بعد تقديمه تشريحا مفصلا للوضعية المائية الحالية للمغرب والتحديات الرئيسية التي تتخللها، لا سيما توقع تقلص نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب سنويا، واستئثار القطاع الزراعي لوحده بـ80 في المائة من الثروة المائية، أوصى تقرير حديث بإصلاح نظام التسعير المائي ليعكس الندرة ويشجع الترشيد، و”بإنشاء هيئة وطنية مستقلة للمياه لتنسيق وتطبيق السياسات العامة”، فضلا عن “تعميم تقنيات الري الذكي مثل التنقيط والاستشعار عن بعد” بالفلاحة.
وقدّم التقرير، الصادر حديثا عن “المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة”، تحت عنوان “”الماء في المغرب، إرث الماضي، أزمات الحاضر، وفرص المستقبل”، أربعا وسبعين توصية لأجل “استراتيجية وطنية شاملة قائمة على الحلول الذكية، الممارسات التقليدية، الحوكمة الرشيدة، والتعاون الدولي، لضمان إدارة مائية متوازنة وعادلة وفعالة”.
وفيما يتصل بالعدالة المائية والتوزيع المتوازن للموارد، تشمل التوصيات، التي تضمنها التقرير الذي اطلعت عليه جريدة هسبريس الإلكترونية، “إحداث مجلس العدالة المائية، الذي يضم خبراء بيئيين اقتصاديين وممثلين عن الجهات لضمان توزيع المياه بشكل عادل وشفاف”، و”إطلاق برنامج التوازن المائية الجهوي لتحديد حصص عادلة لكل جهة بناء على وفرة الموارد واحتياجات السكان”.
كما تهم توصيات المركز معد الدراسة ترشيد استهلاك المياه عبر سياسات التحفيز والتوعية، من خلال “إطلاق نظام مكافآت رقمية للأفراد والشركات التي تحقق مستويات منخفضة من استهلاك المياه؛ وذلك عبر تخفيضات في الفواتير أو حوافز بيئية”، مع “إجبار المؤسسات العامة والخاصة الكبرى على إعداد تقارير سنوية حول استهلاكها المائي، مع فرض غرامات على الهدر غير المبرر”.
وأوصى المصدر نفسه “بتعميم تركيب العدادات الذكية في المنازل والمصانع، مع إرسال تنبيهات فورية حول الاستهلاك المفرط عبر تطبيقات الهاتف المحمول”، وكذا “بإطلاق تطبيق “المياه الذكية للمغرب لتمكين المواطنين من تتبع استهلاكهم والحصول على نصائح فورية حول الترشيد”.
وفي هذا الصدد، توقف التقرير عند إجراءات من شأنها “دعم التكنولوجيات الناشئة في قطاع المياه”، حين دعا إلى “تطوير حلول “إنترنت المياه” IoW، التي تعتمد على أجهزة استشعار متصلة تحلل الاستهلاك وتصدر إنذارات تلقائية في حالة الهدر”، مؤكدا أن الالتزام “بتعزيز استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل الأنماط المائية، (..) يتيح وضع استراتيجيات فعالة لتوزيع الموارد”.
وفيما يتصل بحماية الفرشات المائية من الجفاف، دعا المركز سالف الذكر إلى “فرض غرامات على الصناعات الكبرى التي تستهلك كميات مفرطة من المياه دون اعتماد حلول تعويضية”، مُطالبا “بتحديد سقف استهلاك مائي إجباري لكل قطاع اقتصادي، مع فرض ضرائب تصاعدية على المستهلكين الكبار”.
وفي هذا الصدد، نادى المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، كذلك، “بإطلاق برنامج رقمي لمراقبة الآبار غير المرخصة باستخدام حساسات ذكية لمنع الحفر العشوائي”.
في السياق ذاته، ومن أجل تعزيز “الزراعة الذكية والري المستدام”، أوصى التقرير “بإدخال أنظمة ري ذكية بالذكاء الاصطناعي لضبط كميات الري بدقة وتقليل الهدر بنسبة تصل إلى 30 في المائة”، وكذلك “باستخدام الطائرات المسيرة لتحليل التربة والرطوبة والتوجيه الدقيق للري”، مع “تحفيز الفلاحين على تبني أنظمة الري بالتنقيط مع دعم مالي حكومي للمزارع الصغيرة”.
ولأجل تطوير سياسات الجفاف والاستعداد للأزمات المائية، دعا المصدر نفسه إلى “إعداد خطط طوارئ لكل جهة للتعامل مع فترات الجفاف القصوى، مع تحديد الإجراءات المطلوبة للحد من تأثير نقص المياه”، موصيا “بإطلاق “مرصد الإنذار المبكر لأزمات المياه”، الذي يعتمد على البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي للتنبؤ بأزمات نقص المياه في المستقبل القريب”.
وأوصى في الصدد ذاته “بتطوير تقنيات استمطار السحب، بالتعاون مع الدول الرائدة في هذا المجال، مثل الإمارات والصين، للمساهمة في تحسين نسبة تساقطات الأمطار”.
وأبرز المركز الإفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة، وهو يرصد مكامن الخلل في الوضعية المائية الحالية بالمغرب، أن ندرة المياه بالأخير “ترتبط ارتباطا وثيقا بطريقة استخدام المياه في الري الذي يستهلك حوالي 80 في المائة من مياه المغرب سنويا”، مذكرا بأنه “يعطي أولوية الري للصادرات، وبالنسبة لبلد يعاني من الإجهاد المائي فإن صادرات منتجاته الفلاحية تعني تصدير جزء من المياه التي تشتد الحاجة إليها”.
ولفت في السياق ذاته إلى أن سياسة الري الحالية “ربما قد عمقت التفاوتات الاجتماعية؛ فمن ناحية أفادت هذه السياسة الفلاحين الكبار أساسا، حيث إن المستفيدين الرئيسيين من هذه السياسة هم المقاولون والفلاحون الذين يركزون على الإنتاج الموجه للتصدير. ومن ناحية أخرى، فإن الفلاح المغربي التقليدي الذي يعتمد على الأمطار والمياه الجوفية لم يستفد كثيرا من تحديث الفلاحة”.
ولفت المصدر نفسه إلى أن “المغرب يعتمد على التوجيه التقني المحض لتنمية الموارد المائية مع تهميش البعد البيئي والاجتماعي، حيث تم التركيز بشكل كبير على تزويد المدن بالماء الصالح للشرب، مع إهمال احتياجات العالم القروي”، مشيرا إلى أن خللا آخر يتعلق بـ”تشجيع تحديث الفلاحة المسقية دون الاهتمام الكافي بالسقي التقليدي ودوره الاجتماعي المهم”.
واعتبر المركز أن “التوجه الحالي نحو مشاريع تحلية المياه، سواء البحرية أو الجوفية، فينذر بكوارث بيئية”، مستحضرا أنه “في منطقة اشتوكة آيت باها، على سبيل المثال، تستخدم معدات تحلية المياه داخل الضيعات، ويتم التخلص من الأملاح المستخلصة بشكل عشوائي؛ مما يسبب تملح التربة وتحويلها إلى أراض غير قابلة للزراعة”.
في هذا الصدد، انتقد التقرير كون “المشاريع الزراعية الأقل تكلفة واستهلاكا للمياه، مثل زراعة الحبوب، تفتقر إلى الدعم أو الأولوية”؛ بينما “تشجع دفاتر التحملات التي تحدد شروط الحصول على أراضي الدولة للزراعة على استثمارات زراعية كثيفة المياه، مثل زراعة الأفوكادو والفواكه الحمراء والتي تستهلك كميات ضخمة من المياه، تفوق 10 آلاف متر مكعب للهكتار سنويا”.
وأشار المركز إلى “أنه تم تسجيل ضعف في التنسيق بين مختلف المتدخلين في القطاع، إلى جانب عدم تفعيل أجهزة التنسيق الرئيسية”، مبرزا “مثال المجلس الأعلى للماء والمناخ الذي لم ينعقد منذ سنة 2001”.