بنسبة 27 في المائة على أساس سنوي في 2024، بصمت أسعار الذهب عالميا على مسار “غير مسبوق” من الارتفاعات خلال عام وصفه خبراء ومحللو أسواق المال بأنه “استثنائي” لبريق المعدن الأصفر النفيس، خاصة مع تحوّل متزايد لمجتمع المستثمرين والمؤسسات المالية الكبرى إليه كـ”أصل وملاذ آمن” وأداة مالية متزايد الإقبال عليها لضمان التحوط من التقلبات الجيو-سياسية والتضخمية الطارئة.
واستقرت تعاملات “المعدن الأصفر” رغم أنها كانت قد بدأت في التراجع منذ نونبر 2024 مباشرة إثر انتخاب ترامب لولايته الثانية، فيما سجل هبوطا طفيفا بنسبة 0.6% ليصل إلى 2617.33 دولارا للأوقية بحلول نهاية الأسبوع الأخير من سنة 2024، مما جعله يخسر 0.1%، مع تسجيل انخفاض العقود الآجلة للذهب بنسبة 0.8% لتستقر عند حوالي 2632 دولارا.
تأتي هذه التقلبات وسط مناخ من “تركيز المستثمرين اهتمامهم على تداعيات العودة المرتقبة للرئيس المنتخب دونالد ترامب وتأثير سياساته التضخمية المتوقعة على تحركات البنك المركزي الأمريكي (الفيدرالي) في عام 2025″، ما دفع “مجلس الذهب العالمي” إلى التوقع بأن “ترتفع أسعار الذهب بشكل أبطأ في سنة 2025 بعد تسجيلها مستويات قياسية في العام الذي يلفظ أنفاسه”.
المجلس العالمي المتخصص في تتبع تقلبات الذهب ورصد أسواقه سجل أن “السبائك ارتفعت بأكثر من 30% إلى غاية دجنبر عام 2024″، قبل أن يستدرك بـ”ترجيح أن تضعُف مكاسب الذهب السنوية بسبب متغيرات عديدة، أبرزها ديناميات النمو الاقتصادي ومؤشرات التضخم، علاوة على تأثيرات عودة ترامب إلى البيت الأبيض”.
وفي تقرير توقعاته لعام 2025 (صدر منتصف دجنبر) أكد المجلس العالمي للذهب أن “الحروب التجارية محتملة النشوب في الولاية الثانية للرئيس الأمريكي المنتخب، وتشابك التوقعات المعقدة لأسعار الفائدة، قد تمتد إلى نمو اقتصادي دون المستوى، مما يضرّ بالطلب من جانب المستثمرين والمستهلكين”. ورصد بهذا الشأن توجه “كل الأنظار نحو الولايات المتحدة. فبينما تمثل ولاية ترامب الثانية دفعة قوية للاقتصاد المحلي، فإنها قد تثير أيضاً درجة معينة من القلق للمستثمرين في جميع أنحاء العالم”.
رغم أن “المعدن الأصفر” في طريقه لتسجيل أحد أكبر مكاسبه وارتفاعاته السنوية خلال المائة سنة الماضية، إلا أن المختار كرومي، مهني متمرس في الذهب رئيس جمعية الصياغين التقليديين بجهة الدار البيضاء-سطات، ركز على أن الذهب “معدن يستمد قيمته من ذاته، وليس من اعتبار الناس له”، مستدلا على “إقبال كبير غير منقطع لشرائه من طرف البنوك المركزية العالمية وجموع المستثمرين بمختلف الدول”.
وقال كرومي، في تصريح لهسبريس، إنه “لا يمكن الحسم بالتأثير في مسار الذهب وتقلبات أسعاره، لأنه ببساطة لا يستطيع عامل واحدٌ (سواء كان انتخاب رئيس أو عاملا اقتصاديا خالصا) أن ينتزع منه قيمته”، مقللا بذلك من تأثير عودة ترامب على تباطؤ أسعار الذهب وتعاملاته الدولية والوطنية”.
ولفت المهني المغربي، الذي يشغل عضوية المجلس الوطني لـ“الفدرالية المغربية للصياغين”، إلى أن “سنة 2024 تميزت بأداء استثنائي للذهب الذي زاد بريقاً وجاذبية بالنسبة لمجموع المستثمرين، ما عززه كملاذ مالي أكثر أماناً من تقلبات البورصة والسندات، خاصة بعد الأزمات الصحية والجيو-سياسية والتوترات الطارئة خلال السنوات الماضية”.
وزاد شارحا: “وإنْ استقر الذهب خلال الشهرين الأخيرين من عام 2024، فإنه قد يرتفع في أي لحظة خلال العام الجديد”، متوقعا أن يستمر في ملامسة قمم جديدة وتحطيم أرقام قياسية”، مفسرا ذلك الإقبال المتزايد بـ”مكاسبه التي أحدثت تحولا جذريًا بانتشار سهل وسريع للمعلومة الحقيقية التي تبيّن فوائد المعدن باعتباره الملاذ الآمن، كما أن جائحة كورونا أسهمت لاحقا في تسهيل التعاملات بالذهب خارج القنوات المالية التقليدية (الرسمية)”.
وختم العضو بالفدرالية المغربية لصيّاغ الحلي والمجوهرات بالقول إن “المغرب لن يكون في منأى عن تقلبات أسعار الذهب العالمية ومساراته واتجاهاته في العام الجديد، إنْ صعودا أو استقراراً”.
من منظار تحليلي مماثل، قال رئيس الغرفة النقابية لتجار وصناع الحلي والمجوهرات بمدينة فاس، خالد كرامي الصنهاجي، إن “سنة 2024 عرفت تزايدا واضحا في عمليات اكتناز المعادن النفيسة (عموما) والذهب على وجه الخصوص، مبرزا أن زيادة الاكتناز عامل مُفض بالضرورة إلى تزايد الشراء، بما يسهم في ارتفاع الثمن النهائي للمادة الخام بالنسبة للمهنيين أو المَصوغة بالنسبة للمستهلكين”.
واعتبر الفاعل المهني ذاته، في حديث لهسبريس، إلى أن “الذهب باعتباره خاضعاً بقوة لدينامية العرض والطلب، قد عرف إقبالا كبيرا من طرف المواطنين المغاربة في شهر غشت الماضي تزامنا مع موسم المناسبات العائلية وحفلات الزفاف، قبل أن يعود إلى منحى الاستقرار النسبي خلال الأشهر المتبقية من العام”.
كما لفت الصنهاجي إلى أن “استقرار السوق ساهمت فيه حملة مقاطعة كان قد شنّها مهنيو فدرالية الصياغين في شهر أكتوبر المنصرم، لأن الأسعار المحلية كانت مرتفعة بشكل كبير وكان هناك تباين صارخ مع نظيرتها في البورصات والأسواق العالمية”، مبرزا أن “السوق المغربية تبقى ضعيفة ومتأثرة بتقلبات الخارج، مع ملاحظة المهنيين آثار ركود مستمر في ظل غلاء المادة الخام؛ فرغم أن معظم المواطنين يرغبون في شراء الذهب، إلا أن قدرتهم الشرائية لا تسمح لهم”.
وختم المتحدث بأن “سنة 2025 قد تحمل زيادة في أسعار الذهب العالمية”، مسجلا أنه “في حال بلوغ السعر 3000 دولار للأوقية عالميا، فإن سيدفع ذلك الأسعار في الأسواق المغربية إلى تجاوز سعر 1000 درهم لكل غرام، فيما بلغ حاليا مع نهاية 2024 متوسط سعر 800 درهم للغرام”.