"وولف"، مهندس برمجيات يبلغ من العمر 30 عامًا، أصبح أبًا لأول مرة مؤخرًا، وبدأ بالفعل التفكير في الانتقال بعائلته إلى خارج المملكة المتحدة. يقول: "علينا الآن أن نختار بين البقاء في لندن وإنجاب طفل ثانٍ"، مشيرًا إلى الضغوط الثلاثية المتمثلة في الإيجارات المرتفعة، وتكاليف رعاية الأطفال الباهظة، والضرائب العالية.
العواصم الأوروبية مثل مدريد وباريس وبرلين ليست مكلفة إلى هذا الحد، كما أن الرواتب في قطاع التكنولوجيا فيها تقارب ما هو عليه في لندن. ويقول إن العديد من أصدقائه الذين لا يملكون عقارات في العاصمة يفكرون في الأمر ذاته، أو غادروا بالفعل.
ترامب يحدد "الخط الأحمر" لـ إيلون ماسك: تخطيه يعني "عواقب وخيمة"!
ويضيف: "للاستئجار شقة لائقة بغرفتي نوم في لندن، ستدفع حوالي 3000 جنيه شهريًا، بالإضافة إلى 2000 جنيه لكل طفل كمصاريف رعاية، إذا لم تكن مؤهلاً للدعم الحكومي — وكل ذلك من دخلك بعد خصم الضرائب"، مشيرًا إلى معدلات الضرائب الباهظة على من يتقاضون رواتب من ستة أرقام.
ويختتم قائلاً: "يبدو أن الحكومة البريطانية تريد فقط أن تختفي هذه المشكلة. حسنًا، قد تحصل على ما تتمنى".
تلقت صحيفة "فايننشال تايمز" عشرات الرسائل من قراء يفكرون جديًا في مغادرة بريطانيا بحثًا عن ضرائب أقل وفرص أفضل. وقد استجاب الكثير من المهنيين الشباب، ورواد الأعمال الساعين إلى تقليص فواتير ضريبة الأرباح الرأسمالية الناتجة عن بيع شركاتهم من خلال الانتقال إلى الخارج. كما أن التعديلات الأخيرة على قواعد الإقامة طويلة الأجل في المملكة المتحدة فتحت المجال أمام المواطنين البريطانيين لتجنب ضريبة الميراث على أصولهم غير البريطانية.
ولخصت صحيفة "فاينانشال تايمز"، في تقرير اطلعت عليه "العربية Business"، كيف يوازن القراء من مختلف الأعمار ومستشاروهم الضريبيون بين مزايا وعيوب مغادرة البلاد.
يقول "روب"، مصرفي يبلغ من العمر 31 عامًا في لندن، إنه وأصدقاءه كثيرًا ما يناقشون فكرة العمل في الخارج. ويضيف: "نحن جميعًا أشخاص نتمتع بوظائف جيدة ونطمح لأشياء طبيعية، مثل القدرة على شراء منزل كبير يكفي لتربية أسرة، وهو أمر يزداد صعوبة في المملكة المتحدة".
وجدت دراسة حديثة للمجلس الثقافي البريطاني أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا في بريطانيا يفكرون في العيش والعمل في بلد آخر على المدى القصير أو الطويل. كما قال نحو الثلثين إن مستوى معيشتهم أسوأ مما كان عليه لدى جيل آبائهم، وأشار أكثر من نصفهم إلى تدني الأجور كأكبر التحديات التي يواجهها الشباب العاملون.
يرغب "روب" في العمل لدى بنك أوروبي، لكنه مثل كثير من البريطانيين، يخشى أن مهاراته اللغوية لا تكفي. ويقول قراء آخرون إنهم اصطدموا بعقبات أثناء البحث عن تأشيرات وتصاريح عمل، أو وجدوا أن وجهات شهيرة مثل أستراليا تعاني من تكاليف سكن مرتفعة مماثلة. وينجذب الكثيرون إلى فكرة كسب راتب معفى من الضرائب في الشرق الأوسط لبضع سنوات، ثم العودة إلى المملكة المتحدة برصيد كافٍ لشراء منزل.
لكن قراء "فايننشال تايمز" الذين يعملون في الشرق الأوسط يحذرون من التسرع، مشيرين إلى الأوجه الكثيرة لإنفاق المال هناك. يقول أحدهم: "يأتي الناس بعد أن يشاهدوا البرامج التلفزيونية، لكنهم لا يفهمون حسابات أسلوب الحياة الفاخر للمغتربين". ويحذر آخر: "لا يوجد أمان وظيفي هنا — إذا فقدت عملك لأي سبب، تُلغى تأشيرتك ويجب أن تغادر فورًا".
يقول "روبرت سالتر"، مدير في شركة الاستشارات الضريبية Blick Rothenberg، إن المهنيين في منتصف حياتهم المهنية هم الأكثر استفادة من قضاء فترة في دول منخفضة أو معدومة الضرائب مثل الشرق الأوسط أو سنغافورة. ويضيف: "الأشخاص الأقرب إلى ذروة دخلهم الوظيفي يجدون أن التكاليف السلبية — مثل ارتفاع تكاليف السكن، والحاجة للتأمين الصحي الخاص، والمدارس الدولية — لا تزال مغطاة بالكامل بسبب انخفاض الضرائب على الدخل".
ويرى آخرون أن الأمر فرصة للاستعداد لتقاعد أكثر راحة. "جون"، قارئ من لندن في منتصف الخمسينيات، تولى منصبًا رفيعًا في إحدى دول الخليج بعقد لمدة ثلاث سنوات بعد أن تواصل معه أحد الباحثين عن الكفاءات. يقول: "هذا يمنحني خيارات مالية للتقاعد كانت ستستغرق مني ضعف المدة لتحقيقها لو بقيت في المملكة المتحدة".
وما زال قادرًا على توفير جزء جيد من راتبه المعفى من الضرائب، رغم أنه يستأجر شقة فسيحة مزودة بحمام سباحة وصالة رياضية، ويخطط للسفر كثيرًا في آسيا: "أسعار الرحلات رخيصة، والهند تبعد أقل من أربع ساعات طيران".
وبحسب الخبراء، إذا خطط العاملون المقيمون خارج المملكة المتحدة بشكل جيد، فلن يكون هناك ضريبة مستحقة على الأموال التي يعيدونها لاحقًا. لكن قراءً سبق أن انتقلوا إلى الخارج يحذرون من ضرورة إدارة مخاطر تقلبات أسعار الصرف.
ويجب على المهنيين الشباب الذين يعملون في الخارج إخطار شركة القروض الطلابية، حيث تتوقف الاستقطاعات من الرواتب تلقائيًا، لكن الالتزام المالي يبقى، وقد يكون مكلفًا السماح بتراكم المتأخرات.
الزيادات الأخيرة في معدلات ضريبة الأرباح الرأسمالية، والتي تم الإعلان عنها في موازنة أكتوبر الماضي، دفعت رواد الأعمال وأصحاب الشركات البريطانيين إلى التفكير بالهجرة.
فبيع مساهمات بقيمة 100 مليون جنيه في شركة بريطانية يمكن أن يؤدي إلى فاتورة ضريبية بقيمة 24 مليون جنيه. تقول "لويز جينكينز"، الشريكة في شركة Alvarez & Marsal للاستشارات في الولايات المتحدة، إن هذا الرقم يمكن تقليصه إلى الصفر إذا غادر صاحب الشركة المملكة المتحدة، وأتم البيع، وبقي غير مقيم لمدة لا تقل عن خمس سنوات ضريبية، بفضل قواعد الإقامة المؤقتة. لكنها تحذر من أن الوقوع في تفاصيل القواعد المعقدة قد يؤدي إلى فرض ضرائب بأثر رجعي.
وتضيف أن الحصول على إقامة ضريبية في إيطاليا يزداد شعبية بين العملاء الأكبر سنًا الذين يملكون ثروات كبيرة. فمن خلال دفع "ضريبة ثابتة" تبلغ 200,000 يورو سنويًا على الدخل الأجنبي، يمكنهم تجنب ضرائب الأرباح والميراث لمدة تصل إلى 15 عامًا.
وتشير "جينكينز" إلى أن العملاء من رواد الأعمال الذين جمعوا ثروات هائلة نادرًا ما يتقاعدون، قائلة: "لا يزالون يرغبون في العمل، واستثمار المال، وتأسيس شركات جديدة. وإذا كانوا مقيمين في الخارج، فإن دولًا أخرى غير المملكة المتحدة هي من ستجني الفوائد الاقتصادية لمواهبهم".
ويؤكد بعض القراء من أصحاب الأعمال أن قرارهم بالانتقال لم يكن فقط بسبب الضرائب البريطانية، بل لأن الدول الأخرى أكثر ديناميكية من حيث دعم الأعمال. ويقولون إن الحكومات الأجنبية أكثر حماسًا لجذب الشركات الناشئة، ولديها سياسات ضريبية أكثر استقرارًا.
ويؤكد القراء أيضًا على ضرورة طلب المشورة الضريبية قبل بيع الشركات، سواء في المملكة المتحدة أو في بلد الانتقال.
لطالما كان التقاعد في الخارج خيارًا شائعًا، لكن المستشارين الضريبيين يقولون إن التعديلات المرتقبة في كيفية فرض ضريبة الميراث على المعاشات التقاعدية أثارت اهتمامًا متجددًا لدى العملاء في الستينيات والسبعينيات من أعمارهم.
ويضيف "سالتر" أن القواعد الجديدة للإقامة طويلة الأجل، التي أُدخلت في أبريل، أدت إلى زيادة هذا التوجه، إذ تتيح للمواطنين البريطانيين الذين يغادرون المملكة المتحدة إمكان تجنب ضريبة الميراث على أصولهم غير البريطانية.
