أثارت الأرقام الأخيرة الصادرة عن المندوبية السامية للتخطيط حول ارتفاع معدل البطالة في المغرب إلى 21.3% خلال العشرية الأخيرة “صدمة واسعة” في الأوساط الاقتصادية والاجتماعية. وطرح ارتفاع هذه النسبة بشكل ملحوظ مقارنة بالأرقام السابقة العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة، مما يدق ناقوس الخطر بشأن التحديات التي تواجه سوق العمل المغربي.
أكد شكيب بنموسى، المندوب السامي للتخطيط، ارتفاع معدل البطالة في المغرب خلال العقد الماضي حسب الإحصاء العام للسكان والسكنى، بنسبة 5.1 نقطة مئوية، ليصل إلى 21.3% في عام 2024، مسجلًا انتقال المعدل من 19.3% إلى 21.2% في الوسط الحضري، ومن 10.5% إلى 21.4% في الوسط القروي.
وأوضح بنموسى أن التفاوت في أرقام البطالة يعود إلى اختلاف المنهجية المتبعة في جمع البيانات؛ فالإحصاء العام يعتمد على تصريحات الأفراد مباشرة، بينما الأرقام الدورية تستند إلى مصادر متعددة وتخضع لتحليل أعمق.
وأكد الخبير والمحلل الاقتصادي محمد جدري أن الإحصاء العام للسكان والسكنى، رغم أهميته، يعتمد على التصريحات الذاتية للأفراد، مما يثير تساؤلات حول دقته وموثوقيته.
وأوضح جدري، ضمن تصريح لجريدة “العمق”، أن بعض الأشخاص الذين يعملون لفترات قصيرة في القطاع غير المهيكل قد لا يعتبرون عاملين، مما يؤدي إلى تباين في نتائج الإحصاءات. وأشار إلى وجود فئة أخرى تعمل في القطاعات الموسمية، التي لا يعتبرها بعض المواطنين عملاً مستمرًا، مما يزيد من تعقيد تحديد النسب الحقيقية للبطالة في المغرب.
وفي هذا السياق، شدد على أن النسب المعلنة قد تكون موضع شك، إذ تعتمد بشكل كبير على التصريحات الشخصية للأفراد الذين قد يتحفظون على إظهار وضعهم الاقتصادي الفعلي بسبب الخوف من الضرائب أو لأسباب أخرى. كما أشار إلى أن البعض ينظر إلى العمل الموسمي على أنه غير مستقر، وبالتالي لا يعتبرونه عملًا حقيقيًا، مما يقلل من دقة التصريحات المتعلقة بالبطالة.
وأكد جدري أن الوضع الاقتصادي في المغرب شهد تدهورًا ملحوظًا في السنتين الأخيرتين، حيث بلغ معدل البطالة مستويات قياسية، متأثرًا بالعديد من العوامل، من بينها الجفاف، والتضخم، وارتفاع أسعار السلع والخدمات. كل ذلك تسبب في تراجع الطلب على اليد العاملة وجعل الأزمة أكثر تعقيدًا.
أما الحلول التي اقترحها الخبير الاقتصادي، فقد تمثلت في ضرورة خلق تنمية مستدامة وقيمة مضافة عبر تعزيز فرص الشغل في جميع القطاعات. وأكد أن هذه الحلول لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال معالجة مجموعة من التحديات، أبرزها إشكاليات الماء والطاقة، والضرائب، والقطاع غير المهيكل، وأنظمة التقاعد، والفساد، ومناخ الأعمال غير المواتي.
وأشار محمد جدري إلى أن معالجة هذه التحديات تتطلب جهودًا كبيرة من الدولة، بهدف دعم المقاولات الصغيرة والمتوسطة، وتوفير بيئة ملائمة لخلق الثروة والنهوض بالاقتصاد الوطني.
وفي ختام حديثه، أكد أن البطالة تشكل تهديدًا حقيقيًا للاستقرار الاجتماعي، حيث تضر بالقدرة الشرائية للأسر المغربية. وبينما تبقى معدلات البطالة، سواء كانت 13% أو 20%، مرتفعة مقارنة بالإمكانيات المتاحة، فإن الحل يكمن في استثمار هذه الإمكانيات وخلق فرص عمل فعّالة تسهم في تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين.
جدير بالذكر أن والي بنك المغرب، عبد اللطيف الجواهري، أكد أن 50% من الشباب المغربي بين 15 و24 عامًا يعاني من البطالة، مما يشير إلى أن سوق العمل في المغرب يشهد تحديات كبيرة، خاصة في صفوف الشباب.
وأوضح الجواهري، خلال الاجتماع الفصلي الرابع، أن معالجة مشكلة التشغيل بشكل فعّال تتطلب التركيز على تحقيق النمو الاقتصادي وتوزيع الثروة بشكل عادل. وأشار إلى أن الحلول الإدارية التي تم اعتمادها سابقًا أثبتت محدوديتها، مما يستدعي تبني مقاربة تنموية مستدامة.