آخر الأخبار

بعد عام من اتفاق 26 دجنبر.. "تبخر" وعود الإصلاح يسائل جدية تجاوز أعطاب التعليم - العمق المغربي

شارك الخبر

مر عام على توقيع محضر الاتفاق حول النظام الأساسي الخاص بموظفي قطاع التربية الوطنية في 26 دجنبر 2023، الذي جاء بعد حراك تعليمي استمر لأكثر من 12 أسبوعًا، والذي كانت له تكلفة باهظة على أبناء الشعب المغربي الذين أُهدر زمنهم المدرسي، وعلى الشغيلة التعليمية أيضًا التي أدت الثمن من خلال الاقتطاعات من الأجور بسبب الإضراب، والمحاكمات، والتوقيفات التي أثرت بشكل مباشر على سير العملية التعليمية.

وبعد سلسلة من الاجتماعات والمفاوضات، تم التوصل إلى اتفاق وُصف آنذاك بالتاريخي بين الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، والذي تضمن 37 نقطة تهدف إلى معالجة التحديات المرتبطة بالأوضاع المالية والإدارية للموظفين في القطاع.

وكان الهدف الأساسي من الاتفاق الذي وقعت عليه النقابات الخمس هو تفعيل خارطة طريق جاء بها الوزير الأسبق شكيب بنموسى لإصلاح التعليم، من خلال إقرار مجموعة من التعديلات التي مست الجوانب التربوية والمالية لموظفي التعليم. وكان من أبرزها زيادة عامة في الأجور بمقدار 1500 درهم شهريًا لجميع العاملين في القطاع، إضافة إلى إجراءات أخرى تتعلق بتسوية الوضعية المالية والإدارية لبعض الفئات، مثل الأساتذة المبرزين والمستشارين في التوجيه التربوي. كما تم اعتماد مقاربة جديدة في تنظيم مهام الأساتذة، من خلال الالتزام بمراجعة ساعات العمل والمهام التدريسية والإدارية.

ومع مرور عام على هذا الاتفاق، وعلى الرغم من أن الحكومة والنقابات أكدت في أكثر من مناسبة التزامها بتنفيذ بنود الاتفاق، فإن الواقع يختلف عن التصريحات الرسمية، كما يقول مهتمون بالشأن التعليمي، لتبقى التحديات قائمة فيما يتعلق بتحسين جودة التعليم، وزيادة الدعم للأساتذة في المناطق النائية، وتوفير بيئة تعليمية تحفز على النجاح والابتكار.

تلاعب بملفات الأساتذة

وفي هذا السياق، أدلى الأستاذ مصطفى الكهمة، عضو لجنة الإعلام بالتنسيقية الوطنية للأساتذة والأطر المختصة الذين فرض عليهم التعاقد، بتصريحات لجريدة “العمق”، عبّر فيها عن انتقاده لأداء وزارة التربية الوطنية في الوفاء بتعهداتها الواردة في محضر اتفاق 26 دجنبر 2023 الذي جاء كنتيجة للحراك التعليمي لنساء ورجال التعليم خلال الموسم الدراسي الماضي. وشدد الكهمة على أن العديد من النقاط التي وردت في المحضر ما زالت عالقة، دون تنفيذ فعلي على أرض الواقع من طرف الوزارة الوصية. كما أشار إلى أن عددًا من هذه النقاط كانت محور مطالب أساسية خلال الحراك التعليمي، وفي مقدمتها الالتزام بإحداث تعويض تكميلي لأساتذة التعليم الابتدائي والإعدادي وللمختصين التربويين والاجتماعيين وتقليص ساعات العمل، وهو ما لم يتحقق رغم مرور سنة كاملة على الاتفاق.

كما انتقد الكهمة التلاعب بالملف التعليمي من قبل الوزارة، حيث كانت الوزارة تروج للرأي العام الوطني بأنها تسعى إلى حل جميع القضايا المتعلقة بالاحتقان في القطاع، في حين أنها في الواقع، بحسب قوله، عمدت إلى توقيف العديد من رجال ونساء التعليم بأساليب “كيدية وانتقامية”، مما فاقم معاناة هؤلاء الأساتذة والأطر المختصة الذين كانوا يتطلعون إلى تحسين وضعهم المهني، مؤكدًا أن هذا الملف يبقى وصمة عار في جبين الوزارة ومن وصفهم بـ”البيروقراطيات” النقابية المتواطئة على الشغيلة التعليمية بحسب تعبيره.

وأشار الكهمة إلى أن من بين الوعود التي تم الالتزام بها في محضر الاتفاق هي معالجة الاقتطاعات التي طالت أجور نساء ورجال التعليم خلال فترة الإضرابات، وقال إن الوزارة لم تعمل على ذلك ولم تُرجع ما وصفها بالسرقات من أجور الشغيلة التعليمية، فضلاً عن عدم التزام الوزارة بتعهداتها في إحداث نظام أساسي خاص بمبريزي القطاع سنة 2024، والذي لم يرَ النور إلى اليوم.

وأشار أيضًا إلى عدم منح تعويضات مالية للأساتذة العاملين في المناطق النائية، والتي كانت قد تم وعدهم بها بداية من السنة الدراسية 2024-2025 كما ورد في محضر الاتفاق، لكن الواقع “يكذب” هذه الوعود، إذ لم يتم بعد دفع هذه التعويضات، بحسب ما صرح به الكهمة. إضافة إلى ذلك، استنكر الكهمة تراجع الوزارة عن وعدها بتقديم الدعم لذوي حقوق الأساتذة والأستاذات شهداء الواجب الوطني والمهني ضحايا الزلزال في المناطق المتضررة، خصوصًا في الحوز وتارودانت، مشيرًا إلى أن الوزارة فشلت في تحقيق أي خطوات ملموسة لدعم ذوي حقوق الأساتذة الذين تضرروا من الكارثة الطبيعية، باستثناء ما قامت به مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين بخصوص منحة العزاء الهزيلة التي تعطى للجميع، وهو أمر غير كافٍ لأننا أمام شهداء الواجب الوطني والمهني وكانوا هم من يعيل ذويهم.

ويكمل الكهمة حديثه مشيرا إلى أن العديد من النقاط الأخرى الواردة في الاتفاق لم تُنفَّذ، من بينها ما يتعلق بتسوية وضعية الأساتذة الحاصلين على شهادات الماستر ومهندس الدولة. وقال إنه كان من المفترض فتح المباراة للترقية في الدرجة بالشهادات خلال الأسدس الأول من سنة 2024 كما ورد في محضر الاتفاق، لكن هذه المباراة لم تُنظم بعد ونحن الآن في نهاية الأسدس الثاني من نفس السنة. كما أشار إلى تأخر في تسوية وضعية الأساتذة المفروض عليهم التعاقد في العديد من الأكاديميات، خاصة فيما يتعلق بالترقية إلى رتب أعلى، حيث لا تزال بعض الأكاديميات تعيش حالة من الجمود بخصوص الترقية.

وأشار ضمن حديثه إلى عدم تسوية وضعية الذين انتقلوا من أكاديمية لأخرى في إطار الحركة الانتقالية الوطنية للمفروض عليهم التعاقد عكس زملائهم الرسميين موظفي وزارة التربية الوطنية، لافتًا إلى تجميد مدة انخراطهم بالصندوق المغربي للتقاعد، بالإضافة إلى مشاكل مالية أخرى من قبيل حذف التعويض التكميلي الخاص بالتدريس بالثانوي التأهيلي، والنقص في أجورهم خاصة على مستوى أكاديمية بني ملال خنيفرة، مما يبين بقاء التعاقد وزيف كذبة إدماجهم في أسلاك الوظيفة العمومية، وفق تعبيره.

وفيما يتعلق بمطالب أخرى مثل تقليص ساعات العمل بالأسلاك التعليمية الثلاثة، أكد المتحدث على أن الوزارة كانت قد تعهدت بتحديد مدة أسبوعية مقلصة لساعات التدريس الأسبوعية، ولكن حتى الآن، لا يزال هذا الموضوع معلقًا، مما يُبقي الشغيلة التعليمية في حالة من عدم الاستقرار المهني. كما أن الوزارة لم تحدد بشكل دقيق مهام وتوزيع ساعات العمل لبعض الفئات داخل القطاع من قبيل الأطر المختصة التربوية والاجتماعية مما تسبب بالزج ببعض الأطر في المجالس التأديبية التي قال إنها تفتقد للشرعية بسبب بعض مديري المؤسسات التعليمية.

وأكد الأستاذ الكهمة أن الوزارة لم تعمل على إدماج الأساتذة والأطر المختصة الذين فرض عليهم التعاقد داخل أسلاك الوظيفة العمومية كما روجت لذلك حيث إن قانون المالية لهذه السنة 2025 لم يتم التنصيص فيه على المناصب المالية الخاصة بهؤلاء الأساتذة والأطر المختصة المفروض عليهم التعاقد.

