تحليل لـCNN: الدنمارك تُعزز دفاعات غرينلاند فيما قد يشكل ترامب تهديدا أكبر من روسيا

تحليل من إعداد ماثيو تشانس، كبير مراسلي الشؤون العالمية في شبكة CNN

(CNN) -- في المضايق البرية في جنوب غرب جزيرة غرينلاند ، يُسيّر أسطول من السفن الحربية الدنماركية دوريات في المياه الجليدية لما أصبح نقطة ساخنة في القطب الشمالي مُتنازع عليها بشدة .

ولثلاثة قرون، كانت الدنمارك القوة السيادية هنا، مملكة أوروبية صغيرة لا تزال تحكم غرينلاند البالغ عدد سكانها 57 ألف نسمة، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من التضاريس الوعرة والغنية بالموارد .

لكن السلطة الاستعمارية الدنماركية - التي تُركز الآن بشكل رئيسي على السياسة الخارجية والدفاعية والاقتصادية- تواجه تحديًا غير مسبوق، والمملكة الإسكندنافية تبذل قصارى جهدها لتعزيز سيطرتها العسكرية والحفاظ عليها .

ودُعيت شبكة CNN إلى متن فرقاطة الدفاع الجوي الدنماركية "نيلز جويل " ، الموجودة في غرينلاند للمشاركة في مناورات "ضوء القطب الشمالي": وهي مهمة تدريب برية وبحرية وجوية، تُمثل جانبًا واحدًا فقط من الوجود العسكري الدنماركي المكثف، الذي أُطلق في يونيو/حزيران، حول مواقعها في القطب الشمالي .

ويُعرب المسؤولون الدنماركيون علنًا عن مخاوف حلفائهم في حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أن روسيا تُعزز قدراتها الهجومية في القطب الشمالي على مدى العقدين الماضيين أو أكثر .

موقع حيوي

وتقع غرينلاند، إلى جانب أيسلندا والمملكة المتحدة، على طول محور حيوي، يُسمى فجوة جيوك، التي تُسيطر على الوصول البحري إلى شمال الأطلسي .

وقد تكون موسكو غارقة في القتال في أوكرانيا حاليًا، ولكن بمجرد انتهاء هذا الصراع الوحشي، ذكر مسؤولون عسكريون دنماركيون شبكة CNN أنهم يتوقعون تمامًا أن تُحوّل روسيا مواردها وتُستخدم خبرتها الحربية لتُشكّل تهديدًا أكبر بكثير في منطقة القطب الشمالي .

والصين، بدورها، عززت مطالباتها بالقطب الشمالي، وشاركت في دوريات وتدريبات مع سفن روسية، بالإضافة إلى تمويل مشاريع البنية التحتية في القطب الشمالي، ووضعت خطة "طريق الحرير القطبي" للشحن في القطب الشمالي، حتى أنها أعلنت نفسها "دولة قريبة من القطب الشمالي"، على الرغم من أن مدينتها الرئيسية، هاربين، أقصى الشمال، تقع تقريبًا في أقصى الشمال مثل مدينة البندقية في إيطاليا .

ولكن في اجتماعات وجهاً لوجه، أكد كبار القادة العسكريين الدنماركيين أن روسيا والصين لا تشكلان حاليًا أي تهديد عسكري كبير لغرينلاند .

وقال الجنرال سورين أندرسن، قائد القيادة المشتركة للقطب الشمالي الدنماركي، لشبكة CNN: " لا أعتقد أن لدينا تهديدًا لغرينلاند في الوقت الحالي ".

وأضاف: "نرى أن روسيا نشطة في المحيط المتجمد الشمالي، في مضيق بيرينغ بين ألاسكا وروسيا، ولكن ليس هنا ".

