لعل الجميع شاهد مقطع فيديو لسائقي سيارات أجرة بالرباط يلاحقون سيارة قيل إن صاحبها يعمل بإحدى تطبيقات النقل، معرضين حياتهم وحياة المطارَد والركاب ومستعملي الطريق لخطر الموت، وضاربين عرض الحائط بكل التشريعات والقوانين المنظمة للنقل والسير، وكذلك للصفة الضبطية، إذ نصبوا أنفسهم فوق الأمن وفوق القضاء وطبقوا “شرع اليد” في حق مواطن يُشتبه في ارتكابه مخالفة، لا أقل ولا أكثر.
في اليوم ذاته، تم تداول مقطع آخر يظهر صراعًا بين سائقي سيارات أجرة بمطار طنجة، أحدهما من الصنف الأول والآخر من الصنف الثاني، على زبون بدعوى أن الذي حمله لا يحق له ذلك، فأراد المطارِد انتزاع “حقه” بشرع اليد، كما فعل زملاؤه في الرباط.
المقطعان المذكوران ليسا مجرد حادثين معزولين شاءت الأقدار أن يتزامنا، بل هما مشهدان التقطتهما عدسة الكاميرا من بين وابل من السلوكيات المشينة الصادرة عن قطاع سيارات الأجرة بصنفيها، والتي تتكرر يوميًا في جل المدن الكبرى. فقد أضحى بعض المنتسبين لهذا القطاع، ولا نقول كلهم ولا نعمم، ينصبون أنفسهم فوق القانون وفوق المؤسسات، وينازعون الأمن والقضاء في الصلاحيات، وينتهجون أساليب العصابات، ولا يتورعون عن الاعتداء على الجميع، مواطنين ومهنيين، بل وحتى مسؤولين، منهم أجانب. وما أزمة الاعتداء على الدبلوماسي الروسي ببعيد، وزد عليها الاعتداء على مهنيي النقل السياحي بالبيضاء وبمطار مراكش وغيرها من الأحداث التي لا يسع المقام لسردها.
إن سلوكيات عدد من سائقي سيارات الأجرة، والتي أصبحت “ظاهرة”، تحتاج إلى هَبّة حقيقية من الدولة ومؤسساتها ضد كل من سولت له نفسه تجاوز القانون وفرض سياسة الغاب. ويجب إعادتهم إلى جادة الصواب من خلال التطبيق الصارم للقانون وتشديد العقوبات المتعلقة بعرقلة الطريق العام، وانتحال الصفة الضبطية، ومحاولة القتل العمد. كما يستوجب ذلك إعادة تنظيم قطاع ما زال مرتهنًا لقوانين صادرة في ستينيات القرن الماضي، وموسومًا بالريع والاحتكار وكراء المأذونيات خارج الضوابط القانونية. لذا، لابد من تكييف هذا القطاع مع قواعد السوق الحرة والمنافسة العادلة والتطور التكنولوجي ومستجدات العصر. ويجب أيضًا إجراء تحقيق نزيه ومعمق في قصص وحكايات وأسماء متداولة في عدد من مدن المغرب عن مستفيدين من عدد كبير من المأذونيات استولوا عليها بالنفوذ وبحكم وظائفهم.
وقبل هذا كله، ينبغي إعادة النظر في معايير منح رخصة ممارسة المهنة، وفرض مستوى معرفي أو أكاديمي على الراغبين في ولوجها، مع اشتراط إجراء تكوين صارم ودقيق، لأنهم أشخاص مستأمنون على حياة وسلامة ملايين المواطنين والسياح. فضائحهم غالبًا ما تتعدى حدود المغرب وتجعلنا أضحوكة أمام العالم.
نفهم ونتفهم أن القطاع معقد ومتداخل وحساس، تؤطره منظومة قانونية قديمة ومتجاوزة، وأن عملية تنظيمه وتأطيره ليست بالأمر السهل والهين، وأن مواجهة “مسامر الميدة” ليست معركة يسيرة. ولكن، أصبح ذلك ضرورة حتمية ومستعجلة. فإما أن نواجه هذا المخاض، وإما أن نندب وجوهنا بعد مونديال 2030، الذي أصبحنا نراهن عليه ليكون نقطة مفصلية في مسارنا التنموي.