لا تزال سياسات الهجرة في المملكة المتحدة تحمل بين طياتها العديد من المفاجآت غير السارة للاجئين، الذين اعتقدوا أنهم تخلّصوا من اضطهاد أوطانهم، ليواجهوا في بريطانيا قيودًا وعقبات من نوع آخر. هذه التحديات تعرقل اندماجهم وقدرتهم على عيش حياة طبيعية، وتفاقم مشاعر القلق والإحباط لديهم، في حين يترقبون بأمل فرصة للاندماج والعيش بكرامة.
في الأول من سبتمبر/أيلول، أعلنت الحكومة البريطانية تعليق استقبال الطلبات الجديدة الخاصة بمسار لمّ شمل عائلات اللاجئين (Refugee Family Reunion) بشكل مؤقت، على أن تُطبَّق قواعد أكثر صرامة اعتبارًا من ربيع 2026.
وبحسب القرار، ستُعالج الطلبات المقدمة قبل الموعد المحدد وفق النظام القديم، بينما يُلزم الحاصلون على الحماية (لاجئون أو حماية إنسانية) والراغبون في لمّ شمل أسرهم باتباع المسار العادي لتأشيرات العائلة، الذي يفرض شروطا محددة تشمل المتطلبات المالية، وإجادة اللغة، والإقامة المستقرة وغيرها.
وفي حين تصف الحكومة هذه الخطوة بأنها إصلاح عادل، يعتبرها اللاجئون والحقوقيون إجراءً قاسيًا يزيد من معاناتهم ويضاعف شعورهم بالغربة.
في حديثه لموقع الجزيرة نت، أكد المستشار القانوني علي القدومي أن قرار الحكومة البريطانية بشأن تعليق مسار لمّ شمل الأسر "يُعد خيانة إلى حد ما لمبادئ الحماية الدولية وحقوق الإنسان الأساسية، وخاصة الحق في الحياة الأسرية المنصوص عليه في الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية اللاجئين، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان".
وأوضح القدومي أن "من الطبيعي أن تسعى الحكومات إلى تنظيم الهجرة، لكن التشديد بهذه الطريقة، خصوصًا مع شعور اللاجئين بأنهم يُحاسبون على نجاتهم من الاضطهاد أو النزوح، يبدو أنه خطوة نحو سياسة أكثر تقييدًا، ربما بهدف الاستجابة لضغوط داخلية، دون تحقيق التوازن الكامل مع البُعد الإنساني".
ثم سرد لنا القدومي تأثيرات هذا التعليق على وضع اللاجئين والتي تتمثل في:
سيتأخر آلاف اللاجئين، خاصة الأطفال والنساء الذين في الغالب هم المعنيون، في رؤية أحبائهم سنوات إضافية، مما يُضاعف الصدمة النفسية، العزلة، ويزيد من عدم الاستقرار.
عندما تُغلق المسارات القانونية، تلجأ بعض الأسر إلى شبكات التهريب والمخاطر، لأن الأمل في لمّ شمل قريب يتضاءل، وهذا ما تحذر منه المنظمات الحقوقية في بريطانيا.
إن وجود أفراد الأسرة سويا يمكن أن يساعد في الاستقرار النفسي، الاجتماعي، والتعليم، والرعاية، ويُسهّل اندماج اللاجئين. وما قدّموا من مساهمات للمجتمع الذي يعيشون فيه، يمكن أن يُدفع للخلف إذا استمر الانفصال العائلي.
تشير الحكومة البريطانية إلى أن طلبات لمّ الشمل بسرعة بعد الحصول على الحماية، تسبّب ضغوطا على السكن والخدمات المحلية، خصوصا إذا أراد اللاجئ استضافة أفراد أسرته مع عدم استقراره ماديا أو سكنيا.
يتساءل اللاجئون عن القواعد الجديدة، والمتطلبات المختلفة، ومتى سيصبح المسار مفتوحا مجددا؟! كل هذا خلق حالة من القلق والحيرة حول ما إذا كان يُستحق الانتظار، أم محاولة اللجوء لمسارات بديلة حتى لو كانت أصعب.
وفي سياق مواز، يشكو اللاجئون السوريون في المملكة المتحدة من توقف النظر في طلبات اللجوء أو الإقامة الدائمة لفترات طويلة، مما يحرمهم من الحصول على بطاقة هوية رسمية أو وثائق تثبت حقهم في العمل أو استئجار السكن.