وعلاوة على ذلك، يصر المسؤولون العسكريون الدنماركيون على أن أكبر جزيرة في العالم – بحجم 6 دول مثل ألمانيا أو اثنتين من أكبر ولايات الولايات المتحدة، ألاسكا وكاليفورنيا، مجتمعتين - يسهل الدفاع عنها نسبيًا.

ووفقًا لمسؤول عسكري دنماركي، فإن الطقس القاسي والتضاريس الجبلية وضعف البنية التحتية تجعل الساحل الشرقي للإقليم بأكمله "يكاد يكون منيعًا".

ويطرح كل هذا تساؤلًا حول سبب استضافة الدنمارك - حليفة الولايات المتحدة التي ساهمت بقوات في حروب الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان - لأكبر مناوراتها العسكرية على الإطلاق، وزيادة إنفاقها الدفاعي في القطب الشمالي بأكثر من ملياري دولار، وتأسيس مجموعة قوات خاصة للقطب الشمالي، وشراء سفن بحرية جديدة وطائرات مسيرة بعيدة المدى .

ومن المرجح أن تجد الإجابة في العاصمة الأمريكية، واشنطن، أكثر من موسكو أو بكين .

وأُعلن عن هذه الحملة العسكرية الدنماركية في يناير/ كانون الثاني من هذا العام، بعد وقت قصير من بدء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التعبير عن اهتمامه المتجدد بالسيطرة على غرينلاند، مُصرًا في ديسمبر/ مانون الأول قبل توليه منصبه على أن "الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن ملكية غرينلاند والسيطرة عليها ضرورة مطلقة ".

وأثارت تصريحات لاحقة، رفض فيها ترامب استبعاد الاستيلاء على غرينلاند بالقوة، المزيد من القلق .

لكن بينما يبدو أن هذه القضية قد تراجعت عن جدول أعمال الزعيم الأمريكي متقلب المواقف، إلى جانب تهديداته بضم كندا والاستيلاء على قناة بنما، لا يزال العديد من الدنماركيين يرونها التحدي الدبلوماسي الأكثر إلحاحًا وإثارة للقلق .

تعزيز الدفاعات

وفي خطوة احتجاجية محتملة، أكدت الدنمارك مؤخرًا لشبكة CNN إبرام أكبر صفقة شراء أسلحة لها على الإطلاق، حيث وافقت على إنفاق أكثر من 9 مليارات دولار على أنظمة دفاع جوي من مصنعين أوروبيين بدلاً من بطاريات صواريخ باتريوت الأمريكية .

ذكر دبلوماسي غربي لشبكة CNN أنه حتى قبل عام، كان من شبه المؤكد أن يفوز الموردون الأمريكيون بهذا العقد، وهو مثال صارخ على أن خطاب ترامب يمكن أن يُكلف بلاده تكلفة مالية باهظة .

وبينما يقول مسؤولون دنماركيون لشبكة CNN إن بلادهم، بصفتها حليفًا قويًا في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ستظل مشتريًا رئيسيًا للمعدات العسكرية الأمريكية، بما في ذلك ربما شراء المزيد من المقاتلات F-35 ، فإن صفقة أنظمة الدفاع الجوي تُمثل تذكيرًا قويًا بأن شراء الأسلحة عالية القيمة غالبًا ما يحمل رسالة سياسية .

بالعودة إلى الفرقاطة الدنماركية، في مضيق نوك، المحاطة بجبال غرينلاند الكئيبة من الصخور السوداء الشاهقة، يتردد صدى أصوات تدريبات المدفعية البحرية .

وتتجه الطائرات المقاتلة نحو القطب الشمالي، بينما تُسمع أصوات الطائرات المقاتلة في السماء .

وذكر الجنرال أندرسن لشبكة CNN: " الرسالة لجميع حلفائنا هي أننا نحمي مملكة الدنمارك"، ربما ليس تحذيرًا لروسيا والصين، بل نداءً للولايات المتحدة لاحترامها كحليفٍ قادرٍ وملتزمٍ في القطب الشمالي .