آخر الأخبار

بناء الاستقرار الإقليمي من رماد حرب نتنياهو على الاتفاق النووي

شارك

قبل عشرة أعوام، انضممتُ إلى نظرائي من الصين، وفرنسا، وألمانيا، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي؛ للإعلان عن إنجاز دبلوماسي فريد، أنهى سلميًّا أزمة غير ضرورية، أُسست على أكاذيب وسياسة فجّة لتأزيم الوضع الأمني؛ بهدف صرف انتباه العالم عن التهديد النووي الحقيقي للسلام في غرب آسيا.

احتفل العالم بأسره بإبرام الاتفاق النووي الإيراني، المعروف رسميًا باسم: "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA)، إلا أن نتنياهو وقادة نظام الفصل العنصري النووي الإسرائيلي رأوا- وما زالوا يرون- في السلام والاستقرار "التهديد الوجوديّ" الحقيقيّ، وقد تعهدوا علنًا بتدمير هذا الاتفاق.

واليوم، يعمل بعض مَن تولّوا المسؤولية بعدنا ما في وسعهم للتعامل مع تبعات عدوان وقع وسط مفاوضات نووية جديدة. هذا العدوان ارتكبته قوة مارقة في غرب آسيا تمتلك أسلحة نووية وليست عضوًا في معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، واستهدفت منشآت نووية مؤمّنة لدولة عضوٍ في المعاهدة، وقرنت ذلك بجرائم حرب أخرى من قصف للأحياء المدنية، ومراكز رعاية الأطفال، والعلماء، والقادة العسكريين أثناء إجازاتهم.

والواقع أن جزّار غزة ذهب حتى أبعد من ذلك، حين استهدف قادة الدولة، في انتهاك لموروث إنساني عمره آلاف السنين، وهو ما يكشف بوضوح المسعى العلني والمقصود لإغراق المنطقة في الفوضى وعدم الاستقرار.

وحين تعثرت حملة هذا المعتدي المارق، هُرعت الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي إلى نجدته، فهاجمت، بتهوّر، منشآت نووية سلمية، في محاولة يائسة لوقف التقدّم الإيراني في مجال الطاقة النووية السلمية. ويا للمفارقة!، فمعظم هذا التقدّم تم بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق بشكل أحادي.

وفي الوقت ذاته، كان المسؤولون الجدد في الدول الأوروبية الثلاث (E3) والاتحاد الأوروبي- الذين حلّوا محل نظرائي السابقين- يتفاخرون بأن "نتنياهو يقوم بالأعمال القذرة نيابةً عنهم"، وراحوا يهددون، بسوء نية مطلق، بتفعيل "آلية فض النزاع" المنصوص عليها في الاتفاق النووي، وقرار مجلس الأمن رقم 2231.

إعلان

لقد قاموا بذلك رغم أنهم، قولًا وفعلًا، قد أنهوا عمليًا صفتهم كأطراف في الاتفاق، عندما تبرَّؤُوا من ركنه الأساسي؛ فطالبوا بتفكيك برنامج إيران السلمي لتخصيب اليورانيوم، عندما فشلوا -بصورة فاضحة- في الوفاء حتى بالحد الأدنى من التزاماتهم الاقتصادية والمالية تجاه إيران، وذلك طوال سبعة من الأعوام العشرة الماضية على الأقل.

ففي 20 يوليو/ تموز 2021، قدّمتُ حجة قانونية مفصّلة من 140 صفحة للأمين العام للأمم المتحدة، نشرت لاحقًا كوثيقة للجمعية العامة (A/75/968)، ولمجلس الأمن (S/2021/669)، شرحت فيها عدم أهلية الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الثلاث لتفعيل آلية فض النزاع والتي يُطلقون عليها زيفًا "آلية التراجع التلقائيّ" (Snapback)، وهي عبارة لم ترد قط في نص الاتفاق، ولا في قرار مجلس الأمن.

هذه الحجة القانونية التي وثّقتُها دعمتها الآن تصريحات وسلوكيات لاحقة من قبل الاتحاد الأوروبي والدول الأوروبية الثلاث، أعلنوا فيها بوضوح انسحابهم من وضع "الشركاء في الاتفاق النووي".

لقد دحضت القوات المسلحة الإيرانية، مرة أخرى، وبقدراتها العسكرية المحلية، أسطورة إسرائيل التي لا تقهر، وكشفت هشاشة هذا التغطرُس، فيما أحبط الشعب الإيراني الشجاع والمعتز بكرامته أوهام نتنياهو وزمرته في تفكيك إيران. وأثبتت إيران مجددًا أنه حتى إذا اجتمعت قوتان نوويتان فإنهما لا تستطيعان تركيع دولة ذات حضارة عمرها آلاف السنين.

غير أن الأمر قد بات جليًّا الآن: فوَهْم إسرائيل في الهيمنة الإقليمية و"العدوان حسب الطلب" يقوم على زعزعة استقرار إيران، تليها قوى إقليمية أخرى، لتكون النتيجة هي الفوضى والانقسام والخراب في دول غرب آسيا الإسلامية.

