يدفع قطاع الطيران التجاري في الشرق الأوسط وحول العالم بحدود مستقبل الطيران من خلال تقنيات تعطي الأولوية للمتانة والكفاءة.
وتمثّل التطورات في تصميم المحركات عنصراً أساسياً في هذا التوجّه، ويقف برنامج الابتكار الثوري للمحركات المستدامة " رايز" في طليعة هذه الجهود عبر تطوير واختبار تقنيات رائدة ترسي معايير جديدة في عالم المحركات.
تم إطلاق البرنامج عام 2021 من قبل شركة "سي إف إم إنترناشيونال"، وهي شركة مشتركة مناصفةً بين "جنرال إلكتريك" ومجموعة "سافران" لمحركات الطائرات، ويعمل البرنامج على تطوير مجموعة من التقنيات لبناء نموذج مستقبلي من محركات الطائرات تستهلك كمية أقل من الوقود بنسبة تزيد عن 20 بالمئة مقارنةً بالمحركات التجارية الحالية، مع الالتزام بمعايير المتانة المطلوبة.
ومنذ إطلاقه قبل أربعة أعوام، حقّق برنامج "رايز" تقدماً ملحوظاً في تصميم المحرك الدوار المفتوح ونواته المدمجة، التي تُمثّل قلب المحرك.
وبإكمال أكثر من 350 اختباراً شملت آلاف دورات التحمل، يعمل أكثر من 2000 مهندس حول العالم على دفع عجلة هذا التقدم للوصول إلى مرحلة الاختبارات الأرضية والجويّة المزمع إجراؤها خلال العقد الحالي.
الابتكار في بنية المحركات
تعتبر تقنية المحرك الدوار المفتوح أحادية المرحلة، والمعروفة أيضاً باسم المروحة غير الموصلة، إحدى أبرز الابتكارات في البرنامج والتي تستهدف نسبة تجاوز تزيد عن 5 أضعاف نسبة محركات المستقبل الموصلة الأكثر تطوراً.
وتعتمد هذه التقنية شفرات مصنوعة من ألياف الكربون لتخفيف الوزن وزيادة المتانة والقوة. وباستخدام الحوسبة الفائقة، تمكّن مهندسو برنامج "رايز" من تصميم مروحة تُحقق أقصى قدر من الكفاءة مع أدنى حدٍ من الضوضاء.
أمّا النواة المدمجة، ورغم كونها أقل بروزاً إلا أنّها ثورية بالقدر ذاته، فهي تضم وحدتي الضغط والاحتراق في المحرك. ويتم إعادة هندسة هذه النواة لتصبح أصغر حجماً ولتحسين الكفاءة الحرارية من خلال نظام تبريد متطور ومواد قادرة على تحمل درجات حرارة عالية للغاية. كما أنها مصممة لتكون متوافقة مع وقود الطيران المستدام (SAF) النقي، ووقود الهيدروجين، بالإضافة إلى أنظمة الدفع الكهربائية الهجينة.
الغبار والمتانة
بدأت اختبارات امتصاص الغبار للبرنامج وتشمل اختبار الجيل التالي من أجنحة توربينات الضغط العالي ، وباستخدام مزيج خاص من الرمل وجسيمات أخرى طورتها شركة "جي إي أيروسبيس"، تقوم منصة اختبار متخصصة بحقن الغبار في المحرك على مدار آلاف الدورات التشغيلية التي تحاكي عمليات الإقلاع، والصعود، والتحليق، والهبوط. ويهدف هذا الاختبار إلى تحديد مدى تحمل الأجزاء لظروف الطيران في بيئات التشغيل القاسية حول العالم، مثل طقس منطقة الشرق الأوسط.
تأتي هذه التجارب تتويجاً لسلسلة اختبارات التحمل التي أُجريت على توربينات الضغط العالي (HPT)، حيث تم إكمال أكثر من 3,000 دورة اختبارية بهدف تقييم أداء شفرات وفوهات التوربينات من حيث الأداء الحراري والميكانيكي وأداء النظام.
وفي هذا الخصوص، قال أرجان هيجمان، نائب الرئيس لشؤون مستقبل الطيران في شركة "جي إي أيروسبيس": "يهدف برنامج اختبار تكنولوجيا رايز إلى تحسين متانة المحركات وكفاءتها، وذلك من خلال تطبيق الدروس التي تعلمناها من أسطول الطائرات الحالي لتطوير منتجاتنا المستقبلية من المحركات، مع إخضاعها لاختبارات متكررة منذ مراحل التطوير الأولية".
واقع الطائرات خلال هذا العقد
إلى جانب انبعاثات الكربون، يُطوّر برنامج "رايز" أبحاث الحدّ من الانبعاثات غير الكربونية، مثل غازات أكاسيد النيتروجين (NOx) والجسيمات الدقيقة التي تنتج أثناء عملية الاحتراق وتتسبب في تلوث الهواء وتشكيل الآثار النفاثة للطائرات.
وقد تعاونت شركة "جي إي أيروسبيس" مؤخراً مع وكالة ناسا في تجربة العمق البصري للآثار النفاثة للطائرات (CODEX)، باستخدام تقنية الكشف عن الضوء وتحديد مداه (LiDAR) لإنشاء صور ثلاثية الأبعاد للآثار النفاثة، وتوصيف كيفية تشكلها وتطورها بدقة أكبر. كما قدّمت تجارب (CODEX) أيضاً أساليب تشغيل جديدة على منصة اختبار طائرة 747، مما ساهم في توسيع القدرات التشغيلية وإثراء إجراءات اختبار الطيران الجديدة استعداداً لتقييمات تقنيات المحركات من الجيل التالي خلال هذا العقد.
يمهّد هذا العمل الطريق لسلسلة من الاختبارات الأرضية والجوية المقرر إجراؤها لاحقاً خلال العقد الحالي، بما في ذلك التعاون بين "سي إف إم" و"إيرباص" لتقديم عرض تجريبي لطائرة ذات محرك دوار مفتوح. وتعمل فرق "سي إف إم" بشكل وثيق مع مُصنّعي هياكل الطائرات لتحقيق أفضل تكامل بين المحرك والطائرة.
تساهم كل عملية اختبار ومحاكاة وتعديل تصميمي في تقريب برنامج "رايز" (RISE) من هدفه بتشكيل مستقبل قطاع الطيران عبر تقنيات متطورة ومثبتة.
المصدر:
سكاي نيوز