ويقول: "ببساطة، يمكن للأفراد البريطانيي الجنسية الذين يظلون غير مقيمين لمدة تزيد على 10 سنوات، تجنب ضريبة الميراث على أصولهم الخارجية — وهو أمر لم يكن ممكنًا فعليًا في النظام السابق".
ويقول المستشارون إن الكثير من العملاء الأكبر سنًا يدرسون خيار التقاعد في الخارج للاستفادة من هذه القواعد، رغم أن عددًا قليلاً منهم اتخذ قرارًا نهائيًا بالمغادرة. أما من يقرر البقاء، فلا تزال هناك وسائل لتقليل ضريبة الميراث، مثل إنشاء صناديق ائتمانية أو شركات استثمار عائلية. لكن القلق يظل قائمًا من تغيّر القواعد مرة أخرى. يقول أحدهم: "من يدري ما الذي قد تفعله هذه الحكومة أو الحكومة القادمة؟".
ويقول المستشارون الضريبيون إن الوجهات الأوروبية مثل إيطاليا وإسبانيا هي الأكثر شعبية بين المتقاعدين، رغم أن قراءً عدة ذكروا قبرص ومالطا لما لهما من مزايا خاصة في قوانين ضريبة الميراث.
وتقول "كاثرين آرثر"، شريكة في شركة HaysMac ومستشارة للأثرياء بشأن الانتقال إلى الخارج، إن اتفاقيات الازدواج الضريبي تعني أن الدخل من المعاشات يكون خاضعًا للضريبة في بلد الإقامة فقط. وتضيف: "قد تكون هناك ضرائب ميراث أو هدايا تُدفع في بلد الإقامة، لكنها غالبًا ما تكون أقل مما هي عليه هنا".
لكن من يفكرون في هذا المسار يجب أن يكونوا واثقين من قدرتهم على استيفاء القواعد طوال السنوات العشر كاملة. ويعتمد عدد الليالي التي يمكن للفرد قضاؤها في المملكة المتحدة دون التأثير على وضعه الضريبي على "اختبار الإقامة القانونية"، والذي قد يسمح بـ90 ليلة، أو في بعض الحالات لا يتجاوز 46 ليلة، بحسب الظروف الفردية.
وتحث "آرثر" العملاء على تقييم تأثيرات الرعاية الصحية بعناية لأنفسهم ولأفراد عائلاتهم، مشيرة إلى أن توفر الفرصة للعودة إلى المملكة المتحدة لرعاية الوالدين المسنين هو مصدر قلق شائع، رغم أن تكاليف الرعاية تُعد أيضًا عاملًا حاسمًا.
"مارتن"، مهندس متقاعد في الستينيات، يستعد لمغادرة إنجلترا بشكل نهائي هذا الشهر ليستقر في جنوب أفريقيا. يقول: "زوجتي مصابة بالزهايمر، وجودة الرعاية هناك تعادل ثلث السعر الجنوني في المملكة المتحدة. تكلفة المعيشة هناك أقل بنسبة 40%، ومعاشاتي التقاعدية ستصل دون ضرائب، وعندما أموت سأدفع ضريبة ميراث بنسبة 20%".
ويشدد "مارتن" على أنه ليس "ثريًا بلا إقامة ضريبية". ويقول: "أنا مجرد رجل إنجليزي عمل بجد".
ويؤكد جميع المستشارين على ضرورة الاحتفاظ بسجلات دقيقة. يقول "بيت فيرتشايلد"، رئيس قسم العملاء الأثرياء في شركة Crowe: "من المهم جدًا لمن انتقلوا إلى الخارج أن يحتفظوا بسجلات وافية عن الوقت الذي قضوه في المملكة المتحدة لتجنب العودة تلقائيًا إلى وضع الإقامة".
ويضيف: "رغم أن عبء المتابعة الإدارية قد لا يُستقبل جيدًا، فإنه أمر حاسم — خاصة أن كثيرًا من المراقبين يتوقعون موجة من استفسارات الضرائب من هيئة الإيرادات البريطانية مستقبلًا".
وفي حين أن كثيرًا من القراء الأكبر سنًا يقولون إن العائق الأكبر أمام مغادرة المملكة المتحدة هو عاطفي أكثر من كونه عمليًا، أشار عدد منهم إلى أن تردد الزوج أو الزوجة في ترك الأصدقاء والعائلة — وخاصة الأحفاد — هو ما أخر القرار.
أحد القراء، عمره 62 عامًا، يفكر في الانتقال إلى إيطاليا أو البرتغال أو دبي بعد أن باع شركته، يقول إنه لو كان وحده لاتخذ القرار بالفعل.
ويضيف: "إرضاء زوجتي هو التحدي الأكبر". ولديهما ثلاثة أبناء في العشرينيات من أعمارهم، ويقول إنه شجعهم على التفكير في مستقبلهم خارج المملكة المتحدة.
ويختم: "سيتعين عليهم اتخاذ قرارهم بأنفسهم، لكن ربما يرغبون في أن يلحقوا بنا".