هذا ليس في مصلحة دول المنطقة، ولا في مصلحة أصدقائنا في الصين وروسيا، اللتين تقوم مصالحهما الوطنية على الاستقرار، كما أنه لا يتّسق مع التوجّه الإستراتيجي للولايات المتحدة وأوروبا.

لكنّ نتنياهو ومنافقيه من أنصار "بيبي أولًا" في الغرب أظهروا أنهم قساة لدرجة إغراق العالم في حروب لا تنتهي، لا لشيء إلا ليُطيلوا أعمارهم السياسية الفاسدة وأوهامهم التوسعية المبنية على الفصل العنصري والإبادة الجماعية والعدوان على جيرانهم العرب، مشفعين ذلك بالابتزاز والفضائح المتواصلة والضغط غير المشروع في الغرب.

وعليه فإن المجتمع الدولي مطالب بأن يبادر فورًا إلى معالجة هذا التهديد الجذري للسلام والأمن الإقليمي والعالمي، والذي يهدد كذلك المصالح الوطنية لمعظم الدول، ويقوّض رفاه شعوب المنطقة وخارجها.

لقد شهدت بنفسي، خلال أكثر من أربعة عقود من العمل الدبلوماسي -ومنها السعي الإسرائيلي الموثق لتعطيل مفاوضات تبادل الرهائن الأميركيين في لبنان بأسرى لبنانيين وفلسطينيين في إسرائيل عام 1991- شهدت أن النخبة السياسية الإسرائيلية مستعدة دائمًا للتضحية بكنوز وأرواح وحريات أقرب حلفائها من أجل مكاسب تافهة. كل من يتوهم أن إسرائيل ستمنحه الأمن والمساعدة سيستيقظ يومًا على الحقيقة المرّة: لقد جُعِل خطًا دفاعيًا أوليًا لإسرائيل دون مقابل.

إعلان

والحقيقة أن مرتكز سياسة نتنياهو هو الفوضى والشقاق وعدم الاستقرار. والتهديد الوجودي الحقيقي -في نظرهم- هو التعاون الإقليمي، سواء تمثّل في إنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط (وهو المطلب الذي اعتمدته الجمعية العامة منذ 1974)، أو من خلال صيغة للأمن والتعاون في منطقة مضيق هرمز، كما جاء في الفقرة 8 من قرار مجلس الأمن رقم 598 (الصادر 1987).

وكما قال رئيس وزراء قطر السابق بذكاء، فإن منطقتنا- بل والعالم أجمع، بمن في ذلك أعضاءُ مجلس الأمن الدائمون- لا يمكن أن تزدهر وهي تعيش تحت ظلال مغامرات إقليمية جديدة مدفوعة بأجندات داخلية إسرائيلية.

لقد آن الأوان كي يتخذ مجلس الأمن خطوات عملية لوضع إطار إقليمي للحوار، وبناء الثقة، والتعاون بين دول منطقة هرمز أو غرب آسيا الإسلامية، تحت مظلة مناسبة من الضمانات الدولية من مجلس الأمن وأعضائه الدائمين.

لقد طرحت إيران مبادرات واضحة لتعزيز الأمن الإقليمي، مثل: "مبادرة هرمز للسلام" (HOPE) 2019، و"رابطة حوار غرب آسيا الإسلامي" (MWADA) 2024.

وهذه المبادرات تمثّل دعوات مفتوحة للحوار والتعاون، وكل دولة في المنطقة أو خارجها معنية بشكل مباشر بإفشال مخططات زعزعة الاستقرار الإقليمي.

واليوم، فإن على دول المنطقة التي يشملها نطاق مبادرتَي HOPE وMWADA -بما في ذلك البحرين، ومصر، والعراق، والأردن، والكويت، وعُمان، وقطر، والسعودية، وسوريا، وتركيا، والإمارات، واليمن- وبعد أن شاهدت بنفسها بعض ملامح المستقبل الخطير الذي تخطط له إسرائيل، أن تنهض بمسؤولياتها، وتبادر إلى تقديم مقترحات فردية أو جماعية، سواء لتطوير المبادرات الإيرانية القائمة أو لعرض تصورات بديلة.

وينبغي لهذه الدول أن تتحرّك معًا، وبدون مزيد من التأخير، وتدعو مجلس الأمن إلى إصدار قرار يدعم ترتيبات إقليمية، تقوم أساسًا على رؤية مشتركة تتفق عليها دول المنطقة نفسها.

لقد بيّنت السنوات العشر منذ توقيع الاتفاق النووي أن سياسة الإكراه تضر حتى بمن يبدأ بها. أما الدبلوماسية، من أجل مستقبل قائم على الرؤية المشتركة، والأمل، والمكاسب المتبادلة، فهي كانت، وستظل إلى الأبد، الخيار المعقول الوحيد. والوقت لا يرحم.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا