آخر الأخبار

حروب النمل.. تكتيكات قتال معقدة تشبه عمليات البشر العسكرية

شارك

رغم صغر حجمها وافتقار أفرادها إلى الذكاء الفردي، تكشف جيوش النمل عن منظومة مذهلة من السلوكات القتالية، بتكتيكاتها المعقدة، وإستراتيجياتها التي تحاكي في أوجه عديدة الحروب البشرية.

فالنمل ينخرط في صراعات عنيفة للأسباب نفسها تقريبا مثل البشر، كالصراع على الأرض، حيث تتنافس المستعمرات باستمرار على الغذاء ومكان التعشيش ومناطق البحث عن الطعام، وتخوض أنواع مثل النمل قاطع الأوراق ونمل الخشب والنمل الاستوائي العملاق معارك لتأمين أراض جديدة.

وقد تدفع الكثافة السكانية العالية أو النقص الموسمي في الموارد المستعمرات إلى المواجهة ضد مستعمرات أخرى، بل إن بعض الأنواع من النمل، مثل "بوليرغوس روفيسنس"، تُغير على مستعمرات أخرى لاختطاف العاملات واستعبادها في أعشاشها. يتطلب هذا تكيفات متخصصة، مثل الفكوك المنجلية، للهجوم بفاعلية.

ومن المثير للاهتمام أن هذه الحروب تجري من دون وجود قيادة مركزية، فالملكة، بعكس ما قد يوحي لقبها، لا تلعب دورًا في قيادة المستعمرة، بل يقتصر دورها على التكاثر.

وعلى الأرض، لا يوجد جنرال يوجه الجنود أو يصدر الأوامر؛ فالنمل يتصرف وفق مبدأ "الذكاء الجماعي" أو السرب الذكي، حيث تستجيب كل نملة لإشارات كيميائية تعرف بالفيرومونات، وتتبع قواعد بسيطة للغاية، ومع ذلك فإن النتيجة النهائية تكون سلوكًا جماعيًّا منظمًا وفعالًا.

مصدر الصورة هذه الجيوش تتحرك في أسراب ضخمة تتكون من مئات الآلاف من العاملات (الجزيرة الوثائقية)

من الغزو الكاسح إلى الغارات الدقيقة

طورت أنواع النمل المختلفة إستراتيجيات قتالية متميزة وفق بيئاتها ومواردها. فهناك الأنواع التي تمثل نموذجًا للاعتداء المستمر، مثل نمل الجيش الأفريقي الذي يشن هجمات استباقية هائلة من دون استفزاز واضح.

تتحرك هذه الجيوش في أسراب ضخمة تتكون من مئات الآلاف من العاملات، تغطي الأرض كما لو كانت سجادة حية من الكائنات المفترسة التي تمزق كل ما يقف في طريقها. ويصل عرض خط زحف هذه الجيوش أحيانًا إلى 30 مترًا، وتُظهر قدرة جماعية مذهلة على قتل حيوانات تفوقها حجمًا بمراحل.

إعلان

يطلق اسم "نمل الجيش" أو "نمل الفيلق" على أكثر من 200 نوع تنتمي إلى سلالات مختلفة، وتتميز جميعها بأفعال عدوانية تُعرف "بالغارات".

وعلى خلاف معظم أنواع النمل، لا تبني هذه الأنواع أعشاشًا دائمة، بل تبقى مستعمراتها في حالة تنقل شبه دائم، مستنزفة الأراضي التي تعبرها قبل أن تنتقل إلى منطقة جديدة.

مصدر الصورة بعض أنواع النمل تُرسل كشافة لاستطلاع المناطق المجاورة بحثًا عن موارد أو مستعمرات منافسة (شترستوك)

تكتيكات أكثر حذرا

في المقابل، تعتمد أنواع أخرى من النمل تكتيكات أكثر حذرًا، إذ تُرسل النملات الكشافة لاستطلاع المناطق المجاورة بحثًا عن موارد أو مستعمرات منافسة، وعندما تعثر الكشافة على هدف، تترك أثرًا كيميائيا من الفيرومونات يعود من خلاله إلى المستعمرة، وهو بمنزلة "نداء تعبئة" يجند التعزيزات بسرعة.

وتشير الدراسات إلى أن المستعمرات الأصغر حجمًا تستطيع أحيانًا التغلب على مستعمرات أكبر بفضل سرعة تجنيد مقاتليها عبر إشارات الفيرومونات، بما يشبه المناوشات العسكرية في الجيوش البشرية، حيث يستطيع الطرف الذي يحشد قواته أولًا تحقيق عنصر المفاجأة.

لكنّ لهذه الإستراتيجية ثمنًا، إذ إن التأخير بين اكتشاف العدو ووصول القوات قد يمنح الخصم فرصة لإعادة تنظيم صفوفه أو الانسحاب.

بالمقارنة، تميل الأنواع التي تعتمد على إستراتيجية السرب الكاسح إلى تغطية مساحات أصغر، لكنها تعوض ذلك بالقوة الغاشمة لهجماتها. كلا النهجين يمثل تكيفا ناجحا على مسرح الحرب المصغر للنمل.

تخصص الأدوار داخل جيوش النمل

داخل جيوش النمل، ليست جميع المحاربات متساويات. ففي العديد من الأنواع، توجد طبقات مختلفة من العاملات، تختلف في الحجم والشكل تبعًا لوظائفها القتالية.

وفي النمل الغازي، على سبيل المثال، هناك تنوع غير مسبوق في أحجام العاملات. تتحرك العاملات الصغيرات، التي يمكن اعتبارها "جنود المشاة"، سريعًا نحو الخطوط الأمامية لتشكل درعًا بشرية تبطئ تقدم الخصوم. ورغم ضعفها كأفراد، فإن كثافتها العالية تمنح المستعمرة ميزة تكتيكية، بحسب أبحاث عالم البيولوجيا الأميركي مارك موفيت الذي تعرض لها في كتابه "مغامرات مع النمل".

وراء هذا الحاجز، تتحرك العاملات الأكبر حجمًا، الأواسط والكبريات لتوجيه الضربة القاضية، ورغم أن أعداد هذه العاملات الكبيرة أقل بكثير، فإن قدرتها التدميرية أكبر بكثير، وقد يصل وزن الواحدة منها إلى 500 ضعف وزن العاملة الصغرى.

يشبه هذا التكتيك ما مارسه البشر في التاريخ العسكري بإرسال وحدات المشاة الخفيفة القابلة للتضحية أولًا لامتصاص صدمة العدو، تليها قوات النخبة المدرعة التي تحسم المعركة.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا