آخر الأخبار

منطقة خصبة في السودان يتعفن فيها الطعام رغم انتشار المجاعة والحرب، فما القصة؟

شارك
مصدر الصورة

توجد منطقة في السودان يكاد المرء أن ينسى فيها أن حرباً أهلية مدمرة لا تزال مستعرة في البلاد.

تخرج النساء في منطقة جبل مرّة بالسودان كل صباح، بملابسهن زاهية الألوان، منتعلات نعالاً بلاستيكية، على ظهور الحمير، وهن يصحبن أطفالهن، للعمل في المزارع.

ويمكن تشبيه مناخ تلك المنطقة بمناخ المدن المطلة على البحر المتوسط، فضلاً عن توافر التربة الخصبة هناك، إذ تعمل تلك النساء في مزارع الفول السوداني والبرتقال والتفاح والفراولة، وهي محاصيل زراعية نادرة في دولة باتت تواجه إحدى أشد المجاعات على مستوى العالم.

فقبل اندلاع الصراع، كان البرتقال المزروع في جبل مرّة يحظى بمكانة مميّزة في البلاد لما يمتاز به من عصير وجودة.

كما تكسو الخضرة القمم الجبلية في تلك المنطقة من غرب دارفور، ولا سيما في هذا التوقيت من السنة، حيث موسم هطول الأمطار.

أما بقية السودان فتقف على حافة انهيار كارثي، إذ يواجه نحو 25 مليون مواطن، ما يعادل نصف السكان، نقصاً حاداً في الأمن الغذائي، في مختلف أنحاء البلاد، بسبب عامين ونصف من القتال الذي ألحق اضراراً بالقطاع الزراعي، ومن بينهم ما يزيد على 600 ألف نسمة يعيشون مجاعة فعلية، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة.

بيد أن المشكلة التي تواجه تلك المرتفعات الخضراء لجبل مّرة ليست إنتاج الغذاء، بل نقل محاصيلها إلى الخارج.

ويقول حافظ علي، بائع برتقال في بلدة غولو، الواقعة بين جبال ولاية وسط دارفور: "نحن نبيعها بثمن يكاد يكون بالمجان، وأحياناً نضطر إلى التخلص منها في الطريق إلى السوق، لأنها تتعفّن"، فانعدام الأمن وسوء حالة الطرق يجعلان عملية نقل المحاصيل شبه مستحيلة.

مصدر الصورة

ويمثل جبل مرّة آخر معقل خاضع لسيطرة حركة جيش تحرير السودان، بزعامة عبد الواحد محمد النور، وقد حافظ هذا الفصيل المسلح على حياده في الحرب الراهنة، ولم يبرم أي اتفاق سلام مع الحكومة في الخرطوم منذ عام 2003، إبّان اندلاع النزاع في دارفور في ذلك.

وكانت حركة جيش تحرير السودان قد سيطرت على ما يطلق عليه السكان المحليون اسم "المناطق المحررة" لما يزيد على 20 عاماً.

وتتزايد في الوقت الراهن عزلة الحركة تدريجياً، بسبب إحاطة الصراع للمنطقة من كل جانب.

وكانت قوات الدعم السريع والميليشيات العربية المتحالفة معها قد أغلقت الطرق الرئيسة في الغرب والشمال، كما تتعرض مواقع قوات الدعم السريع في الجنوب لقصف شبه أسبوعي من قبل الجيش السوداني، مما يفضي أيضاً إلى سقوط ضحايا مدنيين.

كما تفرض قوات الدعم السريع سيطرتها على بعض المناطق في الشرق.

ويؤدي ذلك إلى تهيئة بيئة مغلقة، حيث لم يعد بإمكان المزارعين والتجار الوسطاء الوصول إلى الأسواق الوطنية في مدينتي الفاشر، الواقعة على بعد 130 كيلومتراً، وتين عند الحدود التشادية، على بعد 275 كيلومتراً.

وتوجد خيارات أخرى، لكنها لا تتمتع بنفس نطاق الوصول الوطني، وجميعها تتطلب رحلات محفوفة بالمخاطر.

وأصبحت طويلة، الواقعة عند حدود أراضي حركة جيش تحرير السودان، مكاناً لسوق مؤقتة، إذ تقع على الطريق المؤدية إلى مدينة الفاشر، التي تحاصرها قوات الدعم السريع، وقد صارت ملاذاً لعشرات الآلاف من الذين نجحوا في الفرار من المدينة.

وبسبب صعوبة نقل المنتجات الزراعية إلى أبعد من ذلك، يشهد السوق فائضاً في العرض، مما يؤدي إلى تراجع الأسعار في هذه المنطقة.

ويوجد بعض الأفراد هناك يسعون لشراء المستلزمات بهدف تهريب المنتجات الزراعية إلى الفاشر، وهو نشاط شديد الخطورة، يهدد حياة المشاركين فيه ايضاً.

ولطالما كان نقل البضائع إلى هذا المكان أمراً صعباً، وغالباً ما كانت تتعرض المواد الغذائية للتلف أثناء عملية النقل.

ويقول يوسف، بائع فواكه في طويلة: "لقطع مسافة نحو 12 كيلومتراً، يحتاج المرء يوماً كاملاً من القيادة عبر الجبال والطين"، مضيفا أيضاً أن الوضع الأمني يجعل الأمور أكثر صعوبة حالياً.

وفي ولاية وسط دارفور، أتاح الهدوء الأخير بين قادة مجموعة الفور العرقية، التي تنتشر في المنطقة، والبدو العرب إقامة تجارة محدودة في بعض المناطق.

وأعيد فتح الأسواق في مدينة نيرتتي، الواقعة تحت سيطرة حركة جيش تحرير السودان، حيث تبيع نساء البدو العرب اللبن الرائب، ويأتي مزارعو جماعة الفور بالفواكه والخضراوات، بيد أن هذا الاتفاق يظل هشاً.

ويقول أحد التجار في نيرتتي: "يُفتح السوق مرة واحدة أسبوعياً فقط، ولا يزال السفر محفوفاً بالمخاطر، ولا تزال عمليات السلب والنهب المسلحة تُمارس على الطرق، رغم الاتفاق".

مصدر الصورة

ويمكن حالياً بيع الفواكه والمحاصيل في سوق زالنجي، الواقعة تحت سيطرة قوات الدعم السريع، عاصمة ولاية وسط دارفور، وعلى الرغم من ذلك تُوجه اتهامات كثيرة للميليشيات العربية المتحالفة مع قوات الدعم السريع من حيث مضايقة المدنيين أو الاعتداء عليهم، على الرغم من نفي هذه المجموعات أي مسؤولية.

وفي كل يوم خميس، وهو اليوم الذي يُفتح فيه السوق، تزداد نقاط التفتيش بين نيرتتي وزالنجي، والتي قد تصل أحياناً إلى ما يزيد على 22 نقطة، ومع زيادة حركة السيارات في أيام السوق، يغتنم مزيد من الأشخاص الفرصة للسفر.

وتخضع نقاط التفتيش لإشراف مقاتلي قوات الدعم السريع أو ميليشيات عربية، وأحياناً يشرف عليها فرد مسلّح واحد يرتدي زياً مدنياً ويطالب بدفع رسوم مالية، وفي كثير من الأحيان، يحاول السائقون التفاوض بينما يراقب الركاب المشهد في صمت.

وبالعودة إلى منطقة جبل مرّة، تقوم نقاط تفتيش تابعة لحركة جيش تحرير السودان بمراقبة كل الطرق المؤدية إلى الجبال، ويطالب الرجال المسلحون أيضاً برسوم مالية.

كما يجري تفتيش الحقائب، وتُصادر المواد الممنوعة، بما في ذلك مستحضرات تفتيح البشرة الشائعة الاستخدام في مناطق أخرى من السودان.

وعند الدخول إلى الأراضي الخاضعة لسيطرة حركة جيش تحرير السودان، على الرغم من السلام النسبي، تظهر دلائل واضحة على الصراع القائم في مناطق أخرى من البلاد، إذ تُرى يومياً شاحنات محمّلة باللاجئين الهاربين من القتال، لا سيما في محيط الفاشر.

ويلجأ العديد من هؤلاء الأشخاص إلى المدارس والعيادات والمرافق العامة الأخرى، حيث يحصلون على مساعدات إنسانية محدودة، في وقت تكافح فيه وكالات الإغاثة لعبور نقاط التفتيش كافة.

وفي غولو، العاصمة الفعلية لمنطقة سيطرة حركة جيش تحرير السودان، وصفت امرأة هربت من الفاشر الظروف القاسية، وهي الآن تقيم في فصل دراسي مع 25 عائلة أخرى وصلت مؤخراً.

وتقول المرأة: "ليس لدينا أي دخل. لا توجد فرص عمل متاحة، كنت أعمل ممرضة وأجيد الزراعة، لكن الأراضي هنا ملك لأشخاص يعملون لمصلحتهم الخاصة فقط. نحن في حيرة من أمرنا".

وأثناء حديثها، كان المرضى وكبار السن مستلقين على الأرض، والأطفال يصرخون من شدة الجوع، فعلى الأقل، ستُتاح بعض المساعدات، إذ ستكون المواد الغذائية التي لم يمكن نقلها من غولو متوفرة الآن.

هذه منطقة جبل مرّة، التي تمثل عالماً غريباً تحيطه الحرب، عالماً من الجبال الخضراء والشلالات المتدفقة، إنها عالم من الفواكه الناضجة، كما أنها عالم من المشردين الخائفين.

وقال أحد تجار الفواكه إنه فقد الأمل في كلا الطرفين المتحاربين، وأضاف: "لسنا طرفاً في الحرب، كل ما نريده هو بيع برتقالنا".

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا