في الجنوب المغربي، وتحديداً في قبيلة تلاكلو، إحدى دواوير جماعة تغبالت بإقليم زاكورة، يحتفل السكان في 14 يناير من كل عام بـ”فاتح السنة الأمازيغية”. هذا اليوم المميز يحمل في طياته عادات وطقوساً موروثة من الأجداد، تجمع بين الأطباق الشهية والجلسات العائلية الممتعة والأذكار الحسنة.
الاحتفال برأس السنة الأمازيغية له نكهة خاصة في قبيلة تلاكلو، إذ يُجسد عراقة التقاليد المحلية ويُبرز روح الهوية الأمازيغية العميقة. ولهذا، يترقب الجميع هذه المناسبة للاستمتاع بأجواء مفعمة بالدفء وأطباق تقليدية تُعيد للأذهان عبق الماضي.
سبع خضاري
منذ القدم، يحتفل سكان تلاكلو برأس السنة الأمازيغية على مدى ثلاثة أيام متتالية، حيث يحمل كل يوم طقوساً فريدة ومتميزة تختلف عن الآخر. ورغم تأثير العولمة والتكنولوجيا والتمدن، لا يزال شباب القرية متمسكين بإرثهم الثقافي، محافظين على هذه العادات كجزء لا يتجزأ من هويتهم.
في أول أيام الاحتفال، يتم إعداد الفول بطريقة تقليدية فريدة تُعرف محلياً بـ “سبع خضاري”. ورغم أن الاسم لا يُقصد به عدد محدد من الخضروات، بل يعكس تنوع المكونات التي تُضاف إلى الطبق، يُطبخ الفول مع حبة واحدة من كل نوع من الخضروات والمكونات، مثل الجزر، وورقة الكرنب، ونبتة الأزير، وحبة تين، ولوزة، وتمر، وبعض حبوب القمح. وهي مكونات ترمز إلى الخصوبة والوفرة وتجلب الخير للعام الجديد.
يُقدَّم طبق “سبع خضاري” في كل منزل، حيث تجتمع الأسرة حوله، أو يُرسل إلى الجيران كعربون محبة وتآزر، مما يُعزز الروابط الاجتماعية. فلا يُنظر إليه كمجرد وجبة، بل كرمز للهوية الأمازيغية واحتفاء بالتراث المحلي.
خلال إعداد “سبع خضاري”، يُرمى لوزة في القدر، ومن يجد حبة اللوز في الطبق يُعتبر محظوظاً، ويُسلم مفاتيح مخزن المنزل للسنة القادمة.
في مساء اليوم الأول، يتم إعداد وجبة عشاء خاصة تشمل البيض المسلوق الذي يحمل دلالات رمزية كبيرة. يجري جمع البيض مسبقاً، وتُعير النساء اهتماماً خاصاً لتقديم أفضل الأنواع في ليلة رأس السنة. يُتناول البيض مع الملح والكمون وسط أجواء عائلية دافئة. كما تُرسل الهدايا من البيض إلى الأقارب كدليل على التقدير والمحبة، مما يُضفي على المناسبة طابعاً اجتماعياً أصيلاً.
هذه الليلة تمثل لقاء عائلياً مميزاً، حيث يتبادل أفراد الأسرة الأحاديث ويتطلعون بأمل إلى موسم زراعي مثمر وسنة مليئة بالخيرات.
إدمقورن وأسكيف
يُطلق على اليوم الثاني “إدمقورن ن سبع خضار” أو “إمكلي ن الوليات”، حيث تتوجه البنات المتزوجات إلى بيوت آبائهن برفقة أطفالهن لتناول وجبة الغداء، ليخلد اليوم كفرصة لتجديد صلات الرحم وتعزيز روح العائلة في أجواء احتفالية مليئة بالفرح والتواصل.
في اليوم الأخير من الاحتفال، يُحضَّر طبق خاص يُعرف بـ”أسكيف ن علي ومسعود”، وهو شربة حريرة غنية تُعد بعناية باستخدام التوابل والشحم والقديد والسمن، مع بقايا الفول من اليوم الأول، ليجسد هذا الطبق خاتمة الاحتفالات بروح من الألفة والتآزر.
تتناقل الروايات قصة رجل من أبناء القرية غادرها بعد اليوم الأول متجهاً إلى زاكورة على بعد كيلومترات عديدة، لكنه عاد مسرعاً حين تذكر حريرة “أسكيف ن علي ومسعود”، ليشارك عائلته في هذه الوجبة الشهية.
بهذه الاحتفالات المتنوعة، يعكس أهل تلاكلو عراقة التقاليد وروح الأصالة التي تحمل بين طياتها أمانيهم لعام جديد مليء بالخير والتآزر. فالمناسبة ليست مجرد احتفال، بل هي تعبير حي عن ارتباط الناس بجذورهم وتراثهم الثقافي الغني.