في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
كييف- لا تتوقف هجمات روسيا على أوكرانيا، لكن النصيب الأكبر من ضربات الصواريخ والمسيّرات والقنابل كان خلال الأسابيع الماضية على المقاطعات الحدودية، وخاصة على منشآت الطاقة وخطوط السكك الحديدية.
وشهدت -ولا تزال- مقاطعات تشيرنيهيف وسومي وخاركيف وزاباروجيا وخيرسون انقطاعات تامة أو طويلة لإمدادات الكهرباء والمياه، وتأخرا متكررا في مواعيد وصول وانطلاق قطارات الركاب والشحن.
وباتت المسيّرات تترصد حتى سائقي المركبات على الطرقات الواصلة بين كبريات المدن في تلك المقاطعات، وأدت إلى مقتل وإصابة العشرات منهم مؤخرا.
وحذّرت وزارة الطاقة الأوكرانية من مخاطر كبيرة تحدق بعمل محطة زاباروجيا للطاقة النووية بسبب انقطاع إمدادات الكهرباء عنها منذ 23 سبتمبر/أيلول الماضي.
ووصف الرئيس فولوديمير زيلينسكي الوضع فيها بالحرج، مؤكدا أن فصل الكهرباء نجم عن عمليات القصف الروسية، وأن الروس يعيقون إصلاح خطوط الشبكة الكهربائية المتجهة إلى المحطة.
لتوضيح خطر المشهد، تحدثت الجزيرة نت مع الخبيرة في مجال السلامة النووية بوزارة الطاقة الأوكرانية، أولغا كوشارنا، التي قالت إن المحطة تعتمد على إمدادات كهرباء الشبكة الأوكرانية في عملية تبريد المفاعلات النووية الست داخلها. وانتقلت إدارتها الروسية إلى الاعتماد على مولدات الديزل، لكنها لا تغطي كل الحاجة، ولا تكفي أكثر من 10 أيام.
وأضافت "هذا النوع من الخطر يحدث للمرة العاشرة منذ أن سيطرت موسكو عليها، لكنه أشد اليوم، بحكم أن الروس لا يسمحون لفرق الطوارئ بإصلاح الشبكات في زاباروجيا، وبالتالي يجب حل المشكلة أو تحويل المحطة إلى وضع الخمول التام عاجلا".
للوهلة الأولى قد تبدو الهجمات على قطاع الطاقة الأوكرانية تكرارا لما فعلته روسيا مرارا خلال أعوام الحرب الثلاثة الأولى، لكن مسؤولين وخبراء يرون فيها "تكتيكا جديدا" تتبعه موسكو.
وقال زيلينسكي إنها تسعى إلى "كسر أوكرانيا" باستهداف قطاع الطاقة وخلق مخاطر حولها، في إشارة إلى تعاظم دور هذا القطاع والحاجة إليه كلما اشتد حر الصيف أو برد الشتاء.
من جانبه، قال الخبير العسكري والعقيد السابق في قوات الاحتياط، أوليغ جدانوف، في حديث مع الجزيرة نت، "من الواضح أن روسيا تدمر كل البنية التحتية الحدودية بعمق 20 إلى 50 كيلومترا داخل أوكرانيا ، بشكل يجعل تلك المناطق غير صالحة للعيش".
وأضاف "يستهدفون محطات وشبكات الطاقة والاتصالات والنقل والطرق، ونرد بالمثل، لكن إمكانياتنا محدودة أمام ما لديهم والأهداف تختلف. نريد إضعاف قواتهم على الجبهات، ويريدون تهجير الناس عنوة وإنشاء مناطق عازلة، بما يشكل عبئا جديدا على البلاد، وربما على بعض البلدان الأوروبية".
وأمام مخاطر القصف وفي ظل مقومات حياة معطلة أو مهددة، تضطر السلطات لإجلاء الآلاف طوعا أو قسرا، ويجد كثير من السكان ملاذا في النزوح أو اللجوء، لكن هذا يحدث بصمت.
وعلى سبيل المثال، لا تخطئ العين زيادة الازدحامات المرورية في العاصمة كييف ووجود كثير من المركبات التي تشير لوحاتها إلى مدن ومقاطعات أخرى.
من جهتها، أعلنت بلدية كييف أن عدد النازحين بلغ في المدينة قرابة 424 ألف نسمة، في حين كان الرقم عند حدود 300 ألف في نهاية العام 2023.
دينيس جاء إلى العاصمة مع أسرته التي تضم 3 أطفال من ضواحي مدينة تشيرنيهيف. يروي حكايته للجزيرة نت، ويقول "فضلنا البقاء حتى عندما اجتاح الروس المقاطعة بداية الحرب، لكن الوضع تغير. محالي التجارية أغلقت بسبب تراجع أعداد السكان والقدرة الشرائية وارتفاع أجور شحن البضائع. والمدارس غالبا تنتقل إلى نظام التعليم عن بعد، ونعاني من أزمة كهرباء ومياه وتدفئة، باتت الحياة هناك جحيما لا يطاق".
بحسب بيانات منظمة الأمم المتحدة للطفولة ( يونيسيف ) و المفوضية العليا لشؤون اللاجئين ، فإن عدد النازحين داخليا في أوكرانيا بلغ بداية العام الجاري نحو 3.7 ملايين نسمة، وتجاوز عدد اللاجئين الأوكرانيين خارج البلاد 6.9 ملايين نسمة.
ووفق تقرير لوزارة الشؤون الاجتماعية، فإن أكبر عدد من النازحين مسجل لمواطنين خرجوا من مقاطعة خاركيف وبلغ عددهم 724 ألف نسمة، تليها خيرسون بـ439 ألفا، ثم زاباروجيا بـ400 ألف، فسومي بـ144 ألفا.
لكن منظمات محلية تؤكد أن هذه الأعداد تحصر من سجلوا أنفسهم كنازحين أو لاجئين فقط، ولا تشمل ملايين آخرين بدؤوا حياة جديدة دون تسجيل أنفسهم رسميا.
وتقول فيكتوريا فينتشوك، ناشطة في جمعية "أجنحة العون"، للجزيرة نت "أزمة النزوح تتفاقم بصمت فعلا. رغم عودة بعض من غادر بداية الحرب، أعتقد أن أعداد النازحين داخليا لا تقل فعليا عن 6 ملايين، وأعداد اللاجئين ثابتة عند حدود 8 ملايين، أي ما يعادل مجموعه العام نحو ثلث عدد السكان قبل الحرب تقريبا".