تشهد العلاقات الاقتصادية بين المغرب ودول القارة السمراء ديناميكية متسارعة، حيث حققت قفزات نوعية خلال السنوات الأخيرة. وتؤكد الأرقام الصادرة عن وزارة الصناعة والتجارة أن حجم المبادلات التجارية بين المغرب وإفريقيا شهد ارتفاعا ملحوظا، متجاوزا 45% خلال العقد الماضي، ففي حين بلغت قيمة هذه المبادلات 36 مليار درهم سنة 2013، ارتفعت لتصل إلى 52.7 مليار درهم سنة 2023.
ومن اللافت للنظر أن الصادرات المغربية نحو الدول الإفريقية قد تضاعفت خلال نفس الفترة، لتصل إلى 32.7 مليار درهم سنة 2023، هذا التطور الملحوظ يعكس مدى الاهتمام المتزايد الذي توليه المملكة المغربية لتعزيز علاقاتها الاقتصادية مع شركائها الأفارقة، ويسلط الضوء على النجاح الذي حققته الاستراتيجية المغربية في هذا المجال.
رغم كل هذا التقدم فإن التجارة الداخلية بين المغرب والدول الإفريقية مثلت بالكاد 4.6% من التجارة الخارجية للمملكة في عام 2023، وهو رقم يعكس ضعف التبادل التجاري مع القارة مقارنة بشركاء آخرين كالاتحاد الأوروبي (63%)، وآسيا (18.9%)، والأمريكيتين (12%)، وفقاً لإحصائيات مكتب الصرف.
ورغم تطور حجم التبادل التجاري بين المغرب وإفريقيا خلال العقد الماضي، حيث ارتفع من 36 مليار درهم في عام 2013 إلى 52.7 مليار درهم في عام 2023، إلا أن هذه الديناميكية تعرضت لتراجع ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث سجل حجم التبادل التجاري انخفاضاً بنسبة 18.14% بين عامي 2022 و2023، بعدما تراجع من 64.43 مليار درهم في 2022 إلى 52.74 مليار درهم في 2023.
المحلل الاقتصادي، ياسين أعليا، أكد أن ارتفاع المعاملات التجارية في القارة الإفريقية بنسبة 100% يعد مؤشرا إيجابيا يعكس نجاح التوجه المغربي نحو القارة، لافتا إلى أن المغرب اعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الفلاحية والمواد الأولية مثل الفوسفاط لتعزيز حضوره التجاري في إفريقيا.
وأضاف المتحدث أن بنية الصادرات المغربية لا تزال تعتمد بشكل كبير على المواد الأولية، ما يحد من القيمة المضافة لهذه الصادرات، كون أن المخطط الصناعي الذي تبنته المملكة يستهدف تعزيز التوجه نحو إفريقيا، إلا أن الصادرات الصناعية الموجهة للقارة لا تزال محدودة مقارنة بتلك التي توجه نحو أوروبا، وهو ما يقلل من فرص تحقيق اندماج اقتصادي قوي داخل القارة الإفريقية.
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة أن يطور المغرب منتجات صناعية ذات قيمة مضافة تلبي احتياجات الأسواق الإفريقية، مشيرا إلى أن تعزيز التعاون الثنائي مع الدول الإفريقية يعد خطوة محورية، خاصة في مجال إنتاج المواد التي تندرج ضمن خطط التنمية الاقتصادية للمغرب.
وأشار المتحدث في تصريح لـ “العمق” إلى أهمية التركيز على القطاعات المرتبطة بالتحول الطاقي، مثل إنتاج المعادن الأساسية اللازمة لصناعة الألواح الشمسية والبطاريات الكهربائية، مؤكدا أن تعزيز هذه الصناعات يعد خيارا استراتيجيا لضمان استدامة الاندماج المغربي في القارة.
وسلط المتحدث الضوء على الفرص الكبيرة التي تتيحها المنطقة الحرة التجارية الإفريقية، التي دخلت حيز التنفيذ، لتعزيز التبادل التجاري دون قيود جمركية، داعيا إلى استغلال هذه الفرصة لتوسيع التواجد المغربي في الأسواق الإفريقية.
وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أكد أعليا أن توسيع الشبكة الطرقية التي تربط المغرب بدول القارة الإفريقية يُعد عاملا أساسياً لتعزيز هذا التوجه، مستدركا قوله بأن هذه المشاريع تبقى غير كافية دون تبني خطط مشتركة مع دول جنوب الصحراء الكبرى، مثل موريتانيا والسنغال.
وختم أعليا تصريحه بالدعوة إلى توسيع المشاريع الاستراتيجية والشراكات الحقيقية مع دول جنوب القارة، على اعتبار أن تعزيز التعاون الاقتصادي والبنية التحتية هو المفتاح لتحقيق الأهداف الاقتصادية والاندماج المستدام في القارة الإفريقية.
جدير بالذكر أن كاتب الدولة لدى وزارة الصناعة والتجارة المكلفة بالتجارة الخارجية، عمر احجيرة، أشار إلى وجود دراسة على مستوى وزارة الصناعة والتجارة، كشفت أن للمملكة قدرات تصديرية إضافية غير تلك المسجلة اليوم، تبلغ 120 مليار درهم، و10 في المائة منها متمركزة في إفريقيا، “بمعنى أن المصدرين المغاربة بالإمكانيات المتوفرة لهم اليوم بإمكانهم إضافة 12 مليار درهم كرقم إضافي للصادرات المغربية نحو إفريقيا”.