وفي تصريحاته، لم يقتصر الكهمة على الإشارة إلى مشاكل التنفيذ فقط، بل حذر أيضًا من أن استمرار الوزارة في تجاهل هذه المطالب وعدم تنفيذ الاتفاقيات سيؤدي إلى احتقان وتصعيد جديد في القطاع. وقال إن التنسيقية الوطنية للأساتذة والأطر المختصة الذين فرض عليهم التعاقد، التي تعتبر من أبرز الحركات المطلبية في القطاع، ستواصل الضغط على الوزارة حتى يتم الوفاء بكل النقاط العالقة، مشيرًا إلى أن الوزارة يجب أن تتحمل مسؤولياتها وتلتزم بما تم الاتفاق عليه من مطالب واردة في المحضر والتي تحقق البعض منها بفضل الحراك التعليمي “التاريخي” الذي قادته الشغيلة التعليمية، كانتفاضة ضد ما وصفه بـ”تغول” الوزارة من جهة ومن جهة أخرى ضد ما أسماها بـ”البيروقراطيات” النقابية التي اتهمها بالتواطؤ المتواطئة على الشغيلة التعليمية والتي أكد الحراك التعليمي الأخير أنها فاقدة للشرعية النضالية الميدانية، على حد قوله.

تحقق الكثير وإشكالات تنتظر الحل

وفي تصريحات خص بها يونس فيراشين، الكاتب العام الوطني للنقابة الوطنية للتعليم التابعة للكونفدرالية الديمقراطية للشغل، جريدة “العمق”، أكد على التقدم الكبير الذي تم إحرازه في ملف النظام الأساسي لقطاع التعليم، مشيرًا إلى أن تنزيله حقق تقدمًا ملحوظًا، حيث تم تجاوز 90% من المراحل المتعلقة به. ورغم ذلك، يضيف فيراشين أن هناك بعض الإشكالات التي ما زالت قيد النقاش مع وزارة التربية الوطنية، أبرزها قضية “الزنزانة 10” التي ما زالت تحتاج إلى حلول نهائية.

وفيما يتعلق باتفاق 26 دجنبر، أكد فيراشين أن بعض النقاط الواردة فيه لا تتعلق مباشرة بالنظام الأساسي، مثل موضوع التعويض التكميلي الذي يظل أحد القضايا الرئيسية التي تشتغل عليها النقابة. وقال إن هذا الملف يتطلب التنسيق مع وزارات أخرى بالإضافة إلى وزارة التربية الوطنية، مشيرًا إلى أن الاجتماع الأخير مع وزير التربية الوطنية أكد على ضرورة اعتبار هذا الموضوع أولوية. وأضاف فيراشين أن النقابة طالبت الوزارة بضرورة الضغط على باقي الوزارات المعنية من أجل تنفيذ هذا الالتزام، الذي سيكون له أثر على تحسين وضعية الأساتذة.

وعن ملف تعويض العاملين في المناطق النائية الذي ورد في الاتفاق، أكد فيراشين أن نقابته تعمل بشكل مستمر مع وزارة التربية الوطنية ومؤسسة محمد السادس لتحسين ظروف العمل في هذه المناطق وتوفير سكن لائق برجال ونساء التعليم فضلاً عن ضرورة إحداث تعويض للعمل بهذه المناطق. وأشار إلى أن الاجتماع الأخير للجنة المديرية التابعة لمؤسسة محمد السادس قد ناقش هذا الموضوع، وتم الاتفاق على تخصيص اعتمادات مالية لهذا الملف.

وفي إطار الحديث عن القضايا المستعجلة، أشار الكاتب العام إلى أن اتفاق 26 دجنبر لم يبق منه الكثير، لكن هناك بعض القضايا التي يجب أن تحظى باهتمام خاص، مثل القضايا ذات الأثر المالي الكبير التي تتطلب تدخلا من الحكومة ككل، وليس من وزارة التربية الوطنية وحدها. وأكد فيراشين على أهمية تفعيل المادة 77 من النظام الأساسي المتعلقة لمواجهة الخصاص الكبير المسجل في الأطر الإدارية، كما شدد على ضرورة الإعلان عن مباريات الأطر الإدارية والمفتشين ومستشاري التخطيط والتوجيه في ظل الخصاص الكبير المسجل في هذه الفئات داخل المؤسسات التعليمية.

وأضاف فيراشين أن نقابته تتابع هذه الملفات عن كثب، وستواصل الضغط على الجهات المعنية لضمان تحقيق جميع الحقوق المقررة في النظام الأساسي، مؤكداً أن النقابة ستظل متمسكة بتحقيق مطالب الشغيلة التعليمية حتى تنفذ الحكومة التزاماتها بالكامل.

العمق المصدر: العمق
شارك الخبر


إقرأ أيضا