استبق مهنيو النسيج المغاربة زيارة وفد مصري رفيع من وزارات المالية والصناعة والاستثمار والتجارة الخارجية إلى المغرب، أمس الثلاثاء، بالمطالبة باعتماد “إجراءات غير جمركية” (Mesures non tarifaires) وإعادة تقييم اتفاقيات التبادل الحر الرابطة بين المملكة ودولتي مصر وتركيا، بسبب إغراقهما السوق بمنتجات النسيج، وتفاقم العجز التجاري البيني لصالحهما، وبلوغه مستويات قياسية حسب إحصائيات حصلوا عليها من مكتب الصرف، حيث انتقلت قفزت قيمة الواردات المصرية من 475 مليون درهم في 2023 إلى 804 ملايين قبل شهر من نهاية السنة الماضية، مقابل تراجع صادرات مغربية من 17 مليون درهم إلى 11 مليونا خلال الفترة ذاتها.
وأفاد أنس الأنصاري، رئيس الجمعية المغربية للنسيج والألبسة، بأن نسبة العجز لصالح الجانب المصري في المبادلات التجارية مع المغرب وصلت إلى 98 في المائة؛ ما يمثل مستوى قياسيا يستعجل دق ناقوس الخطر حول حماية مصالح المصنعين والمنتجين المغاربة.
وأوضح رئيس الجمعية المغربية للنسيج والألبسة، في تصريح لهسبريس، أن الاستثمار في القطاع أصبح محفوفا بالمخاطر ومحكومة بدرجة كبيرة بالفشل، بسبب تأثير اتفاقيات التبادل التجاري الحر مع مصر وتركيا، واستمرار الترخيص باستيراد الملابس المستعملة “البال”.
وشدد الأنصاري على أن السوق الوطنية أغرقت على مدى سنوات بالملابس الجاهزة والأثواب ومنتجات النسيج الأخرى، حيث سيطر المصدرون الأتراك ومن بعدهم المصريون على دواليب تجارة الجملة والتقسيط في كبريات الأسواق، حتى بلغوا درجة تنظيم معرض تركي للنسيج بالدار البيضاء يقص شريط افتتاحه سفير هذا البلد بالمغرب؛ ما يعكس توجها تجاريا استراتيجيا، يستهدف تحويل المغرب إلى سوق لمنتجات النشيج التركية.
وأبرز المتحدث أنه “في ظل عدم القدرة على فسخ أو التراجع عن اتفاقيات التبادل الحر مع تركيا ومصر، باعتبارها اتفاقيات سياسية واستراتيجية بالدرجة الأولى، فإن السلطات المغربية مدعوة إلى إعادة تقييم هذه الإطارات التعاقدية، وتبني إجراءات غير جمركية؛ من قبيل التشدد بخصوص المواد الأولية للتصنيع وشهادات المنشأ، وكذا حجم ووزن الوحدات المستوردة”، مشددا على أن الارتفاع المهول للواردات التركية والمصرية أصبح يشكل ثقبا في خزان العملة الصعبة الوطنية، الذي يجري تغذيته ببعض الصادرات وتحويلات المهاجرين المغاربة في الخارج أساسا.
ونبه الفاعل المهني عينه إلى أن التأثير السلبي لإغراق السوق بمنتجات النسيج المستوردة أصبح يهدد مناصب الشغل في قطاع النسيج والألبسة، خصوصا خلال الظرفية الحالية التي تعرف ارتفاعا في معدل البطالة إلى 13.6 في المائة، مشيرا إلى أن القطاع يستحوذ على ما نسبته 24 في المائة من اليد العاملة الصناعية في المغرب ويشغل بالتحديد 238 ألف أجير، حسب إحصائيات العمال المصرح بهم لدى الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
لم يمهل الزمن الانتخابي مولاي حفيظ العلمي، وزير الصناعة والتجارة السابق، الوقت الكافي من أجل حل مشكل عرقلة الصادرات المغربية في الموانئ المصرية، حين واجه قبل أشهر قليلة من انتهاء ولاية حكومته وزيرة التجارة المصرية بوقوفه الشخصي وراء تعذر وصول السلع المصرية إلى المغرب، قبل أن يصارحها بالقول: “إن عرقلتم دخول موادنا ثلاثة أشهر سنقوم بالمثل”. وكشفت هذه الواقعة عن اعتماد الجانب المصري إجراءات غير جمركية في مواجهة الصادرات المغربية، متمثلة في إبطاء عمليات إخضاع السلع والمنتجات للفحص والمراقبة على الحدود؛ وهو الأمر الذي لا تعتمده المملكة، حيث تسرع معالجة شحنات الواردات القادمة، وتسهيل طريقها لدخول الأسواق الوطنية، ما تسبب في عجز تجاري لصالح الجانب المصري على حساب المغرب.
وفي الوقت الذي أشار مجلس الأعمال المصري- المغربي إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ نحو 1.3 مليارات دولار سنويا، وارتفاع عدد الشركات المغربية العاملة في مصر إلى 295 شركة، بحجم استثمارات يصل إلى 230 مليون دولار، وصادرات تناهز قيمتها 900 مليون دولار سنويا، تمسك “حماة المستهلك” في المغرب بأهداف اتفاقيات التبادل التجاري الحر، المتمثل في رفع مستوى التنافسية في الأسواق المحلية، بما يصب في مصلحة المستهلكين بالبلدين، خصوصا أن عاملي السعر والجودة هما محركا الطلب حاليا، في ظل تنامي مستوى التضخم وارتباك سلاسل الإنتاج على المستوى الدولي، بعلاقة مع التطور الجيوسياسية والأمنية في مناطق معينة بالعالم.
وأكد وديع مديح، رئيس الجامعة الوطنية لحماية حقوق المستهلك، أن التنافسية بين المنتجات المستوردة والمصنعة محليا يجب أن تصب في مصلحة المستهلك والمنتج الوطني على حد سواء، باعتبار أن المنتج الوارد من الخارج والمسوق بسعر أقل من المصنع في السوق المحلية يجب أن يحفز المصنعين الوطنيين على ملاءمة سلاسل إنتاجهم مع هذه التحديات وتقديم منتج منافس بجودة وعالية وسعر منخفض يكون في متناول المستهلكين المغاربة الذين يتعين عليهم اختيار المنتجات الحاملة لعلامة “صنع في المغرب”، في حال تساوي الأسعار والجودة المعروضين في السوق.
وفي هذا الصدد، لفت رئيس الجامعة الوطنية لحماية حقوق المستهلك، في تصريح لهسبريس، إلى أن حق الاختيار يعتبر من الحقوق الأساسية للمستهلك المنصوص عليها في القانون رقم 08.31 القاضي بتحديد تدابير لحماية المستهلك.
وشدد مديح على أهمية تشديد السلطات المراقبة على جودة المنتجات المستوردة حماية لمصالح المستهلكين والمنتجين المحليين، باعتبار أن إغراق السوق بمنتجات استهلاكية أقل جودة من المنتج المصنع محليا سيضر بالصناعة الوطنية والشركات المغربية.
وأشار الفاعل المدني سالف الذكر إلى أن السعر الذي يتحكم بشكل كبير في قرارات في الطلب يمكن أن يتحول إلى عامل جذب سلبي بيد المتلاعبين بجودة المنتجات، خصوصا المستوردين الذين يدافعون عن مصالحهم بشتى الطرق ولا يتوفرون على استثمارات كبيرة على أرض الواقع؛ ذلك أن حضورهم يقتصر على مكاتب تجارية مرتبطة بعلاقات مع موردين في الخارج ومعشرين في المملكة.