لم تكد تخفت حدة الأصوات المنتقدة لقرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، تعيين الفنانة لطيفة أحرار عضوا بالمجلس الإداري للوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي، حتى نبهت نائبة برلمانية إلى حزمة من الإكراهات تواجه هذه المؤسسة، تشمل غياب مقر خاص و”نقص” في عدد الموظفين، ما يضعها تحت “ضغط” كبير أمام كثرة المعاهد والمؤسسات الجامعية، وزاد على ذلك ملاحظون قصور الوكالة أساسا في أداء مهامها، وعدم تحكم الاختصاص في تعيين مجلسها”.
قرار ميداوي تعيين أحرار في مجلس إدارة هذه الوكالة جاء عملا بأحكام المادة 8 من القانون المتعلق بها، الحامل رقم 80.12، وتطبيقا للمادة 8 من المرسوم رقم 1.16,154 الصادر في غشت 2016 بتطبيق القانون 67.12، القاضية بتعيين ممثل عن المؤسسات غير التابعة للجامعات من لدن السلطة الحكومية المكلفة بالتعليم العالي ضمن هذا المجلس، غير أنه لاقى انتقادات واسعة من رواد مواقع التواصل الاجتماعي.
أحد هؤلاء قال: “إذا أسندت الأمور لغير أهلها فانتظر الساعة. قالك أسيدي لطيفة أحرار دخلات لمنصب بالوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم والبحث العلمي”، فيما علق آخر: “أوالو غير… تم تعيين الفنانة لطيفة أحرار عضوا بمجلس إدارة الوكالة الوطنية للتعليم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي بالمغرب”، مخاطبا المعنية: “بلغي سلامنا للبحث العلمي”. وزاد مستهزئا: “خطوة موفقة نحو تعليم جيد سينافس اوكسفور وهافارد”.
انتقدت النائبة البرلمانية نادية تهامي، عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب، مجموعة من الإكراهات التي تواجه هذه الوكالة، ذكرت منها “غياب مقر خاص، مما يعيق العمل الإداري والتنظيمي للوكالة ويؤثر على فعاليتها، وهو ما يجب معالجته لتمكينها من القيام بوظائفها كاملة، وعقد اجتماعاتها في شروط لائقة”، و”ضعف عدد موظفي الوكالة، حيث إنها لا تتوفر إلا على 14 موظفا، ناهيك عن نزيف الموارد البشرية الذي تعاني منه”.
وأضافت تهامي في سؤال كتابي وجهته إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عز الدين ميداوي، ضمن الإكراهات كذلك، “الضغط الكبير على الوكالة: نتيجة العدد الهائل من الملفات والمؤسسات التي تحتاج إلى تقييم سنوي، في مقابل صعوبة استكمال الهيكل التنظيمي وتوظيف الموارد البشرية اللازمة لتنفيذ مهامها المتعددة والمتزايدة”.
وكان المجلس الأعلى للحسابات قد انتقد بدوره، في تقريره السنوي برسم 2023، “اقتصار” مهام الوكالة المحدثة سنة 2014، “على دراسة وتقييم مسالك التكوين وإبداء رأيها قبل منح الاعتماد أو تجديده أو قبل منح اعتراف الدولة بها، مما يضفي على عملها طابعا استشاريا محضا، حيث لا تشمل صلاحياتها منح أو سحب تراخيص الفتح أو الاعتماد أو اعتراف الدولة، وهي صلاحيات يعود القرار النهائي فيها للوزارة”.
ولفت إلى أن ذلك يأتي رغم أنه على المستوى الدولي، “توكل للهيئات المماثلة للوكالة صلاحيات واسعة في مجال منح وسحب التراخيص والاعتماد والاعتراف، وإجمالا كل ما يخص تنظيم ومراقبة مجال التعليم العالي الخاص”.
