حذّر عبد الرحمان اللمتوني، الوكيل القضائي للمملكة، من استمرار تسبّب إجراءات نزع الملكية بالمغرب في منازعات أخرى لمؤسسات الدولة يمكنها أن تكلّف كثيرا الميزانية العمومية التي تعتبر مالا عاما وجبت حمايته.
وأكّد اللمتوني، ضمن محاضرة ألقاها برحاب كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بمدينة الرباط، أمش الأربعاء، أن “مسألة نزع الملكية مهمة ولا بد من الحرص على مسألتين بخصوصها؛ الأولى تتعلق بتعويض الملاّك في الوقت المحدد، والثانية بتوفير مسطرة مبسطة واستعجالية لتمكين الإدارات العمومية من تنفيذ مشاريعها واستغلال البنية العقارية في الوقت المناسب، في ظل الاستحقاقات المقبلة التي تستعد لها البلاد”.
واستحضر المسؤول ذاته هذه النقطة لدى حديثه عن الأمور التي تقف وراء ارتفاع منسوب المنازعات القضائية ضد الدولة، ومنها وضعية النص القانوني المنظم لعملية نزع الملكية، موردا: “هذا القانون عندما نطلع عليه نرى أنه يتضمن آجالا وإجراءات تجعل نزع الملكية لا يمكن في حدود سنتين بالنسبة للدولة. هذا الوضع يحتّم على الإدارة الاعتداء على عقار الخواص، وذلك بحكم معطى الاستعجالية”.
لدى إبرازه ثقل هذا الموضوع، في وقت تستعد المملكة لتدشين مجموعة من المشاريع التي تقتضي استفادتها من عقارات قد تكون في ملكية خواص، لفت الوكيل القضائي للمملكة إلى أن “هذا القانون يجب أن يعاد فيه النظر، إذ يتعلق الأمر أساسا بهندسة قانونية، مع مراعاة المالك والحفاظ على الفعالية وتحقيق نجاعة المشاريع”، كاشفا أن “الوكالة القضائية للمملكة، في إطار المخطط الإستراتيجي 2024ـ2028، سترفع مقترحات إلى رئاسة الحكومة بخصوص هذا الموضوع”.
وقال المتحدث ذاته في الإطار نفسه إن “ارتفاع منسوب منازعات الدولة بالموازاة مع مباشرة مجموعة من المشاريع أمر طبيعي، على اعتبار أن الحركية الاقتصادية التي تعرفها بلادنا من الضروري أن تنشأ عنها خلافات”، مردفا: “كنا نسجل 9 آلاف قضية جديدة من قضايا المنازعات ضد الدولة، في حين صرنا نسجل 20 ألف قضية جديدة سنويا”؛ كما استحضر “أهمية وضع إطار قانوني يتلاءم مع متطلبات إنشاء المشاريع الكبرى، وذلك بغرض وقاية المؤسسات العمومية من السقوط في المنازعات المتعلقة بالاعتداءات المادية على العقارات ذات الملكية الخاصة”.
في سياق متصل تحدث المسؤول نفسه عن قضايا التحكيم الدولي، إذ أوضح أنها “قضايا كبيرة ولها كلفة على سمعة المغرب، ولذلك يتم التعامل معها بشكل خاص من خلال اللجوء نحو التعاقد مع خبراء ومكاتب محاماة دولية لها خبرة فيها من أجل تحقيق التوازن مع المستثمرين، الذين يكونون معززين بمكاتب محاماة دولية”، مفيدا بأن “المستثمر عادة ما يذهب إلى النزاع الدولي ضد الدولة لعدم توفيرها خدمات معينة، وهو ما يجب التحكم فيه”.
واستدرك الوكيل القضائي للمملكة بأن “أغلب ملفات التحكيم تُحقق فيها نتائج مهمة؛ فللتذكير تمكنت الوكالة القضائية للمملكة من توفير 10 ملايير درهم في قضيتين فقط من قضايا من هذا النوع”، كاشفا أن “هذه المؤسسة لا تتوفر على أطر جهوية، إذ يتم مثلا تكليف محامين لمؤازرة موظفين عموميين”، مع توضيحه أنها “تتدخل تارة في النزاعات بصفتها مدعية وتارة أخرى بصفتها مدعى عليها، خصوصا عندما تكون الدعوى ضد الدولة ومؤسساتها العمومية”.
في حديثه عن محاور الإستراتيجية الوطنية للوكالة القضائية في تدبير منازعات الدولة وحماية المال العام التي تخص الفترة ما بين 2024 ـ2028 أشار المسؤول سالف الذكر إلى أن “المحاور الخمسة المقررة سيتم تنفيذها عبر 26 مشروعا و73 إجراء، من بينها تنظيم مناظرة وطنية حول تدبير منازعات الدولة في أبريل المقبل”.
كما سيتم وفق اللمتوني توقيع ميثاق شراكة مع القطاعات الأساسية، كالداخلية والتربية الوطنية والتجهيز والصحة؛ وهي القطاعات المهمة في تدبير المنازعات ضد الدولة. وسيتم كذلك إحداث قاعدة بيانات لمرْكَزَة القضايا التي تهم هذه القطاعات، ثم القطاعات الأخرى في ما بعد، على أن يكون تتبعها على مستوى الوكالة القضائية لتحديد نقاط ضعف تدبيرها والإمكانات المطروحة أمامها، طارحا بذلك “خيار الانفتاح على آليات الذكاء الاصطناعي”.