في خطوة تكشف حجم التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني، قدمت زينب العدوي، الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، أمام مجلسي البرلمان عرضا حول حصيلة أعمال المجلس برسم سنة 2023-2024، والذي سلط الضوء على أزمات هيكلية تمس قطاعات حيوية مثل منظومة التقاعد والجهوية المتقدمة، مشيرا إلى عجز تقني خطير في الصندوق المغربي للتقاعد بلغ 9.8 مليار درهم بنهاية 2023، مع تحذيرات من استنفاد الأرصدة الاحتياطية للصندوق في أفق 2028.
في ظل هذه المؤشرات، أبرزت العدوي الحاجة الملحة لتسريع الإصلاحات، لا سيما في ورش الجهوية المتقدمة، إذ أنه وعلى الرغم من ارتفاع الموارد المالية للجهات إلى ما يزيد عن 57 مليار درهم خلال ست سنوات، لا تزال وتيرة تفويض الاختصاصات بطيئة، مما يعيق استغلال الإمكانيات المتاحة، وهو ما يضع أمام الحكومة تحديات كبرى لضمان استدامة المالية العمومية وتعزيز الحكامة الجيدة والتنمية المحلية.
في هذا السياق، أوضح المحلل الاقتصادي، رشيد ساري، أن التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات جاء وفقا لما ينص عليه الدستور المغربي في الفصل 144، حيث يُلزم بتقديم تقارير من طرف الهيئة حول الوضع المالي والاقتصادي في البلاد، وقد تضمن هذا التقرير عددا من الملاحظات المهمة التي تستدعي الوقوف عندها بعناية.
وأكد ساري أن من أبرز الملاحظات التي أوردها التقرير هي الزيادة الملحوظة في نفقات الاستثمارات العمومية، حيث انتقلت من 52 مليار درهم في سنة 2015 إلى 119 مليار درهم في سنة 2023، مشيرا إلى أن هذه الزيادة تعكس توجه الدولة نحو دعم القطاعات المختلفة وتنفيذ مشاريع تنموية ضخمة، ما يشير إلى حجم الالتزامات الحكومية في هذا المجال.
وشدد ساري على أن التقرير تناول كذلك التوجهات الاستثمارية في قطاع الماء، الذي يعد من أولويات الحكومة في ظل الوضع المائي الصعب الذي يعيشه المغرب، حيث أورد التقرير أنه من المتوقع تخصيص ميزانية ضخمة تصل إلى 143 مليار درهم لقطاع الماء في إطار خارطة الطريق المائية والمخطط الاستراتيجي للفترة 2020-2027، ما يعكس الأهمية التي توليها الحكومة لهذا القطاع الحيوي.
فيما يتعلق بتنظيم كأس العالم 2030، أشار ساري إلى أن التقرير تطرق إلى الاستثمارات الكبيرة المخصصة لهذا الحدث الرياضي الضخم، مشددا على أن رئيسة المجلس الأعلى للحسابات، أكدت أن هذه الاستثمارات ستكون ضخمة، لكنه لم يتم تحديد الرقم بشكل دقيق، وهو ما يطرح إشكال إذ من المفروض أن يقدم المجلس أرقام ومعطيات واضحة.
وأضاف ساري أن التقديرات تشير إلى أن التكلفة الإجمالية قد تصل إلى 5 مليارات دولار، وهي الاستثمارات التي ستشمل عدة مجالات مثل الملاعب، الطرق، والمواصلات، مما يستدعي تحديد الرقم النهائي بشكل أكثر دقة.
وحسب ياري فإن المؤسسة قدمت مجموعة من التوصيات الهامة التي أوردها التقرير ومن بينها تسريع الربط بين الأحواض المائية الكبرى، خاصة في مناطق سبو، اللوكوس، وأبي رقراق، موضحا أن الوضع المائي في المغرب أصبح مقلقا، حيث لا تتجاوز نسبة ملء السدود حاليًا 29%، وبالتالي فإن هذا الربط سيضمن توفير المياه في المناطق التي تعاني من نقص في هذه المادة الحيوية.
وشدد ساري على أن التقرير تناول أزمة الصندوق المغربي للتقاعد، مؤكدا أن هذا الصندوق يواجه خطر العجز المالي بعد ثلاث سنوات إذا استمرت الأوضاع على حالها وهو ما يتطلب اتخاذ تدابير عاجلة لضمان استدامته المالية، حتى لا يواجه المتقاعدون أزمة كبيرة في المستقبل القريب.
وأوضح ساري أن التقرير أشار إلى المبالغ التي تم ضخها في مشاريع الجهوية المتقدمة، حيث تم تخصيص أكثر من 57 مليار درهم لهذا الغرض، إلا أن هناك العديد من العراقيل التي تواجه تنفيذ هذه المشاريع في بعض الجهات، خاصة فيما يتعلق بمسألة تفويض التوقيعات، وهو إشكال يتطلب إعادة هيكلة بعض الجهات، معتبرا أن هناك ترسانة من القوانين والمراسيم التي تزيد من تعقيد الوضع وتعرقل سير الأعمال في هذه الجهات.
وأورد ساري أيضا ملاحظة حول التواريخ الواردة في التقرير، حيث لاحظ أن بعض المعطيات تخص السنوات الماضية، ما يطرح تساؤلات حول مدى دقة المعلومات، مشيرا إلى أن هناك تداخلًا في المعطيات المستخلصة من مصادر متعددة مثل بنك المغرب ووزارة الاقتصاد والمالية، ما يستدعي توحيد مصادر البيانات وتحينها بشكل دوري لضمان دقتها.
وخلص المحلل الاقتصادي إلى التأكيد على أن التقرير الذي قدمه المجلس الأعلى للحسابات يتضمن عددًا من الملاحظات الاقتصادية الهامة التي تستدعي اهتمام الحكومة، مشددا على ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة في بعض القطاعات الحيوية مثل الماء، التقاعد، والربط بين الأحواض المائية، مع ضرورة إعادة هيكلة بعض الجوانب الإدارية لضمان تحقيق التنمية المستدامة والشفافية في تنفيذ المشاريع الحكومية.