هذا المقال بقلم الصحفي والكاتب اللبناني عمر حرقوص*، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN .
يبقى الحديث عن السلاح غير الشرعي في صدارة النقاش اللبناني منذ عقدين، أمر يسير بعيداً عن الضغوط الدولية أو بالتزامن معها. آخر هذه النقاشات إعلان الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، رفض قرار الحكومة تسليم السلاح ، لينشر "الحزب" شريطاً مصوراً يرفض فيه بشكل قاطع تسليم سلاحه. لم يكتف الفيديو بالتأكيد على الموقف التقليدي للحزب، بل استدعى خطابين رمزيين: كلاماً سابقاً للأمين العام الراحل حسن نصر الله، واستذكار "معركة كربلاء". خطوة تأتي في ظل ظرف داخلي مأزوم وتحولات إقليمية متسارعة.
توظيف خطاب نصر الله في الفيديو بدا وكأنه محاولة لتعويض ضعف خطاب القيادة الحالية التي لم تتمكن من التواصل مع جمهورها، فيما استدعاء "واقعة كربلاء" التي حصلت قبل 1400 عام أوحى بتعبئة مذهبية هدفها تحريك بيئة تأزمت بعدما شهدت هزيمة "الحزب" بعد الحرب الأخيرة.
خطاب نعيم قاسم العالي النبرة والرافض لتسليم السلاح تزامن مع انتهاء لقائه الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني ، في بيروت. ليصبح القول إن ما قبل الزيارة ليس كما بعدها، بدا وكأن "الحزب" يتجه إلى رفع السقف استجابة لرسائل إيرانية أكثر من كونه تعبيراً عن معطيات لبنانية. فيما يصف سياسيون لبنانيون الأمر بأنه يعكس حاجة طهران إلى إبقاء أوراقها حية في لبنان، بينما تتجه إلى مفاوضات مع واشنطن لتجنب ضربة عسكرية إسرائيلية مشابهة لضربة يونيو الماضي.
منذ وقف إطلاق النار في جنوب لبنان نهاية العام الماضي، لم يرد "الحزب" على الهجمات الإسرائيلية المتكررة، واكتفى بخطاب عن "الحق في المقاومة". لكن قاسم، في "ذكرى أربعينية الحسين"، رفع نبرة الخطاب مقروناً بالتهديد بحرب أهلية، ما يطرح السؤال حول ما إذا كان هذا الموقف يؤشر إلى حاجة إيران إلى قوة تشد عصب "المحور" أم إلى مأزق داخلي؟ فالاستقواء بالرمزية الكربلائية والتهديد بالداخل اللبناني ليسا بالأمر العادي.
واللافت أن بضعة عبارات من قاسم أعادت البلاد إلى الوراء، إلى زمن المواجهة المفتوحة قبل 50 عاماً، حين لوح بأن أي محاولة لحصر السلاح بيد الدولة ستعني حرباً أهلية. رغم أن هذا التهديد لا يطمئن اللبنانيين، وبينهم بالتأكيد بيئة "الحزب"، بل يزيد هشاشة الداخل ويمنح إسرائيل ذريعة إضافية لتشديد خطابها الرافض للانسحاب من النقاط الحدودية الخمس التي تحتلها.
زيارة لاريجاني لم تغير حقيقة أساسية، وهي أن لبنان تبدل، بالمقابل، فقدت إيران الكثير من نفوذها ووهجها الذي كان قائماً قبل السابع من أكتوبر 2023. وبيروت لم تعد ساحة مفتوحة كما في السابق، بل بات قرارها يصدر عبر مؤسسات دستورية وبرعاية دولية – عربية. ثمة "خيمة دولية - إقليمية" باتت تشرف على مسار إخراج لبنان من وصاية الصراعات، وتقييد استخدام أراضيه كساحة لحروب الآخرين.
اليوم، لا يبدو حزب الله في أفضل أحواله، فخطاب قاسم الأخير كشف مأزقاً أكثر مما كشف قوة. من هنا، فإن أي حل مع الحزب لن يولد من التهديد والوعيد، بل من اقتناع القوى المسلحة غير الشرعية بأهمية استثمار لحظة الضعف في اتجاه صياغة عقد يوازن بين الهواجس، وضرورات الدولة، ومتطلبات السيادة. وبالتأكيد، لبنان المتعب من الحروب يحتاج إلى هذا الحل، قبل أن تأخذه نبرة "كربلائية" جديدة إلى دمار إضافي.
* عمر حرقوص، صحفي، رئيس تحرير في قناة "الحرة" في دبي قبل إغلاقها، عمل في قناة "العربية" وتلفزيون "المستقبل" اللبناني، وفي عدة صحف ومواقع ودور نشر .