اختارت شعبة القانون بالكلية المتعددة التخصصات بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال أن تفتتح سنتها الجامعية بمحاضرة ألقاها الفقيه الدستوري وأستاذ العلوم السياسية امحمد مالكي. المحاضرة التي حملت عنوان “ستة عقود من الممارسة الدستورية في المملكة المغربية” تناولت تطور الدستور المغربي منذ نشأته، مسلطة الضوء على المحطات الرئيسية التي شهدتها مسيرة بناء دولة المؤسسات.
استهل اللقاء، الذي أدار أشغاله الإعلامي مصطفى غلمان، بكلمة عميد الكلية، عبد الرزاق الحارتي، الذي أكد على أهمية تقييم التجربة الدستورية المغربية عبر عقودها الستة، داعياً إلى تعميق البحث في أبعادها القانونية والتاريخية والاجتماعية. من جهته، عبّر الدكتور البشير المتاقي، رئيس شعبة القانون، عن اعتزازه باستضافة الدكتور مالكي، واصفاً إياه بأحد أعمدة البحث الأكاديمي في العلوم الدستورية.
الدكتور امحمد مالكي استعرض في محاضرته تطور الممارسة الدستورية المغربية منذ أول دستور مكتوب عام 1908 الذي ألغي مع توقيع معاهدة الحماية، مروراً بدستور 1962 الذي جاء بعد استقلال المغرب، وصولاً إلى دستور 2011 الذي وُلد من رحم حراك شعبي وسياسي ضمن موجة الربيع العربي. وركّز مالكي على الأدوار التي لعبتها مختلف الفاعليات السياسية والملكية المغربية في صياغة دساتير المملكة، مشدداً على أهمية تحقيق توازن بين سلطات الدولة وتوسيع المشاركة الديمقراطية.
أشار المحاضر إلى أن دستور 2011 يُعد مرحلة مفصلية، إذ جاء ليعزز صلاحيات رئيس الحكومة، ويدعم أدوار البرلمان في المراقبة والتشريع. لكنه أكد أن عدداً من بنود هذا الدستور لا تزال بحاجة إلى تفعيل حقيقي، مشدداً على ضرورة إعادة قراءة نصوص الدستور الحالي وتنزيلها على أرض الواقع.
كما تطرق مالكي إلى مراحل تاريخية حاسمة، مثل دستور 1908 الذي أرسى أسساً أولية لفكرة الفصل بين السلطات، ودستور 1962 الذي شكّل بداية الملكية الدستورية. وسلّط الضوء على التحديات التي صاحبت صياغة هذه الدساتير، بما في ذلك الخلافات السياسية وطبيعة التوافقات التي أفرزتها السياقات التاريخية المختلفة.
في ختام المحاضرة، دعا مالكي إلى إحياء الأطراف الميتة من دستور 2011، مؤكداً أن تعزيز آليات الحكامة الجيدة، وتخليق الحياة العامة، ومحاربة الفساد، وتفعيل دور مؤسسات الرقابة والمحاسبة هي السبيل لتحقيق ديمقراطية حقيقية. كما شدد على أهمية تكامل أدوار الفاعلين السياسيين والأكاديميين والحقوقيين في هذا المسار.
شهد اللقاء حضوراً مكثفاً من أساتذة وطلبة الجامعة، وجرى في نهايته تكريم الدكتور مالكي، في لحظة عبّرت عن تقدير عميق لإسهاماته الأكاديمية ومساهمته في إغناء النقاش القانوني والدستوري بالمغرب.