"الحرب انتهت"؛ هكذا تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفخر عن نتائج اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، الذي جاء برعايته وبعد عامين من الحرب في قطاع غزة.
وتشمل المرحلة الأولى من خطة ترامب وقف إطلاق النار، والانسحاب الإسرائيلي الجزئي من مناطق في القطاع، وتبادل المعتقلين والسجناء والرهائن، وقد لقيت ترحيباً في إسرائيل وغزة.
لكن هناك قضايا أخرى، منصوصٌ عليها في خطة ترامب، لم تُحسم بعد، وقد تمثل تهديداً لوقف إطلاق النار، فكيف سيكون مستقبل غزة؟ وهل ستوافق حماس على التخلي عن سلاحها؟
تشير خطة الرئيس ترامب الخاصة بغزة إلى أن القطاع سيدار بشكل مؤقت عبر لجنة تكنوقراط فلسطينية غير مسيّسة لتقديم الخدمات العامة، تضم فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين، تحت إشراف ورقابة هيئة انتقالية دولية جديدة تُسمّى "مجلس السلام" الذي يرأسه ترامب، مع أعضاء آخرين ورؤساء دول سيُعلن عنهم، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير.
كما تنص الخطة على أن الولايات المتحدة، بالتعاون مع شركاء عرب ودوليين، ستُنشئ قوة استقرار دولية مؤقتة تُنشر فوراً في غزة، لتقديم التدريب والدعم لقوات شرطة فلسطينية مُعتمدة في القطاع، وستكون على اتصال وثيق مع الأردن ومصر اللذين يتمتعان بخبرة واسعة في هذا المجال. وستكون هذه القوة هي الحل الأمني الداخلي على المدى الطويل.
وتعمل فرنسا وبريطانيا الآن على إعداد مشروع قانون في مجلس الأمن يدعو لإنشاء هذه القوة.
أشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في تصريحات صحفية إلى أنه إذا لم تتخل حماس عن سلاحها بإرادتها خلال "فترة زمنية معقولة، سوف ننزع سلاحها".
وقال ترامب "تحدثت مع حماس.. وقلت لهم ستتخلون عن سلاحكم، أليس كذلك؟ فقالوا نعم سيدي سنتخلى عن السلاح".
إلا أن قيادياً في حماس قال لوكالة فرانس برس في وقت سابق إن "موضوع تسليم السلاح المطروح خارج النقاش وغير وارد".
كذلك نقلت الوكالة عن مسؤول في حماس قوله إن الحركة لن تشارك في حكم قطاع غزة خلال الفترة الانتقالية، مع تشديده على أنها ستبقى "عنصراً أساسياً من النسيج الفلسطيني".
لكن وكالة رويترز للأنباء نقلت يوم الجمعة عن القيادي في حماس، محمد نزال، القول إن الحركة تعتزم الاحتفاظ بالسيطرة الأمنية في غزة خلال فترة انتقالية.
وفيما يخص الإدارة الدولية للقطاع، فقد أعربت الحركة، في تصريحات لعدد من مسؤوليها، عن تحفظها على ذلك السيناريو، لا سيما فيما يتعلق بدور توني بلير.
كانت مصادر محلية في غزة قد قالت لبي بي سي إن حماس استدعت آلافاً من أفراد قواتها الأمنية لاستعادة السيطرة على مناطق انسحبت منها القوات الإسرائيلية مؤخراً.
لاحقاً، نفت حماس ذلك الحديث مشددة على أنها لا تريد استعادة السيطرة على غزة.
تكبد قطاع غزة خسائر بشرية ومادية هائلة.
بعد وقف إطلاق النار، اندلعت اشتباكات بين مقاتلي حماس وعشائر مسلحة، أسفرت عن عشرات القتلى والجرحى.
خلال زيارته إلى الشرق الأوسط، قال ترامب إن حماس تلقت الضوء الأخضر لتنفيذ "عمليات أمن داخلي" في غزة.
وأضاف أن الجماعة تريد "وقف المشاكل" وأنه "قد أُذن لهم بذلك منذ فترة".
يوم الخميس، قال ترامب عبر منصة تروث سوشيال " إذا استمرت حماس في قتل الناس في غزة، وهو ما لم يكن ضمن الاتفاق، فلن يكون أمامنا خيار سوى الدخول وقتلهم."
وأوضح لاحقًا أن كلمة "نحن" لم تكن تقصد القوات الأمريكية.
الباحث الفلسطيني جهاد حرب قال لبي بي سي إنه "لا يوجد غير خيارين فيما يتعلق بمستقبل غزة: إما السماح لحماس المنهكة والمتضررة بشدة بالسيطرة على القطاع في إطار قبول إسرائيلي، أو إسناد الأمر للسلطة الفلسطينية بشكل تدريجي، وهو ما يرفضه نتنياهو".
وتسيطر السلطة الفلسطينية بشكل جزئي على الضفة الغربية المحتلة من قبل إسرائيل.
في يونيو/حزيران، قال نتنياهو إن إسرائيل "دعمت العشائر" في غزة لمواجهة حماس.
وتتهم حماس هذه العشائر بالتعاون مع إسرائيل.
وبعد تقارير أفادت بأنه وافق على تزويد مجموعة يقودها ياسر أبو شباب بالسلاح، قال نتنياهو في مقطع فيديو على منصة أكس "وما الخطأ في ذلك؟ هذا ينقذ أرواح الجنود الإسرائيليين.. والإعلان عن الأمر لا يفيد إلا حماس."
مؤخراً، اشتبكت حماس مع مجموعات أخرى من بينها عشيرة دغمش، متهمةً بعض أفرادها بالانتماء إلى فصيل مسلح موالٍ لإسرائيل.
يمكن تلخيص الموقف الرسمي الإسرائيلي بالقول إن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ترفض أن تلعب حماس أي دور في مستقبل غزة.
لكن الرفض الإسرائيلي لا يقتصر على حماس فحسب، إذ لا ترغب إسرائيل أيضاً في أن تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة على القطاع، وهو ما يأتي في سياق رفضها قيام دولة فلسطينية، خاصة بعد هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الذي شنّته حماس عام 2023 وأسفر عن مقتل 1200 شخص، والحرب الإسرائيلية التي أعقبته في غزة والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 67 ألفاً من سكان القطاع، بحسب وزارة الصحة التابعة لحماس.
وفي أغسطس/آب الماضي، أي قبل التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار، أجرى نتنياهو مقابلة مع قناة "فوكس نيوز"، تحدث فيها عن عزم إسرائيل السيطرة على كامل قطاع غزة، ثم تسليمه إلى "قوة عربية" لم يُكشف عن هويتها.
الصحفي الإسرائيلي إيلي نيسان يرى أن رفض حكومة نتنياهو لسيطرة السلطة الفلسطينية على غزة يرجع إلى أنها لا ترغب في أي اتصال بين الضفة الغربية والقطاع، لكنه يعتقد أن نتنياهو وحكومته قد يرضخان لضغوط من ترامب للسماح للسلطة الفلسطينية بالمشاركة الجزئية، ولو بشكل محدود، في إدارة القطاع.
تشير خطة ترامب إلى إمكانية تولي السلطة الفلسطينية السيطرة على غزة في نهاية المطاف.
وبحسب الخطة فإن هذا الأمر سيحدث بعد أن تستكمل السلطة برنامجها الإصلاحي، "على النحو المبين في المقترحات المختلفة، ومنها خطة ترامب للسلام لعام 2020 والمقترح السعودي الفرنسي".
ويرتبط الحديث الأمريكي عن الإصلاح بالقضاء على ما تعتبره فساداً مستشرياً في السلطة
كانت إسرائيل قد احتلت غزة بعد حرب عام 1967، وفي عام 2005، وبعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة، بسطت السلطة الفلسطينية، التي تُعد حركة فتح من أكبر مكوناتها، سيطرتها على القطاع. وفي عام 2007 سيطرت حركة حماس على غزة عقب اشتباكات عنيفة بين مسلحيها ومسلحي فتح.
