آخر الأخبار

كتاب يهتم بفلسفة الاعتقاد الديني

شارك

صدر للباحث المغربي المهدي مستقيم الجزء الثاني من مشروع “ثلاثية الاعتقاد”، بعنوان “فلسفة الاعتقاد الديني”، عن منشورات دار استفهام ببيروت اللبنانية.

وأكد الباحث المهدي مستقيم، وفق ورقة المصنف الجديد، أن “الاعتقاد الديني لم يعد اليوم تعبيرا من شأنه أن يدل على علاقة عمودية بين الفرد وخالقه، ولم يعد الدين اعتقادا فرديا، قائما على رأي ديني، من بين آراء عديدة يمكن أن تعرض للنقاش والتداول داخل المجال العمومي المتعدد. كما أن مكان الدين لم يعد يشغل خيارا جزئيا يخص المواطن؛ بل صار مرجعا شاملا للجماعة المعتقدة، وهاجسا جماعيا تتخذه كُل جَمَاعَة ذريعة لادعاء امتلاك سُبُلِ الخلاص النهائي، وإبراز أفضلية عقيدتها على باقي العقائد قصد فرضها على الجماعات الأخرى إكراها”. هكذا، “تَحَوّل الاعتقاد من فرضية شخصية يتذرع لها صاحبها مسوغات تُدَعمُ صدقها لتلبية حاجاته إلى مؤشر يَدُل على الهويات الجماعية”، وهي ذي “الفدية التي بتنا ندفعها لقاء انبجاس التعددية الثقافية”.

وبوعي “بضرورة الاقتباس والحوار الحضاري مع الآخر/الغرب”، فإن أطروحة المولود الفكري الجديد وُجهت “صوب أفق ضبط الإواليات الفكرية والنظرية التي تتشكل بها وعبرها علاقته بمسائل الاعتقاد الديني، وإشارته في هذا السياق إلى الإواليات الفكرية إنما يُحيل من خلالها على المنْجَز الفلسفي الذي ما لبث الخطاب الغربي يُراكمه من الأزمنة الإغريقية القديمة حتى فرويد. وانطلاقا من اقتناعه بالتعقيدات المنهجية التي يفترض فيها أن تعترض سبيل الدراسة، كان لزاما وضع مجموعة من الاحترازات التي تضمن مُعالجة الإشكال معالجة علمية موضوعية”.

وتضمّن الكتاب سبعة فصول: أطلق على الأول اسم: في مفهوم الاعتقاد الديني، والثاني: الإنسان بوصفه كائنا معتقدا (هيوم)، والثالث: الاعتقاد الديني والفعل الأخلاقي (كانط)، والرابع: رهان المصالحة بين الاعتقاد الديني والعالم (هيغل)، والخامس: الاعتقاد ضد الاعتقاد (فيورباخ)، والسادس: في أمراض الاعتقاد الديني (نيتشه)، والسابع: سيكولوجيا الإنسان المعتقد (فرويد).

وسلطت هذه الفصول الضوء على مجموع المسالك التي “جعلت من الاعتقاد موضوعا للنظر الفلسفي (Thématisation)”، قاصدة سيرورات إزاحة المفهوم من دائرة التداول العادي إلى دائرة النظر الفلسفي.

وعالج الكتاب الجديد أسئلة من قبيل: ما الذي يُمَيزُ مفهوم “الاعتقاد” عن باقي المفاهيم التي تُجَاوِرُه؟ ما أهم المحطات التي قطعها مسار تشكل مفهوم “الاعتقاد”؟ هل تم التفكير في الاعتقاد بوصفه موضوعا يستحق أن ينظر فيه؟ ومتى حدث ذلك، إن حدث بالفعل؟ ومن هم أبرز المفكرين الذين أقبلوا على ذلك؛ وبصيغة أخرى، من هم مفكرو الاعتقاد؟ هل أبقى مفكرو “الاعتقاد” على المفهوم كما هو أو أنهم انكبوا على إخضاعه لمحك السؤال؟ وكيف عملوا على تلقيه؟

وخلص الباحث من خلال معالجة هذه الأسئلة إلى أن ‘مفهوم ‘الاعتقاد’ قد شهد منعطفا حاسما على يد الفيلسوف الاسكتلندي “ديفيد هيوم” الذي حوله إلى تجربة فردية تتجاوز ثنائيات: رأي-اعتقاد، حقيقة-علم؛ إذ رفض إدراجه ضمن دائرة نظرية المعرفة كما دأب على ذلك الفلاسفة الذين سبقوه (ديكارت، لوك، سبينوزا، لايبنيتز، بايل)، وفضل إدراجه ضمن الأنثربولوجيا (=الطبيعة البشرية)؛ مما أضفى على المفهوم طابعا “حياديا” بل “مدحيا”، بعد أن كان ذا طابع “سلبي”/ قدحي ـ هكذا، انكب “هيوم” على إزاحة الاعتقاد من دائرة التصديق الرواقية-الديكارتية بإدراجه ضمن دائرة الإحساس، بما هو أس الحياة الاجتماعية الأخلاقية. وقد نتج عن عملية الإزاحة اتصال مفهوم ((الاعتقاد)) بمفاهيم أخرى، ونخص بالذكر: ((الانطباع L’impression))، و((الخيالL’imagination))، و((الإحساس Le sentiment)). وبناء عليه، أصبح الاحتمال يحتل مكانة رئيسية على حساب الحقيقة (=أفلاطون-ديكارت) ضمن نظرية الاعتقاد”.

وسجل الباحث المهدي مستقيم أن فلسفة الدين قد بزغت في القرن الثامن عشر، “إثر المجهودات التي خلفها المسعى الفلسفي الهيومي؛ أي محاولات إعمال النظر في مضامين المواقف النظرية، وأنماط المحاججة التي تخص الإيمان الديني، بتوسل آليات التفكير الفلسفي؛ إذ أسهمت الفلسفة النقدية التي بلورها كانط في هذا المجال إسهاما حاسما في التشكل الحديث لمفهوم ‘الاعتقاد’؛ وذلك بإزاحته من دائرة الإبيستِمولوجيا حيث كان يحتل درجة متدنية، وإلحاقه بدائرة الفلسفة العملية (الواجب الأخلاقي) التي بات يحتل درجة جد متقدمة فيها”.

وإِذ انكب هيغل على فصل الاعتقاد الديني (=الاعتقاد-الإيمان) عن الأخلاق (=التصورات الأخلاقية للعالم) بإلحاقه بدائرة النظر الفلسفي المجرد (= المعرفة المطلقة)، حيث التشديد على الاعتقاد الديني، بما هو تصور لا بما هو فعل، فإن فيورباخ ونيتشه وفرويد فضّلوا الانكباب على تأويل الوهم الذي تُبشر به مضامين هذا الاعتقاد، انطلاقا من فحص وظائفه الرئيسية ونقدها من: منع وحجب واتهام وعقاب وإدانة وترهيب وترغيب ووعد وعيد…إلخ، على أن الاعتقاد الديني أقوى عَرَض يدُل على تجذر الرغبة والخوف في الذات البشرية.

ويهتم المهدي مستقيم بإخضاع موضوعة الاعتقاد الديني لمحك النظر الفلسفي، نظرا لـ”عودة الديني” وما بات يؤدي إليه من “نتائج خطيرة، ولاسيما تكاثر وتيرة صراع الهويات العقائدية (= هيمنة التعددية الثقافية)؛ إذ أصبحنا نشهد نوعا من التداخل بين العام والخاص. فبعد أن حققت العلمانية مكتسبا عظيما تمثل في إحالة الاعتقاد الديني شأنا خاصا فرديا، بتنا نشهد اليوم تَحَوّلا خطيرا يطرأ على المفهوم،بحيث أصبح يشمل ما هو عام أيضا، نتيجة تداخل الاعتقاد الديني مع الاعتقاد السياسي على إثر الأزمة التي باتت تشهدها العلمانية”.

أما السبب الثاني فـ”حاجة المجتمعات العربية إلى الانفتاح على المباحث الفلسفية المعاصرة المنشغلة بمسائل الاعتقاد الديني، من خلال توظيف مفاهيمها وأدواتها، ومن خلال تبيئتها وأجرأتها، قصد تجاوز أزماتها الناتجة عن الصراع العقائدي، فالدولة العربية لم تتمكن حتى اليوم من تأسيس قانون يضمن حضور الرؤى المتعددة للوجود والعالم ضمن بيئتها، سواء كانت معتقدة أم ممتنعة عن الاعتقاد.

وشدد الكاتب في هذا الإطار على أنه قد “أمسى تشييد أنظومة قانونية، تتأسس على مبدإ الاحترام الوضعي لحرية الضمير (=الحق في الاعتقاد (…) الامتناع عن الاعتقاد)، مطلبا مُلحا في مجتمعاتنا العربية القابعة تحت نير النزاعات العرقية والثقافية والطائفية والسياسية”. لذا، “وجب منح القانون مكانته الخاصة والحيوية في سياق سيرورة إنتاج الحياة الاجتماعية، فهو الوسيلة والأداة الرئيسية التي تنطوي على إواليات من شأنها أن تتيح لنا سبل عقلنة الحياة الاجتماعية بجعل مبدأ الاحترام الوضعي للحق في الاعتقاد والحق في الامتناع عن الاعتقاد نواتها الكونية”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا