انخفاض كبير في درجات الحرارة يلمَسُه المغاربة هذه الأيام، خاصة بالمناطق الداخلية والمرتفعات الجبلية، فيما اكتست بالثلوج قِممُ عدد من أقاليم وجبال الأطلسين الكبير والمتوسط. كما يُتوقع حسب أحدث التوقعات الرسمية “استمرار الطقس البارد مع هطول أمطار متفرقة في بعض المناطق”، إلى جانب “تشكل الصقيع والجليد على المرتفعات والهضاب العليا”.
وتطرح حِدّة “موسم البرد” لهذه السنة في عز ما تُعرف بفترة “اللّْيالي”، وكثافة تساقطات الثلوج في المرتفعات، مطالب مدنية متجددة تؤكد أهمية “التدخل الاستعجالي واللاممركز لفك العزلة وفتح الطرق والاستجابة السريعة لنداءات استغاثة قد تُطلقها ساكنة الأقاليم الجبلية والقرى النائية”، فضلا عن ضرورة “تنظيم تنقلات الرُّحل” مخافة أن يبقوا عالقين لأيام طوال.
وكانت المديرية العامة للأرصاد الجوية أنذرت في نشرة خاصة من “مستوى يقظة برتقالي” بتساقطات ثلجية بين 10 و40 سنتيمترا في أقاليم من الأطلسين المتوسط والكبير (أزيلال، الحوز، تنغير، ميدلت، ورزازات، وتارودانت).
الحسين أمرَوّح، فاعل جمعوي من إقليم تنغير، وتحديدًا جماعة اكنيون، التي شهدت طيلة أمس السبت إلى جانب جماعات ترابية أخرى تساقطات ثلجية مهمّة غطت مرتفعات مناطق عديدة، حسب ما أفاد به جريدة هسبريس الإلكترونية، أكد أن الثلوج “أدت منذ صباح السبت إلى انقطاع عدد من الطرق الجهوية والإقليمية، ما دفع السلطات المحلية والمصالح اللاممركزة إلى التحرك بشكل استباقي لمتابعة الوضع، والتخفيف من تأثيراته على السكان؛ مع فتح عدد من الطرق بحلول المساء”.
وأبرز الفاعل المدني ذاته، متحدثاً إلى هسبريس، أن “انخفاض درجات الحرارة يُفاقم معاناة ساكنة المناطق الجبلية في ظل فترات تشهد تساقطات مطرية أو ثلجية مهمة جدا، ما يعقّد مهمة الولوج إلى المنطقة”، معتبرا أن “جهة درعة تافيلالت، باستثناء جماعاتها الحضرية القليلة، تعاني من اللّاعدالة المجالية التي مازالت بادية في مختلف قُراها وأقاليمها ذات الطابع الجبلي القروي الغالب، كما أنها مازالت تتذيّل سُلم مؤشرات التنمية حسب نتائج الإحصاء الأخير”.
وقال أمروح إن “معاناة الساكنة والرّحل في مواسم البرد تتطلب التفاتة خاصة بعيداً عن الحملات الموسمية؛ فرغم دور الفاعلين الرسميين الذي يبقى مهماً غير أن عددا من الجماعات القروية لا تتوفر على كاسحات ثلوج أو آليات ومعدّات تضمن التدخل عن قرب والاستجابة بسرعة لنداءات استغاثة قد يطلقها الأهالي عبر مواقع التواصل أحيانا”، مشددا في هذا الصدد على “ضرورة توفير آلية لكل جماعة على الأقل”.
وأبرز الفاعل الجمعوي المقيم بمنطقة غير بعيدةٍ عن “جبل صاغرو” أن “تقوية السلطات الترابية جهودها مازالت تتطلب مزيدا من التواصل مع الساكنة، خاصة في الشق المتعلق بتنظيم تنقلات الرحل، وكذا الذين يمتهنون الرعي والأنشطة الفلاحية”، موردا أن “دور المجتمع المدني يبقى غير كاف، بإمكانيات بسيطة قد تكون مُسهمة في توفير حطب للتدفئة، مثلا، لكنها لا تضمن للمتضررين الاستجابة المطلوبة لفك العزلة والتدخل السريع”.
لم يُخف محمد الديش، المنسق الوطني للائتلاف المدني من أجل الجبل (مقره بولمان)، أهمية “الجهد الرسمي المبذول” عند محاولة استباق موجات البرد كل سنة بكل ما يصاحبه من وضع برامج خاصة للحد من آثارها، غيْرَ أنه استدرك بالإشارة إلى “استعجال ولامَركزية التدخلات وعدم موسميّة الحملات في مناطق الجبل، مع تعميم وسائل الإنقاذ على الجهات الأكثر تضررا”.
وأضاف الديش، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه “رغم دورية وزارة الداخلية وبرنامج وزارة الصحة المخصص كل سنة لفصل البرد، مع إحصاء ساكنة الأقاليم المعنية وجرد العمليات الممكنة للتدخل، فإنه على مستوى التطبيق الميداني مازالت الإجراءات المتخذة ولا النشرات الإنذارية غير كافية؛ بحكم أنها لا تشمل كل المعنيين (بعضهم رحّل أو متواجدون بمناطق خارج التغطية بوسائل اتصال حديثة…) الذين مازال عدد منهم يعتمد تدابير الاستعداد بشكل تقليدي لمواجهة أحوال الطقس الشديدة بوسائل قليلة”.
ونادى منسق ائتلاف الجبل والفاعل المدني بإقليم بولمان بـ”تكثيف الجهود بين الفاعلين/المتدخلين الرسميين والساكنة وجمعيات المجتمع المدني، للاستجابة لحالات الطوارئ والحالات المناخية القصوى بأساليب جديدة ومُستحدَثة”، منبها إلى أن “المجالات الجبلية والغابوية استُنزفت مواردها الطبيعية بشكل يفاقم معاناة المواطنين في فترات انخفاض درجات الحرارة التي تتطلب توفير حطب التدفئة اللازم، وأعلاف كافية لماشيتهم”.
وتابع الديش: “المناطق الجبلية أكثر هشاشة من الساحل والسهل، لكن الاهتمام التنموي طيلة السنة مازال للأسف متجها لمناطق غير جبلية”، داعيا إلى “إيلائها أهمية قصوى ودائمة ضمن برامج التكيف والتخفيف من الظواهر المناخية، وليس فقط البرد”.
وشدد المتحدث على أهمية “تعميم العمل بالمستشفيات المتنقلة الميدانية متعددة التخصصات في مختلف الأقاليم ذات الهشاشة التنموية، وكذا الاستعانة بدراجات للتنقل في المناطق الثلجية، وكذا تمكين الجماعات الترابية من استخدام الهليكوبتر في حالات فك العزلة والاستجابة لنداءات الإغاثة بعد تساقط الثلوج”، مبرزا استعجال مطلب وضع “خريطة للمخاطر” و”لامَركزة وسائل الإنقاذ وتجهيز الطرق صعبة الولوج ومجالس الجهات بمنقذين متخصصين”، قبل أن يدعو إلى “تنظيم ديناميات الترحال ومواكبة الرحل لتجنب انقراض الظاهرة”.