في ظل إعلان المغرب عن نيته استئناف إصلاحات تحرير سعر صرف الدرهم بحلول عام 2026، تعود إلى الواجهة تساؤلات حول مدى جاهزية البلاد وشتى أطراف الاقتصاد الوطني لمواجهة التحديات والفرص المرتبطة بهذه الخطوة الجريئة.
فتصريحات عبد اللطيف الجواهري المؤكد على استعداد المغرب للانتقال إلى المرحلة الثانية من تحرير سعر صرف الدرهم، تفتح المجال لنقاش واسع، وما مدى استعداد النظام المصرفي والبنية الاقتصادية لاستيعاب تداعيات التحول إلى تحديد قيمة العملة بناء على العرض والطلب.
وكان والي بنك المغرب قد شدد على وجوب تحقيق عدة متطلبات للانتقال إلى هذه المرحلة، ولعل أبرز هذه المتطلبات الحفاظ على التوازنات الاقتصادية الكبرى، مشيرا إلى التزام الحكومة بالسياسة الاقتصادية العامة التي تشمل ضمان الاستدامة المالية.
وتحدث الجواهري عن أهمية الحفاظ على احتياطيات العملة الصعبة عند مستويات آمنة، مبرزا أن السوق بدأ يستعيد ثقته بفضل الجهود التي تبذلها الدولة، موضحا، من جهة أخرى، أن المغرب في مراحل متقدمة من تطوير سوق تبادل العملات بين البنوك، حيث من المتوقع أن يكتمل السوق بنهاية الربع الأول من عام 2025، مما يساهم في تعزيز الشفافية وتبادل العملات بشكل أكثر كفاءة.
وفي ظل النقاش المتجدد حول تعويم الدرهم في المغرب، طرح المحلل الاقتصادي، رشيد ساري، تساؤلات جوهرية حول مدى جاهزية الاقتصاد الوطني لخوض هذه التجربة، مشيرا إلى أن الظروف الراهنة لا توفر البيئة الملائمة لتحرير العملة بشكل كامل.
واستحضر ساري النقاش الذي أثير منذ سنوات حول تعويم الدرهم، خصوصا في سنة 2018، حين شهد الموضوع زخما كبيرا وأثار الكثير من الجدل، معتبرا أن التجربة الحالية ليست سوى تخفيفا محدودا للارتباط بالدولار بنسبة تتراوح بين 3 إلى 5 بالمئة، صعودا أو هبوطا، مسجلا أن المغرب يعيش في ظل حالة من اللايقين الاقتصادي، مما يجعل تحرير الدرهم بشكل كامل خطوة محفوفة بالمخاطر.
وأضاف ساري: “كيف يمكننا الحديث عن تحرير الدرهم ونحن نعيش في هذه الحالة من اللايقين؟ لا يمكن تجاهل التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد المغربي، بدءا من ارتفاع نسبة الاستدانة، التي تجاوزت 70 بالمئة من الناتج الداخلي الخام، إلى الاعتماد الكبير على الضرائب كمصدر رئيسي للموارد المالية”.
وأشار المتحدث أن الاقتصاد المغربي يواجه تحديات هيكلية عميقة، أبرزها التأثير السلبي للتغيرات المناخية على القطاع الفلاحي، مؤكدا أن القيمة المضافة الفلاحية باتت سلبية، ما يفاقم المشكلات الهيكلية التي تتجاوز كونها أزمات دورية.
وتابع قائلا: “معدلات النمو الحالية، التي تتراوح بين 1.5 بالمئة و2 بالمئة، غير كافية لتوفير الاطمئنان المطلوب. وحتى في السيناريوهات المتفائلة، قد تصل إلى 4.6 بالمئة السنة المقبلة، لكن تحقيق هذا الهدف يبقى محل شك”.
وفي ظل التحديات الداخلية، يرى ساري أن العوامل الخارجية تزيد الوضع تعقيدًا، خاصة مع التقلبات الجيوسياسية التي تؤثر على الأسواق العالمية، مستشهدا بما حدث في تركيا ومصر كمثال على المخاطر التي تواجه الدول النامية عند اتخاذ قرار تعويم العملة في ظل مشكلات اقتصادية داخلية.
وحذر ساري من أن “التوجه نحو تحرير الدرهم بشكل كامل دون إجراءات تدرجية قد يكون مغامرة كبيرة، في ظل ارتفاع المديونية وتحديات التضخم، وبالتالي فإن المرحلة الحالية تستدعي التركيز على تحرير محدود بنسبة لا تتجاوز 10 بالمئة”.
رغم أن التضخم تحت السيطرة وعجز الميزانية مستقر نسبيًا، اعتبر المحلل الاقتصادي أن الحديث عن تعويم الدرهم قد يكون مدفوعا بضغوط من المؤسسات المالية الدولية، مؤكدا أن المضي في هذا المسار دون السيطرة الكاملة على المديونية سيكون خيارا غير حكيم.
وختم المحلل الاقتصادي، رشيد ساري، تصريحاته بالقول: اقتصادنا ليس قويا بما يكفي لتحمل صدمة التحرير الكامل للعملة، ورغم التحديات والجهود المبذولة، يبقى الاقتصاد المغربي قادرا على التكيف مع المتغيرات، لكن يجب تجنب المجازفة والدخول في مغامرات غير محسوبة.