آخر الأخبار

تحليل ثقافي واحتجاج ميداني.. بلقزيز يستشرف قضية فلسطين بعد "طوفان الأقصى"

شارك الخبر
مصدر الصورة

وجوه مغربية سياسية ومدنية وثقافية بارزة، لبّت موعد إحياء “الذكرى الأولى لمعركة طوفان الأقصى” المنطلقة من غزة الفلسطينية ضد المستوطنات الإسرائيلية في محيطها، وكانت في صفوف مسيرة العاصمة إلى جانب مغاربة آخرين من مختلف الانتماءات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار؛ فضلا عن متضامنين وحّدتهم مع آخرين الكوفية الفلسطينية والأعلام المغربية والفلسطينية واللبنانية.

من بين هذه الوجوه البارزة التي حضرت مسيرة الأحد 6 أكتوبر بالرباط المفكر والأكاديمي المغربي عبد الإله بلقزيز، الذي أعلنته المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم “ألكسو”، سنة 2024 الراهنة، “رمزا للثقافة العربية”، في إطار تقليد “رموز الثقافة العربية”، الذي كان قد منح هذا اللقب للشاعر الفلسطيني محمود درويش والفنانة اللبنانية فيروز.

بلقزيز، الذي حمل في محطة من محطات مسيرة الرباط لافتة تنعي إسماعيل هنية وحسن نصر الله، القياديين في “حماس” الفلسطينية و”حزب الله” اللبنانية، شارك، السنة الفارطة، في تفكيك لحظة “7 أكتوبر” وما شكلته بالنسبة إلى الواقع على أرض فلسطين المحتلة، والوعي الدولي، وقلب مفاهيم وآراء كانت تبدو مسلمة قبلها.

محطة أولى

من أولى المبادرات التي ظهر فيها اسم بلقزيز بعد “7 أكتوبر 2023” رسالة مفتوحة وجهها في الشهر نفسه مثقفون من المنطقة المتحدثة باللغة العربية إلى “مثقفي الغرب” ووقعتها أسماء بارزة؛ من بينها من المغرب: عبد الإله بلقزيز، علي أومليل، محمد برادة، محمد بنيس، محمد نور الدين أفاية، محمد الأشعري، صلاح بوسريف، عبد الرحمن طنكول، حسن نجمي، أحمد المديني، عبد القادر الشاوي، مبارك ربيع، نجيب العوفي، شرف الدين ماجدولين، فريد الزاهي، موليم العروسي، وفاء العمراني، محمد المعزوز، سعيد المغربي، عبد الكبير ربيع، وعز العرب العلوي.

وتقول الرسالة إنه رغم ما ظن من تقاسم مبادئ حقوق الإنسان نفسها، من حرية وعدالة ومساواة وحماية للكرامة الإنسانية، ونبذ للتعصب والعنصرية، ونبذ للحرب ودفاع عن السلم، ورفض للاحتلال، واعتراف بحق الشعوب في استرداد أراضيها المحتلة وفي تقرير المصير والاستقلال الوطني، فإن المثقفين شعروا “بوجود فجوة هائلة بين ما تميل الثقافة في الغرب إلى الإفصاح عنه من رؤى وتصورات ومواقف تتمسك بمرجعية هذه المبادئ، نظريا، وبين ما تترجمه مواقف القسم الأعظم من المثقفين -في الوقت عينه- من ميل إلى مناصرة الجلاد المعتدي على حساب حقوق الضحية المعتدى عليه والمحتلة أرضه، أو من الصمت على جرائمه المتكررة”.

وتابع الموقعون: “نشعر (…) بالفجوة الهائلة بين مبدئية مواقف مثقفي الغرب في شأن قضايا أخرى في العالم – نشاطرهم الموقف في ما هو عادل منها – وبين لوذهم بالصمت والتجاهل حين يتعلق الأمر بقضية فلسطين وحقوق شعبها في أرضه؛ الحقوق التي اعترفت بها قرارات الأمم المتحدة ذات الصلة!”.

وزادت: “ما أغنانا عن القول إن الفجوتين هاتين تترجمان مسلكا ثقافيا قائما على قاعدة سياسة (ازدواجية المعايير)؛ الأمر الذي نستقبحه لأنه يمس، في الصميم، رسالة الثقافة والمثقفين”.

وأردفت قائلة إنه إذا كان واقع الحال أن “السياسات الرسمية الغربية الممالئة لإسرائيل، والمتسترة على جرائمها، تبغي تزوير نضال الشعب الفلسطيني وحركة الوطنية عن طريق تقديمه بوصفه ‘إرهابا’، فينبغي أن لا ينساق قسم من مثقفي الغرب إلى لوك هذه المزعمة الكاذبة؛ لأن لهؤلاء الذين يروجونها من السياسيين مصالح من وراء ذلك لا صلة لها بمصالح شعوبهم ولا بمصالح مثقفيهم، ناهيك عن أن اتهام المقاومة ووصفها بـ(الإرهاب) انتهاك صارخ لمبادئ القانون الدولي الذي يقر بحق الشعوب في تحرير أراضيها المحتلة بالوسائل كافة، بما فيها المسلحة”.

محطة ثانية

في مداخلة عرضها برنامج “في الاستشراق” الذي يقدمه على “منصة مجتمع” الإعلامي المغربي ياسين عدنان، قال بلقزيز: “كانت أوروبا مسرح حروب دينية بين جماعات من معتقدات مختلفة، فجاءت العلمانية لفك الاشتباك بينها، وإخراج الدولة من براثن الحروب الدينية (…) أما اليوم فالديانة الوحيدة التي يعتنقها الغرب هي الرأسمال، وهي الإله الذي يؤمن به، والتعبير عنه هو المصلحة”.

وتابع: “العقيدة في الوعي الغربي الجمعي هي: أنا كانت المصلحة فثمة عقيدتنا. لذلك، ينبغي ألا نستغرب كثيرا ظواهر كالتي نراها (اليوم)؛ القوة فرضت نفسها، أمريكا فرضت نفسها على العالم سواء بجلت الله أو قدحت في الذات الإلهية، فذلك يسري على الأوروبيين، والمصلحة تقتضي أن تفرض دولة المعايير الكونية، رغم وجود مجتمع دولي وميثاق وقانون (بين قوسين)، إلا أن شريعة الأقوى هي من تفرض نفسها، وهؤلاء الصغار يرتضون الخضوع لهذه الشريعة وأن يساهموا أيضا في تقديم السخرة لها، وينبغي ألا ننشغل كثيرا بقصة العلمنة في الغرب، وهل تخلى عن علمانيته؟ فإلى حدود الآن، الغرب يقول إن الحضارة الغربية هي القائمة على التراث الديني اليهودي المسيحي، فماذا ترك لك لتقول له؟! فقد بلع لسانه ومعه العلمانية، لأن المصلحة تقتضي هذا”.

واسترسل صاحب سلسلة “العرب والحداثة” قائلا: “نحن من صرنا حريصين على تراث الأنوار، ونحن الذين جعلناه تراثا إنسانيا، من عرب وصينيين وهنود ولاتينيين… عن قناعة، ولم يبق فقط تراث أوروبا، لأننا تبنيناه وتشربناه واستوطن نسيجنا الثقافي، وإن تنكروا له ينبغي أن نكون أحرص على التمسك به”، فـ”الغرب ليس متمسكا بتراثه، ومنذ بدء حركة الاستعمار في نهاية القرن الثامن عشر، دمر الغرب كل بنيانه الحضاري وتحول إلى عدو لذاته وللعالم، والرأسمالية غيرت البشرية، هذا الوحش الذي اسمه الرأسمال غيّر كينونة الإنسان، والخيال الإنساني، والذوق الإنساني، والخيارات الإنسانية. لذلك، أوروبا والغرب ثمرة للرأسمالية”، ومعنى ذلك أنها جبّت ما قبلها”.

ثم أردف قائلا: إن “محاولة يتيمة” قد تمت “في العهد الكينزي في ما سمي بنموذج الدولة الاجتماعية، ونجح ذلك من نهاية الحرب العالمية الثانية إلى النصف الثاني من السبعينيات، وهي لحظت انتهت، وفيها بنت أوروبا أمجادها. وجاءت ليبرالية الرأسمالية المتوحشة مع الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر، وهي استمرار لأبشع أنواع العبودية في العصور القديمة، بوسائط أفعل في إيذائها للإنسان والحقوق الإنسانية، وهي التي جنت على البشرية كل الجرائم التي نعيشها”.

ووضح المفكر أن “المنعطفات الكبرى” من النهضة، والإصلاح الديني، والثورة العلمية، والثورة الصناعية، وحركات التوحيد القومي، والثورة السياسية، وعصر الأنوار “كل هذا من فتوحات أوروبا التي تحسب لها، لكن في المقابل ينبغي ألا نغالي كثيرا في النظر إلى هذه الفتوحات إلى درجة أسطرتها، كما تفعل بعض خطابات التبجيل المركزي الأوروبي، والغربي عموما، إلى حدود محاولة تكريس الانطباع بأن هذه هي المعايير المعتمدة لقياس درجة التقدم أو التحضر أو التمدن في أصقاع العالم”، فهي “فتوحات لكن علينا النظر إليها نقديا”.

وشدد بلقزيز على أن “أوروبا اليوم أيضا ضد تاريخها التحرري في سياسات دولها وحكوماتها، ومواقف نخبها، وخطابات مثقفيها. كلها تنكرت لهذا الماضي التحرري الذي أعتبره اللحظة الإنسانية الخلاقة في التراث الأوروبي التي صارت جزءا من التراث الإنساني، والتي علينا أن نستنقذها لا أن تترك تحت تصرف مهندسي الخطابات النيوكولونيالية والنيوليبرالية المعاصرة في الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، أما أوروبا فلا يعنيني أمرها فلتنقذ نفسها أو لتتورط كثيرا”.

كما ذكر المتحدث أن “التنميط والإرغام وفرض المعايير الوحيدة على كل العالم هو البرنامج الثقافي والسياسي للمشروع الغربي في حقبته الأمريكية الراهنة، وكل الدعوات التي تتعالى في العقود الأخيرة نحو بناء نظام عالمي جديد متوازن، والاعتراف بمجالات حضارية أخرى صارت لها مكانتها في المعارف والعلوم والإنتاج الاقتصادي وغيرها، هذه المعركة الكبرى الحقيقية التي علينا أن نخوضها اليوم، لا أن نضيع وقتا طويلا في الحديث عن فكر الغرب وثقافة الغرب”.

محطة ثالثة

من بين المحطات التي حلل فيها بلقزيز مستجدات ما بعد “الطوفان” ملف شاركت فيه أسماء ثقافية وأكاديمية مغربية بارزة ضمته فصلية “النهضة” الفكرية في ماي 2024؛ من بينها: علي أومليل، فتح الله ولعلو، محمد الحبيب طالب، محمد الأشعري، عبد القادر الشاوي، مالكة العاصمي، سعيد يقطين، كمال عبد اللطيف، صلاح بوسريف، نور الدين العوفي، أحمد المديني، إدريس هاني، محمد المحيفيظ، عبد الباقي بلفقيه، عبد الجليل طليمات، عبد العالي حامي الدين، مصطفى المعتصم، وعمر الزيدي.

وكتب أستاذ الفلسفة بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أن “سياسات دول الغرب تلك تجاه الفلسطينيين والعرب ما برحت تفصح، حتى الآن، عما يكتنفه جوفها من نظرة استعمارية، عنصرية وتحقيرية كريهة، إلى مجتمعاتنا وشعوبنا وحقوقنا!”، وهذا ما يثبته: “إصرار دول الغرب على دعم العدوان، ماديا وسياسيا ومعنويا، وتبريره، وعلى حماية دولة الاغتصاب من القصاص القانوني الدولي على جرائمها البربرية باستخدام سلاح النقض في مجلس الأمن، والرفض القاطع من قبلها لأي وقف للحرب بذريعة الخشية من إفادة المقاومة منها لإعادة بناء قواها، وإمعانها في تجاهل الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفي تجاهل وجود احتلال لأرضه بالقوة الغاشمة والتعامل مع المواجهة الحالية وكأنها بدأت في 7 أكتوبر الماضي لا قبل ستة وسبعين عاما، وإصرارها على إدانة الحركة الوطنية الفلسطينية وتزوير هويتها التحررية عن طريق تقديم المقاومة بوصفها ‘إرهابا’، ثم مشاركتها المباشرة في عملية الإبادة الجماعية لشعب فلسطين في غزة عن طريق الصمت عن جرائم الاحتلال والقتل الجماعي اليومي والتدمير الشامل للبنى ولشروط الحياة والتهجير القسري للمدنيين، وتبرير ذلك كله بمعاودة التأكيد على ‘حق إسرائيل في الدفاع عن النفس”.

وأضاف: “حرب السابع من أكتوبر لم تكن أول امتحان يفضح موقف الغرب، ويميط النقاب عن الفجوة الخرافية التي تفصل سياساته المطبقة تجاهنا عن المبادئ التي يزعم أنه متمسك بها وأنها حاكمة خياراته، إلا أن الحرب هذه مثلت المناسبة الكبرى لوضع خطابه وسياساته موضع الاختبار الدقيق (…) ولقياس المسافة الخرافية بين مقوله الإيديولوجي الكاذب وأفعاله السياسية النكراء، وتماديه في غيّ عقيدة المعايير المزدوجة. وكانت النتيجة مزيدا من انفضاح المخبوء العنصري والاستعلائي والعدواني في سياساته، بل في ثقافته السياسية الرسمية”.

ودخل “طوفان الأقصى”، حسب قراءة بلقزيز، على خط “العلاقة المضطربة بين العرب والغرب، وأعاد اختبارها في مجرى امتحانه غيرها من العلاقات (…) علاقة ما كانت طيبة منذ بدايات عهدها الحديث، يحتفظ كل طرف للآخر بصورة عنه في غاية السوء فيحشد لتبريرها من الشواهد أو الخيالات ما يفيض عن حاجة التسويغ، ويجهد الجهد الكبير كي يبدو الضحية في علاقة معقدة بآخره”. وبالتالي، “حدث السابع من أكتوبر أحيا، من جديد، هواجس الصدام بين العالمين، فقرئ هجوم المقاومة على معاقل المحتل بوصفه هجوم الشرق على الغرب وهجوم الإسلام على اليهودية – المسيحية! هكذا كانت حكومات بلدان الغرب ومراكز القرار فيها وأجهزة إعلامها جاهزة لإعادة إنتاج السردية الصهيونية والتلاعب بالحقائق والعلاقات، وتوظيف خطاب المظلومية بواسطة التذكير المستمر بالسابقة النازية”.

وأورد صاحب “نقد السياسة” أن الأسوأ من “التواطؤ وتوفير الغطاء السياسي”، “الدعم العسكري والاستخباراتي والمالي الذي تلقته دولة العدوان من حماتها الغربيين، خاصة من أنظمة واشنطن ولندن وبرلين وباريس! وما توقف الأمر عند تدفق المساعدات المادية والعسكرية، في امتد ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
هسبريس المصدر: هسبريس
شارك الخبر

إقرأ أيضا