قال عبد الناصر ناجي، رئيس مؤسسة “أماكن” لجودة التعليم، إن “تقييم أداء هذه الوكالة يظهر أنها لا تؤدي مهامها كما يتعين بموجب القانون؛ إذ إن الدور الوحيد الذي تقوم به كاملا هو تقييم مسالك التكوين، فيما تقييمها لمؤسسات التعليم العالي لم يتم إلى أي حد الآن، إلى على سبيل التجريب، ولم يتم تعميمه على كافة المؤسسات”، مشيرا إلى أن “تقييم الوكالة للبحث العلمي بالمعاهد والكليات الجامعية المغربية يكاد يكون غائبا”.
وأوضح الناجي، في تصريح لهسبريس، أن “إكراه المقر الذي لفتت إليه النائبة غير قائم؛ فالوكالة لها مقر خاص بها، غير أنه لا يمكن نفي قلة عدد موظفيها”، مستدركا بأنه “يمكن تجاوز هذا الإكراه الأخير إذا كان عدد خبراء التقييم الذين تعتمد عليهم الوكالة كافيا، بما أن هؤلاء هم من ينجز في نهاية المطاف مهام تقييم المؤسسات، بينما تنحسر مهام الموظفين في التسيير المادي والإداري للوكالة”.
وإلى “الإكراهات التي نبهت إليها النائبة”، سجل الناجي “وجود خلل على مستوى تركيبة المجلس الإداري للوكالة؛ إذ نجد أن المرسوم الذي وزع هذه التركيبة، بناء على حيازة صفة مدير مؤسسة للتعليم العالي أو رئيس جامعة سابق، سكت عن المواصفات الواجب توفرها في عضو المجلس، لا سيما الاختصاص والدراية الكافية بمجال تقييم المؤسسات وضمان الجودة، رغم أن هذا المجال جد دقيق”.
وعد الخبير عينه أن “أكبر إكراه يتمثل في كون الوكالة مازالت غير مستقلة عن الوزارة، الأمر الذي يحول دون اعتبارها مؤسسة للتقييم الخارجي للمؤسسات، رغم تنصيص القانون الإطار على إعادة النظر في جميع المؤسسات التي تؤدي دور التقييم، بما فيها هذه الوكالة”، مشيرا إلى أن “غياب الاستقلالية يحرم الوكالة من عضوية المؤسسات الدولية التي تضم الهيئات المشتغلة في المجال، على رأسها الشبكة الدولية لتقييم مؤسسات التعليم العالي وضمان الجودة”.
من جهته، أكد الحسين زاهدي، أستاذ التعليم العالي خبير في السياسات التربوية العامة، “وجوب توفير موارد بشرية كافية، وما يتعين من تسهيلات مادية لازمة للوكالة الوطنية لتقييم وضمان جودة التعليم العالي والبحث العلمي، خاصة وأن معاهد ومؤسسات التعليم العالي بالمغرب كثيرة ومتعددة، وتنتمي إلى جهات عدة، أهمها الجامعات التابعة للوزارة الوصية، وكذا القطاعات الحكومية المختلفة، ثم القطاع الخاص”.
وسجل زاهدي، في تصريح لهسبريس، “وجود تعثر واضح على مستوى تفعيل مقتضيات القانون الإطار المتعلقة بآليات التقييم الداخلي والخارجي؛ إذ لم يتم تحديد هذه الآليات إلى حد الآن، مثلما لم تصدر اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج الدلائل المرجعية للجودة التي من شأنها تحديد المعايير المعتمدة لتقييم جودة التعليم العالي والبحث العلمي بالمؤسسات الجامعية المغربية، الضرورية لتأدية الوكالة الوطنية سالفة الذكر لمهامها على أحسن وجه”.
وأكد أستاذ التعليم العالي الخبير في السياسات التربوية العامة أن “عدم تفعيل مقتضيات القانون الإطار، والنظر بمقاربة تجزيئية إلى منظومة التربية والتكوين، من خلال حلول ترقيعية لكل مشكلة بقطاعي التربية الوطنية والتعليم العالي، هو ما يجعل المنظومة تواجه في كل مرة تحديا معينا”.
واستحضر المصرح عينه في هذا الصدد تقرير المجلس الأعلى للحسابات برسم سنة 2023، الذي “شدد على أن تحسين إصلاح هذه المنظومة وشموليته، يتطلبان تفعيل مقتضيات القانون الإطار والرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم”.