بالواقع الأسري داخل المجتمع المغربي، وبعقلية ومفاهيم اجتماعية سائدة”، معتبراً أن “التغلب على المشكل يتطلب الرفع من وعي المواطنين بالأضرار المترتبة على هذا الزواج”.
واعتبر وهبي، في جواب كتابي موجه إلى النائب البرلماني عن فريق التجمع الوطني للأحرار محمد بادو، بخصوص التحديات التي ترافق تطبيق الحد الأدنى لسن الزواج في المناطق القروية، ولاسيما لدى الفتيات، على الحاجة إلى “تضافر جهود كافة القطاعات الحكومية والأحزاب السياسية والجمعيات المهتمة بالموضوع، ومنظمات المجتمع المدني، كل في مجاله واختصاصه، للحد من هذه الظاهرة والاهتمام بحقوق الطفولة والنهوض بها”.
ونبّه وزير العدل إلى “ارتفاع” الطلبات المقدمة بشأن هذا النوع من الزواج في العالم القروي، ولاسيما حين تتمّ مقارنتها بتلك الأخرى المقدمة من طرف ساكنة المدن، مشددا على أن “هذا يجعل هذه الظاهرة تتمركز في المجال القروي”، وفق تعبيره، وزاد: “هذا الواقع ينعكس سلبيا على الوضعية الاقتصادية والاجتماعية للفتيات، فضلا عن إقصائهنّ من منظومة التربية والتكوين، كما يؤثر على صحتهنّ الجسدية والنفسية وأطفالهن”.
ووضّح المسؤول الحكومي الوصي على قطاع العدل أن وزارته “عملت على اتخاذ عدد هام من التدابير والإجراءات من أجل تفعيل المقتضيات المتعلقة بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية، وتطبيقها التطبيق الأمثل وتلافي أي التفاف على القانون”، معتبرا أن تضافر الجهود بين الجهات الرسمية والفعاليات الجمعويّة ساهم في التضييق على الظاهرة، ومستنداً إلى أن بيانات تشير إلى أن زواج القاصرات يتجه نحو الانخفاض سنة بعد أخرى.
كما ذكّر الوزير ببعض الأرقام التي تساند ما طرحه بخصوص “الانخفاض”، خصوصا أن حالات الزواج بلغت ما مجموعه 12 ألفا و450 سنة 2023 بعدما وصل هذا العدد إلى 26 ألفا و298 سنة 2017، مفيداً بأن المشرع المغربي كان مدعماً لهذا التوجه، من خلال تخصيص مسطرة قانونية مضبوطة ودقيقة تهمّ زواج من هم أقل من 18 سنة في مدونة الأسرة، وهذا لحماية الناشئة من أي استغلال يقوض استفادة القاصرين من مصالحهم وحقوقهم.
وسجّل وهبي أنه تم تخويل قاضي الأسرة المكلف بالزواج صلاحية الإذن بتزويج من لم يبلغ سن الزواج على سبيل الاستثناء متى كانت هناك مصلحة، مبرزاً أنه مستقبلا تمّ إسناد الاستثناء بشروط صارمة تحافظ على طبيعته، خصوصا مع ظهور مخاوف من أن يتحول الاستثناء، الذي تم اعتماده بالارتكاز على مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى بخصوص سن الزواج، إلى قاعدة.
وعرف الوزير وهبي بموقف مناهض بقوّة لتزويج القاصرات والقاصرين بالمغرب، إذ سبق أن كشف في جلسة للأسئلة الشفوية بمجلس النواب أن هناك اتجاها لتجريم هذا الزواج في مدونة القانون الجنائي المقبلة، موضحا أنه “يجب منح الفرصة لتمدرس الطفلات، وأيضاً إعادة النظر في كل التشريعات التي تمنع النساء من الدراسة أو العمل (…)”، وزاد: “مكان الفتاة الطبيعي هو المدرسة وليس أي مكان آخر”.