حركة فتح تأسست على يد عدد من الفلسطينيين، من بينهم الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
في التسعينيات، تخلّت منظمة التحرير الفلسطينية، التي تقودها حركة فتح، رسمياً عن الكفاح المسلح ضد إسرائيل، وأيّدت قرارا أمميا يمهد الطريق أمام إقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967.
السلطة الفلسطينية رحبت بخطة ترامب.
وقال رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى لوكالة رويترز: "نحن بالفعل موجودون هناك (في غزة)"، مشدداً على أن "وجود ترتيبات دولية مؤقتة للمساعدة ومراقبة الأمور شيء، والحكم وإنجاز الأمور شيء آخر".
وأضاف أن كثيراً من الدول، بما في ذلك دول عربية، يعتقد أن السلطة الفلسطينية يجب أن تكون "مسؤولة" عن غزة، لأنها "الطريقة العملية الوحيدة لإنجاز الأمور".
أبدى ترامب اهتماماً بالحرب في غزة حتى قبل عودته إلى البيت الأبيض في ولايته الثانية.
ورغم تشديده المتكرر على ضرورة إلحاق الهزيمة بحماس لإنهاء الحرب، فإن تصوراته بشأن مستقبل القطاع بعد الحرب تباينت على مدار الأشهر الماضية.
فبعد أن كان يتحدث عن تحويل غزة إلى "ريفيرا الشرق الأوسط" ونقل سكان القطاع إلى مصر أو الأردن، جاءت خطته الأخيرة خالية من أي إشارات إلى الترحيل.
لكن ماذا عن التفاصيل؟ من هم التكنوقراط الفلسطينيون؟ وماذا نعرف عن "مجلس السلام"؟
لم تتضمن خطة ترامب تفاصيل واضحة حول الهيئة الدولية المفترضة لإدارة القطاع، فيما نشرت وسائل إعلام قائمة بأسماء شخصيات غير فلسطينية يُعتقد أنها مرشحة للانضمام إليها.
لكن رسمياً، لم يصدر أي تأكيد بهذا الشأن، بل إن ترامب قال مؤخراً إنه غير متأكد مما إذا كان توني بلير يتمتع بشعبية تؤهله لهذا الدور.
وأثناء زيارته إلى الشرق الأوسط، تجنّب ترامب الرد بشكل مباشر على سؤال من توم بيتمان، مراسل بي بي سي، حول القوة متعددة الجنسيات، قائلاً: "ستكون قوة كبيرة وقوية. ولن تستخدم كثيراً، لأن الناس سيتصرفون كما ينبغي."
وأضاف أن "مجلس السلام"، الذي سيتولى الإشراف على المرحلة الانتقالية في غزة، "سيكون جاهزاً في أقرب وقت ممكن."
وفي طريق عودته، وعندما سُئل عن حل الدولتين، أجاب ترامب:
"كثيرون يفضلون دولة واحدة، وبعضهم يفضل دولتين. سنرى. لم أعلق على ذلك بعد."
مصر وقطر – وهما الوسيطان الرئيسيان – دعمتا الإطار الدولي المعروف باسم "إعلان نيويورك".
وقد تبنّت الأمم المتحدة هذا الإعلان في إطار جهودها لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني ودفع حل الدولتين إلى الأمام.
يدعو "إعلان نيويورك" إلى إنشاء لجنة إدارية انتقالية في غزة تحت مظلة السلطة الفلسطينية، ويؤكد أن إدارة شؤون الحكم وإنفاذ القانون في جميع الأراضي الفلسطينية – بما في ذلك غزة – يجب أن تكون بيد السلطة الفلسطينية.
وتتوافق هذه الرؤية مع تصريحات لمسؤولين مصريين وقطريين تربط مستقبل غزة بإقامة دولة فلسطينية.
أما ما إذا كانت السلطة الفلسطينية ستحظى بفرصة لإثبات قدرتها على إدارة غزة مجدداً، فسيعتمد على عوامل كثيرة تقع خارج نطاق سيطرتها الحالية.
شارك في إعداد التقرير هشام شاويش وزكريا عياد (قسم المتابعة الإعلامية في بي بي سي ) وأندرو ويب (الخدمة العالمية لبي بي سي).