آخر الأخبار

من عهد السعديين إلى العلويين .. شقير يقارب تطور التصنيع الحربي بالمغرب

شارك

عاد الباحث المغربي محمد شقير إلى الفترة السياسية الممتدة من المرابطين إلى عهد السلاطين السعديين والعلويين ليرصد تطور التصنيع الحربي بالمغرب، مشددا على أن هذا الأخير حاول الحفاظ على سيادته العسكرية واستقلاليته الحربية من خلال الاعتماد على قدراته المحلية في إنتاج وتصنيع أسلحته الحربية وعتاده العسكري.

واستحضر شقير ضمن مقال توصلت به هسبريس، مقومات التصنيع الحربي بالمغرب، والتي أرجعها إلى دوافع خلق صناعة حربية والتخفيف من التبعية العسكرية للخارج في سياق موسوم بالتنافس الإقليمي، وذلك من خلال بلورة ترسانة قانونية وإبرام شراكات مع بعض الدول المصنعة وكذا إحداث مناطق للصناعة الدفاعية مشددا على أن المغرب عمد في تبني سياسة تسلح موسعة تقوم على تنويع مزوديه بالأسلحة.

وأكد أن ولوج المغرب غمار الصناعات الحربية سيلحق المملكة بمصاف القوى الإقليمية، مبرزا أن إرساء هذه الصناعة لن يخفف من تكاليف استيراد المغرب للعتاد العسكري فقط، بل سيساهم في تحريك الاقتصاد وخلق مناصب شغل، بالصناعة العسكرية، وصناعات أخرى مرتبطة بها. بالإضافة إلى ذلك فإرساء هذه الصناعة الدفاعية يتماشى مع الرؤية الاستراتيجية للدولة بالمغرب.

نص المقال:

ارتبط التمدد الإمبراطوري للدولة بالمغرب بقدراته الذاتية على تصنيع معداته العسكرية من سيوف ودروع ومنجنيق سواء في فتح بلاد الأندلس، أو بسط نفوذه السياسي بالمغرب الأوسط أو في غزو بلاد السودان. كما عرف المغرب كورشة للصناعات الحربية النارية، حيث سعت السلالات الحاكمة، خاصة منذ الفترة السعدية، لضمان كفايتها من الإنتاج الحربي وخلق مصانع متخصصة في صناعة الأسلحة النارية والرماية المدفعية، لتلبية الاحتياجات العسكرية وتجنب الكلفة المادية لاستيرادها وكذلك الاستقلال عن الوسطاء.

إرهاصات التصنيع الحربي بالمغرب

حاول المغرب طيلة الفترة السياسية الممتدة من المرابطين إلى عهد السلاطين السعديين والعلويين الحفاظ على سيادته العسكرية واستقلاليته الحربية من خلال الاعتماد على قدراته المحلية في إنتاج وتصنيع أسلحته الحربية وعتاده العسكري بما في ذلك الأسلحة النارية قبل أن ينزلق في تبعية عسكرية أدت إلى هزائم عسكرية انتهت بفقدانه لسيادته الوطنية

التصنيع الحربي وتكريس السيادة العسكرية

اعتمد المغرب في جل حروبه التوسعية في محيطه الإقليمي المتوسطي (فتح الأندلس أو المغرب الأوسط) أو عمقه الإفريقي (فتح بلاد السودان) على قدراته العسكرية الذاتية حيث كان يصنع أسلحته وعتاده الحربي محليا. فقد كانت مختلف الأسلحة التي كان تستخدمها جيوش السلاطين المغاربة من سيوف ودراقات الدفاع، وحراب، وسهام من صنع محلي. فقد ساهمت بعض الحرف في مدن فاس ومراكش وغيرها في صنع هذه الأسلحة: فحرف دباغة الجلود اهتمت بصناعة السروج والدرق والدروع، في حين اهتم الحدادون بصناعة وصقل الأسلحة البيضاء من سيوف وخناجر وحراب.

كما اهتم السلاطين المغاربة أيضا بصناعة السلاح الثقيل من منجنيق وغيره حيث أشار المؤرخ الحسن الوزان في كتابه (وصف إفريقيا) أن هذه الأسلحة قد شغلت مساحات مهمة من مدينة فاس حيث كان تتم صناعة المنجنيق.

ولم يقتصر التصنيع الحربي بالمغرب على هذه الأسلحة فقط، بل شمل أيضا الأسلحة النارية. إذ تم استخدام السلاح الناري بداية في العهد المريني ليتسع استعماله في عهد السلاطين السعديين. “فانتشار وتنوع السلاح الناري، من أنفاض وبوزات ومهاريس وبنادق قصيرة mousquetons… لم يتم على نطاق واسع في صفوف الجيش ومن كان ينضم غليه من حراك ومتطوعة القبائل، إلا في عهد السعديين، وبالخصوص أيام السلطانين عبد المالك السعدي وأخيه وخلفه أحمد المنصور الذهبي…”.

وهكذا تعتبر الفترة السعدية العصر الذهبي لهذه الصناعة، فأقدم مدفع مغربي هو الذي يرجع إلى عهد محمد الشيخ الأول عام 952 هـ. ثم تكاثر هذا الجهاز في ما بعد بالمغرب السعدي، فقد هاجم عبد الله الغالب مدينة البريجة بأربعة وعشرين مدفعا في مقدمتها واحد يسمى ميمونة، وكان في غاية الكبر، وبعد هذا تشتمل بعض “محلات” محمد المتوكل على أكثر من مائة وخمسين نفظا. ولما بويع عبد الملك المعتصم اهتم -أكثر- بإنتاج المدافع التي كان عارفا بصناعتها وأشرف -بنفسه- على إعداد نحو ثمانية منها. وقد بنى المنصور السعدي “دار العدة” على مقربة من قصر البديع بمدينة مراكش، وهي التي يقول عنها الفشتالي: وأما ما يفرغ مع الأيام من مدافع النار ومكاحلها بدار العدة المائلة قرب أبوابهم الشريفة من قصبتهم المحروسة… فشيء غصت به الخزائن السلاحية والديار العادية”. وقد كان ضمن الجيش المنصوري أربعة فرق مدفعية تسمى بجيوش النار أو عساكر النار، قال الفشتالي: “والترتيب الذي جرى عليه العمل في عساكر النار بالحضرة: أن يتقدم -أولا- جيش السوس، ثم يردفه جيش الشرافة، ثم يردفهما العسكران العظيمان: عسكر الموالي المعلوجين ومن انضاف إليهم، وعسكر الأندلس ومن لبس جلدتهم ودخل في زمرتهم”، وعن مدى أثر الآلات النازية في المواقع، يسجل المصدر نفسه، أن جيوش المنصور قاذفة بشواظ النار، وحصباء البندق المنهل بسحائب البارود المركوم. تزجيه الرعود القاصفة، والصواعق الراجفة. وإلى عهد المنصور يرجع بناء أربعة عشر برجا مدفعيا تسمى “بستيونات”، وتتنوع بين أربع مدائن مغربية: واحد منها في مدينة تازا، واثنان بمرسى العرائش، وتسعة تحف بأسوار فاس الجديد، واثنان خارج فاس العتيق على مقربة من باب الفتوح وباب محروق، وقد كان هذا الأخير يعرف ببرج النار، تدليلا على مهمته المدفعية، ثم تنكب السكان هذا التعبير واستبدلوه باسم “برج النور”. وقد جهز السلطان نفسه هذه الأبراج الأربعة عشر بالمدافع وأسكن بها الحاميات المختصة، وكانت مدافع حصني فاس القديمة تقذف بالبارود والنار، وبالأكر المعدنية والحجرية.

وقد عمل السلاطين العلويون على لإحياء صناعة الأسلحة النارية والرماية المدفعية، حيث استقدم السلطان محمد الثالث -لهذه الغاية- بعثة من الأستانة عاصمة الخلافة العثمانية، عسكرية تركية في سنة 1767 تتكون من ثلاثين خبيرا توزعوا -حسب اختصاصاتهم- إلى أربع شعب:

– صناع السفن الحربية

– صناع القنابل المحرقة

– صناعة المدافع ومدافع الهاون

– اختصاصيين في الرماية بمدافع الهاون.

وقد بعث السلطان المغربي بمعلمي المراكب الجهادية إلى العدوتين، فدخلوا دار الصنعة بالرباط وصاروا يشتغلون إلى جانب المعلمين المغاربة، أما صناع المدافع ومدافع الهاون فقد أرسلوا إلى فاس فأقاموا بها إلى أن أدركتهم الوفاة هناك.

كما أسس السلطان نفسه مصنعا بتطوان لإنتاج القنابل الثقيلة تحت إشراف المتخصصين الأتراك، الذي تعلم منهم هذه الصناعة بعض التطوانيين. وقد كان من مظاهر النشاط الصناعي لإنتاج بعض الأسلحة النارية في هذا العهد، أن المغرب استطاع أن يصدر إلى الخارج أربعة آلاف قنطار من ملح البارود المصنوعة بالمغرب، في شكل مساعدة للدولة العثمانية.

التصنيع الحربي ومحاولة التخفيف من التبعية العسكرية

شكل الضعف العسكري الذي برز بشكل واضح ابتداء من حل الأسطول البحري المغربي سنة 1817، والهزيمتين اللتين تكبدهما المغرب أولاها سنة 1844 في معركة إيسلي أمام الجيش الفرنسي، والهزيمة الثانية أمام إسبانيا سنة (1859 – 1860) في حرب تطوان أحد العوامل الأساسية في دفع السلطان محمد الرابع إلى تحديث الجيش، من خلال محاولة استقطاب خبراء ومدربين عسكريين غربيين من أجل تكوين جيش نظامي على النمط الأوروبي. واقتناء أسلحة متطورة. لكن طموحه في التجديد لم يقف عند استيراد الأسلحة والآليات المتطورة فحسب، بل تعداها إلى فكرة صناعة هذه الاحتياجات العسكرية من أجل تجنب المبالغ المكلفة لاستيرادها وكذا الاستقلال عن الوسطاء الأوروبيين. فجاءت فكرة إنشاء مصانع للسلاح، أولها في مراكش سنة 1860. لكن ضعف الإنتاج وقلة جودة أسلحة مصنع مراكش اللذين كان مردهما إلى ضعف الخبرة العسكرية المتطورة الحديثة من ناحية، ووقوع المغرب في أحابيل وخداع تجار الأسلحة والسماسرة، الأجانب الذين كانوا لا يريدون أن ينعتق الجيش والحكومة المغربية من التبعية العسكرية الغربية، دفعت السلطان مولاي الحسن إلى إنشاء دار السلاح بفاس، أو ما سميت بالمكينة. “macchina” التي ارتبطت بالبعثة الإيطالية التي كلفت من طرف السلطان ببناء هذه الفبريكة. ولعل اختيار هذه البعثة الإيطالية من طرف السلطان لم يكن وليد الصدفة بل لتحقيق هدفين أساسيين:

– الأول السعي لتكوير صناعة حربية حديثة.

– والثاني الإفلات من قبضتي الفرنسيين والإنجليز اللذين يرغبان في إبقاء سياسة المغرب العسكرية تحت سيطرتهما.

وقد استغرق بناء هذه المنشأة العسكرية، التي سيطلق عليها سكان فاس لاحقا اسم المكينة، أربع سنوات. وكانت من تخطيط ثلاثة مهندسين إيطاليين وتحت إشراف الكولونيل الإيطالي جيورجيو بروكولي. غير أن إنجاز هذا المصنع لم يؤد إلى حصول المغرب على حاجياته من البنادق والذخيرة نظرا لعدة أسباب تقنية تتعلق بالافتقار إلى العدد الكافي من الصناع المؤهلين. فعلى الرغم من توفر المصنع على معمل للحدادة وبمشغل للنجارة والعربات، وكل ذلك بآلات حديثة مثل مطرقة آلية ومخاريط مختلفة لإصلاح الأسلحة.. فلم يكن ينتج أكثر من خمس بندقيات في اليوم. كما واجهت هذا المشروع العسكري عدة عراقيل وصعوبات سواء من داخل المخزن، “إذ لم يتوان وزير الحرب في التعبير عن معارضته للإيطاليين أو من خارجه. إذ لم يكن من صالح المستوردين وسماسرة الأسلحة أن تصنع هذه الحاجيات في المغرب وتصبح في متناول الكل وبأثمان مناسبة. لذلك، عملوا كل ما في وسعهم من أجل إجهاض هذه الخطوة الجريئة، فجندوا لها الفقهاء المتشددين من خلال إغرائهم والإغداق عليهم بالعطاءات حتى يتصدوا لكل خطوة إصلاحية يقوم بها السلطان. وبالتالي، فبعد وفاة السلطان مولاي الحسن، توقف العمل بهذا المصنع وأغلق أبوابه في سنة 1903 ليتحول بعد الحماية إلى محل لصنع الزرابي.

مقومات التصنيع الحربي بالمغرب

يبدو أن الملك محمد السادس قد قرر، بعد أكثر من حوالي قرن على إغلاق “دار الماكينة”، التي أنشئت في ساحة القصر الملكي بفاس كمعمل لصنع المدافع والبندقيات والبارود، و”دار العدة” التي سبق أن أنشئت للغرض نفسه قرب القصبة بمراكش، على إحياء صناعة حربية بالمملكة. حيث يبدو أن هناك مجموعة من الدوافع والمقومات التي توفرت لخوض غمار هذا المشروع بعدما تحول المغرب إلى قوة إقليمية بمنطقة البحر المتوسط وشمال إفريقيا.

دوافع خلق صناعة حربية

يرتبط توطين صناعة حربية بدوافع جيوسياسية إقليمية تتمثل في حفاظ المغرب على توازناته الاستراتيجية في فضائه الجيوسياسي؛ وذلك للتطورات التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا والساحل والصحراء وكذا للتخفيف من تبعيته العسكرية للخارج.

– التنافس الإقليمي:

إن الرغبة في خلق صناعة عسكرية محلية تندرج في إطار رؤية سياسية للالتحاق بالدول الصاعدة والتي تضع تطوير منصة صناعية حربية في قلب تنمية قطاعاتها الوطنية والمحلية. فلمصر استثمارات ضخمة في الأسلحة والمعدات لعسكرية، بالإضافة إلى منشآت لتطوير صناعتها العسكرية. حيث تعتبر الصناعة العسكرية في مصر من أكبر الصناعات الحربية في الشرق الأوسط، التي تنتج أسلحة مختلفة، منها أسلحة المشاة الخفيفة، والذخائر، والدبابات والصواريخ الجوية. “وبالنسبة لصناعة الأسلحة المرخصة فإن مصر تتعاون مع عدد من دول العالم في مجال التصنيع العسكري وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإنجلترا والصين وجنوب إفريقيا وفرنسا وبريطانيا وفنلندا وغيرها، لإنتاج الدبابات ومدافع الهاوتزر”، بالإضافة إلى تطوير وإنتاج قذائف الهاون ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا