أكد تقرير حديث لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي (مركز تفكير أمريكي) أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب تمتلك فرصة قوية لإنهاء النزاع حول الصحراء. وفي هذا الصدد، اعتبر التقرير أن علاقات دونالد ترامب القوية مع المغرب ووجود توجه أوروبي لدعم مخطط الحكم الذاتي الذي تقدمت به المملكة، إضافة إلى انحسار الدعم الدولي لجبهة البوليساريو، قد يؤدي إلى تسوية هذا النزاع خلال الإدارة الثانية لترامب.
وسجل التقرير ذاته أن إحراز تقدم نحو حل دبلوماسي وسلمي هذا العام، تزامنا مع استعداد المغرب لتخليد الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء، يُعد أمرا بالغ الأهمية، مبرزا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تحاول اتخاذ موقف محايد بحيث لا تعترف بما يسمى “الجمهورية الصحراوية” أو بالسيادة المغربية على الصحراء. فحتى في السنوات الأولى لإدارة ترامب الأولى كانت لغة واشنطن حذرة في هذا الشأن، قبل أن تُصدر في الرابع من دجنبر من سنة 2020 إعلانا بشأن الاعتراف بسيادة المملكة على الصحراء؛ ما أدى إلى تغيير في السياسة الأمريكية بشأن الإقليم المتنازع عليه.
ولفت إلى أن “إدارة جو بايدن درست نهج إدارة ترامب واختارت مسارا وسطا دون التراجع عن موقف إدارة ترامب أو تنفيذه، بينما استمرت الخرائط الرسمية الأمريكية في إظهار الصحراء كجزء من المغرب كما كانت تقارير وزارة الخارجية تعتبر الصحراء جزءا من المغرب”، مشيرا إلى أن “إدارة بايدن لم تبذل أي جهد لتأسيس أي نوع من القنصليات في الصحراء، ولم يتضمن طلب ميزانية وزارة الخارجية للسنة المالية 2025 أي تمويل لوجود مادي”.
وتابع أنه “مع بدء ترامب فترة رئاسته الثانية، هناك طرق عديدة يمكن أن تتعامل بها إدارته مع قضية الصحراء وتواصل السياسة التي اتبعها في عام 2020″، مضيفا أن “أول خطوة واضحة يمكن أن تتخذها إدارة ترامب لتنفيذ الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء هي فتح قنصلية فعلية في هذا الإقليم”.
ومع ذلك، أكد التقرير أن هناك طرقا وإجراءات أخرى يمكن أن تتخذها الإدارة الأمريكية لتطبيق الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء؛ مثل زيادة الزيارات الرسمية الأمريكية إلى المنطقة، أو تضمينها في المناورات العسكرية “الأسد الأفريقي”، أو عقد الحوار الاستراتيجي الأمريكي-المغربي في المنطقة. كما يمكن لواشنطن أن تمارس الضغط على بعض الدول الأوروبية، التي تميل إلى أن تكون أقل حذرا من الولايات المتحدة، لتأسيس حضور دبلوماسي لها في الصحراء.
وأوضح أنه “من الممكن أن تقوم إدارة ترامب بتغيير مسار إنفاق المساعدات الثنائية في المناطق الجنوبية للمغرب كوسيلة لتعزيز الموقف الأمريكي بشأن السيادة المغربية”، مضيفا أن “اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة والمغرب وتشريعاتها التنفيذية توضح أنها تغطي فقط التجارة مع والاستثمار في أراضي المغرب كما اعترفت بها الولايات المتحدة؛ وهو ما لا يشمل الصحراء حاليا. ومع ذلك، مع تحول السياسة في عهد ترامب، يمكن أن تصبح السلع المنتجة في الصحراء مؤهلة للحصول على نفس الامتيازات التي يتمتع بها باقي أراضي المغرب”.
وأكد تقرير مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أن “إدارة ترامب ستحتاج إلى دعم من لاعبين عالميين آخرين لتنفيذ الاعتراف بسيادة المغرب في الصحراء بطريقة تعالج هذا النزاع بشكل كامل”، مشددا على أن هناك قضايا عديدة تجب معالجتها لحل النزاع حول الصحراء؛ من ضمنها مسألة الحدود ومقترح الحكم الذاتي إلى جانب قضية حاسمة أخرى وهي قضية اللاجئين المقيمين في مخيمات تندوف، إذ “سيتعين على المغرب والجزائر والبوليساريو تحديد شكل العودة وإعادة دمج اللاجئين، والخيارات المحتملة لأولئك اللاجئين الذين لا يرغبون في العودة إلى المغرب”.
واعتبر أن “السلام في الصحراء ومغربا آمنا هو هدف استراتيجي قوي يمكن أن تسعى إليه إدارة ترامب الثانية، حيث إن الجغرافيا الاستراتيجية للمغرب على السواحل الأطلسية والبحرية تجعله شريكا رئيسيا في التحالفات الدولية”، مؤكدا أن “الولايات المتحدة تدخل أيضا في الإدارة الثانية لترامب بعلاقات تاريخية إيجابية مع الجزائر؛ مما قد يسمح للحكومة الأمريكية بالعمل مع الجزائر للضغط على البوليساريو لقبول نوع من الاتفاق”.
وأبرزت الوثيقة ذاتها أن “هناك احتمالا كبيرا في أن تتجاهل الإدارة الأمريكية قضية الصحراء في الفترات الأولى”، مؤكدة أن “الفشل في تبني نهج مسؤول وطويل الأمد لإنهاء هذا النزاع قد يؤدي إلى تصعيد العنف، حيث إن النزاع المفتوح قد لا يؤدي إلى المزيد من البؤس والتكلفة الاقتصادية للطرفين فقط؛ بل سيهدد أيضا الاقتصاد الأوسع واستقرار المنطقة التي تعد بالفعل غير مستقرة”.
وخلص التقرير الصادر عن مركز التفكير الأمريكي سالف الذكر إلى أن “النزاع المتصاعد قد يهدد إمدادات النفط والغاز من الجزائر إلى أوروبا، ويقلل من قدرة البلدين على السيطرة على الهجرة غير النظامية عبر البحر الأبيض المتوسط، وحتى يعرض السفن التجارية التي تمر عبر مضيق جبل طارق للخطر”.