وقد سبق وصرحت وزيرة الدولة، للأمن الحدودي وشؤون اللجوء أنجيلا إيغل، بأن "تعليق مقابلات وقرارات طلبات اللجوء السورية كان خطوة ضرورية عقب سقوط نظام الأسد، نظرا لغياب معلومات مستقرة وموضوعية تسمح بإجراء تقييم دقيق لمخاطر العودة إلى سوريا".
وهذا ما أكد عليه المستشار القدومي، بأن هناك تأخيرات أو تجميدا لبعض طلبات اللاجئين السوريين في المملكة المتحدة، بسبب عدم وضوح الوضع القانوني والسياسي بعد سقوط الأسد، مما يضطر الحكومة أن تقيّم الحالة قبل اتخاذ قرارات نهائية.
تحدث المستشار القانوني علي القدومي عن الدور المحوري الذي تضطلع به المنظمات الحقوقية والمدافعة عن اللاجئين في بريطانيا، موضحًا أنها تقوم بعدة مهام أساسية في مواجهة القرارات الجديدة، أبرزها:
التوعية والرصد: نشر المعلومات حول التغييرات القانونية، وبيان تأثيرها المباشر على حياة اللاجئين، إضافة إلى التنبيه للمخاطر المحتملة التي قد يواجهونها.
المناصرة القانونية: رفع القضايا أمام المحاكم لضمان احترام الحقوق الأساسية، مثل المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بالحق في الحياة الأسرية، إلى جانب الطعن قانونيًا في أي تغييرات تتجاوز الحدود المقررة.
الدعم العملي المباشر: مساعدة اللاجئين في استكمال أوراقهم قبل انتهاء المهل المحددة، وتقديم المشورة القانونية، فضلا عن توفير الدعم النفسي والاجتماعي.
الضغط السياسي: إطلاق حملات شعبية، والتواصل مع أعضاء البرلمان، والمطالبة بجلسات لمناقشة القضية، إلى جانب استخدام الإعلام كوسيلة للتأكيد على ضرورة إبقاء المسارات القانونية مفتوحة، أو على الأقل ضمان استثناءات إنسانية.
وحول متابعة تطورات قرار الورقة البيضاء ، الصادر في مايو/أيار 2025، التي قدمتها الحكومة إلى البرلمان برفع المدة القياسية للحصول على الإقامة الدائمة من 5 سنوات إلى 10 سنوات، مع احتمال “تقليل المدة” لبعض الفئات الذين “قدموا إسهامات كبيرة” من خلال العمل والمجتمع.
وبشأن ذلك جرى نقاش برلماني في (ويست مينستر هول)، يوم 8 سبتمبر/أيلول 2025 بخصوص عريضتين شعبيتين إلكترونيتين، وأوضح القدومي: "إذا نجحت الحملات أو الخطاب السياسي، فربما تستجيب الحكومة بأن التغييرات لا تسري بأثر رجعي على من هم بالفعل على المسارات السابقة، وهذا ما تطالب به العريضتان. أي إبقاء الاستثناءات للفئات الموجودة بالفعل (Existing Visa Holders).
ولأن الحكومة أيضا تحت ضغط كبير داخليًا من الرأي العام من جهة، الذي يطالب بالتحكم في الهجرة، والمطالب السياسية من أحزاب المعارضة أو اليمين “المتقيد” من جهة أخرى، لذلك قد تُصِر على التشديد مع تقديم بعض التنازلات الرمزية.
"أرجّح أن تمضي الحكومة في تنفيذ التعديلات الخاصة بالمسارات القانونية، سواء المتعلقة بلمّ الشمل أو بالحصول على الإقامة الدائمة، لكن مع فرض شروط جديدة وربما مدد انتظارا أطول لبعض الفئات. ومن الممكن أن تُصرّ السلطات على رفع فترة الإقامة المطلوبة إلى 10 سنوات كقاعدة عامة، مع احتمال تخفيفها أو الإبقاء على المدة الحالية (5 سنوات) لمن هم بالفعل في منتصف المسار، لتفادي الإحساس بظلم التغيير المفاجئ.
وفي ما يخصّ لمّ شمل الأسر، قد تُقرّ الحكومة بعض الاستثناءات الإنسانية أو الحالات الطارئة، غير أن عودة هذه المسارات إلى سهولتها السابقة ومن دون شروط مشددة تظلّ احتمالا ضعيفا. ومع اقتراب نهاية العام، يُنتظر أن تتضح الصورة بشكل أكبر مع إعلان التفاصيل النهائية للتشريعات الجديدة.