بغلافٍ من تصميم الفنانة لمى سخنيني، وتصفيفٍ أشرف عليه الشاعر عمر شبانة، صدر للشاعر الشاذر سعد سرحان عن دار “العائدون للنشر” الأردنية كتاب جديد بعنوان “دفتر الأسماء”.
و”دفتر الأسماء” إنما هو نوع من تجدّد الثقة بين الشاعر والناشر، إذ صدر لسعد سرحان، قبل عامٍ بالضبط، كتابٌ شذري بالكامل عن الدار نفسها، حمل عنوان “أحزان الذهب”.
على امتداد مئة وثلاثين صفحة، نقرأ بورتريهات لأسماء من مختلف الجغرافيات والحساسيات والعصور واللغات، بورتريهات شديدة التركيز، وبلغة مُتقشّفة تمامًا، كتلك التي يكتب بها الشاعر عادةً شذراته.
كلّ صفحة من صفحات الكتاب إنما هي بمثابة نُصب تذكاري؛ عنوانها هو الرأس بكامل هالته، أما النص فمن مرمر اللغة، تلك التي يحفظ سرحان أزاميلها جيدًا.
النصوص كُتبت بكثيرٍ من المحبّة والنبل والإجلال… حتى إن القارئ لن يجد صعوبة في تخيّل انحناءة الشاعر الصغيرة أمام كل صفحة من صفحات كتابه.
في “دفتر الأسماء”، يكتب سعد سرحان نصوصًا تحمل عناوين بأسماء الشعراء، فنجد أنفسنا إزاء قصائد تحمل أسماء مثل: هوميروس، المعرّي، سافو، الخنساء، السيّاب، نازك الملائكة، أدونيس، ريتسوس، محمود درويش، بودلير، سليم بركات، فروغ فرخزاد، المعتمد، إيلوار، أنسي الحاج، محمد السرغيني، ريلكة، أحمد بركات، ولّادة، دنقل، رامبو، محمد العمراوي، ابن عربي، روني شار، طه عدنان، وعشرات غيرهم، وكأنّ لسان حاله يقول: ها همُ الشعراءُ شِعرًا.
من الكتاب نقتطف للقارئ هذه النماذج:
قال صاحبي:
هو ملكٌ في إهاب شاعر
أما شِعره فالصّولجان.
بأيِّ بصيرةٍ قرأتَ
وبأيِّ بصرٍ كتبتَ
وما من كتابْ
كان عندك
الكتابْ؟
أزهرتْ شجرة الحديد
تمامًا
كما توقّعتَ يا صديقي
لكنّها أثمرتْ
سيوفًا ومُدًى
فَلَكَأَنَّ أنفاسَك انقطعتْ
في الطريقِ
هباءً
ولكأنَّ سعيَك المجنونَ
سُدًى.
بلا تاجٍ
في كِندةِ الملوكِ
ولا عرشٍ
بسِقط اللّوى.
حسبُكَ أنّ اتخذْتَ
كلَّ خدرٍ قصرًا
وحسبكَ أنّ اعتنقتَ
لحمَ الحياة
مِلَّةً وشِعرًا.
لم تُخْلع حتى
بعد أن ارتديتَ المكيدة
يا ملكًا غير مُكلّلِ
كيف يُخلعُ عاهلٌ
ليومٍ بدارةِ جُلجلِ؟
ما أكثركِ
وحيدةً عزلاءْ
ما أكثركِ
باقةً من النساءْ.
حقولكِ شتى
وواحدٌ هو الجُرْنْ.
إنِ اسودّتْ لكِ
في الوَعْرِ نخلةٌ
اِفْتَرَّ لكِ
سَهْلٌ من القُطْنْ
لَكَأَنَّكِ
أيّتها الشاعرة
مصفّاةٌ حيّةٌ
لِتَكْرير الحُزْنْ.
بِّيسوا
كمْ أنتَ
أيُّها الشعراءُ
وأيُّكَ أنتْ؟
نايُك أعمى
ومُروجُك زرقاءْ
فأين تورد قطعانَك
يا راعيَ الماءْ؟
إذا أسرجْتَ
فلسانُك لا يكبو
وإذا أشهرْتَ
فلسانُك لا ينبو
وإذا أضرمْتَ
فلسانك لا يخبو
وإذا سقيتَ أرديتَ
ما يُناهزُ أو يربُو
حسْبُ القوْمِ رَكْبًا
أنّك فيهمُ الرَّكْبُ.
الشّاعر الذي كنتَ
في تلكَ الحياة
أَلا تراه الآن بينهم؟
في حبر الشّاعر
كثيرٌ
من
دمِ
الشّهيد.
ما كانت أوراقًا
ولا كان عشبًا
بل حيواتٌ تنمو
وجزرٌ خضراءُ تَتْرى
في حلم الأرخبيلْ.
هكذا جاءَ
من لحمٍ ودمٍ
كتابُك الجليلْ.
لكأنّكَ كتبتَ
أيّها الشاعر
بقلبٍ نبيلْ.