آخر الأخبار

الجزائر: مشروع قانون "التعبئة العامة" يثير جدلاً رقمياً واسعاً، فما القصة؟

شارك
مصدر الصورة

أثارت مناقشة الحكومة الجزائرية ومصادقتها على "مشروع قانون يتعلق بالتعبئة العامة" العديد من التساؤلات في الأوساط العامة، مما أتاح الفرصة لتفسير هذه الخطوة بشكل مختلف، خاصة فيما يتعلق بمعانيها وتوقيتها، رغم تأكيد الجهات العليا عدم الدخول في ما يُعرف بحالة التعبئة العامة.

ويعرّف مصطلح "التعبئة العامة" على أنه تحويل القوات المسلحة في الدولة إلى حالة الحرب أو شبه الحرب وإعادة بناء اقتصاد الدولة ومؤسساتها وقدراتها ومواردها المادية والبشرية وقوانينها لتوفير متطلبات حرب طويلة الأمد وتحقيق أهدافها.

وكانت الرئاسة الجزائرية قد أعلنت في بيان صدر الأحد الماضي، أن مجلس الوزراء تحت رئاسة الرئيس عبد المجيد تبون صادق في اجتماعه على مشروع قانون يخص التعبئة العامة، الذي يهدف إلى "تحديد الأحكام المتعلقة بتنظيم وتحضير وتنفيذ التعبئة العامة، وفقاً لما هو منصوص عليه في المادة 99 من الدستور".

وتنص هذه المادة على أنه "لرئيس الجمهورية الحق في اتخاذ قرار التعبئة العامة في مجلس الوزراء بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، واستشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني".

محتوى خارجي
شاهد على فيسبوك

أعاد هذا الإعلان إلى ذاكرة الجزائريين فترة "العشرية السوداء" التي عاشوها في منتصف التسعينيات، وهي صراع مسلح دار بين النظام الجزائري وفصائل متعددة كانت تتبنى أفكاراً مؤيدة للجبهة الإسلامية للإنقاذ والإسلام السياسي. وقد أسفر هذا الصراع عن سقوط نحو 200 ألف قتيل، بحسب منظمات حقوقية ووسائل إعلام دولية ومحلية.

وفي هذا السياق، ربط الأغلبية هذا الإجراء بإمكانية دخول البلاد في مرحلة من المواجهة، في ظل التوترات في منطقة الساحل وعلى الحدود الجنوبية، إذ بلغت الأزمة بين الجزائر ودول تجمع الساحل، مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ذروتها بقرار هذه الدول سحب سفرائها من الجزائر، وهو ما ردت عليه الجزائر بإجراء مماثل، بالإضافة إلى إغلاق مجالها الجوي أمام تلك الدول.

وتتهم مالي الجزائر بأنها تتواصل مع مجموعات تعتبرها إرهابية على حدودها، في حين تؤكد الجزائر أن ذلك محض "ادعاءات باطلة".

ويشير التصعيد الأخير بين الجزائر ودول تجمع الساحل إلى تصاعد سلسلة خلافات توصف بالمعقدة.

وتعود هذه الخلافات إلى تداخل أبعاد سياسية وأمنية متشابكة منذ سنوات.

من أبرز أسباب التوتر، الانقسامات حول اتفاق السلام الموقع في الجزائر، برعاية دولية، وهو اتفاق كان من المفترض أن ينهي النزاع في مالي، لكنه أصبح محل خلاف مع الحكومة المالية الحالية.

وتعمّقت الخلافات بسبب التوتر القائم بين السلطات في باماكو والحركات الانفصالية في شمال البلاد.

وفي هذا السياق، وجهت الجزائر اتهامات بالتعدي على سيادتها، ما زاد من حدة الأزمة.

"هروب إلى الأمام"

ورغم أن مجلس الوزراء الجزائري لم يقر التعبئة العامة ولم يذهب إلى إعلان هذه الحالة المنصوص عليها في المادة، بل ذهب إلى "المصادقة على مشروع القانون" الخاص بها، إلا أن الحالة أثارت جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي وفتحت المجال لتأويلات كثيرة في الأوساط الجزائرية، سياسياً وإعلامياً.

يرى نجيب الأضادي، الكاتب والمحلل المغربي، في تغريدة له على منصة إكس، إن الجزائر "تمر بمرحلة حرجة تتمثل في عزلة إقليمية وتراجع واضح في علاقاتها الدولية".

ويشرح في تغريدته دلالات عدة لهذا الإجراء؛ منها أنه "رسالة عسكرية موجهة داخلياً لتكريس القبضة الأمنية"، و"تصعيد غير مباشر خارجياً"، كما يراه "هروب إلى الأمام" يهدف إلى حشد "لحظة وطنية" للنظام الجزائري.

أما حساب جزائري، يهتم بالاقتصاد والسياسة والتاريخ، كما يصف نفسه، فيقول إن المشروع "خطوة تنظيمية لحماية الوطن"، ويذهب نحو شرح ذلك بتغريدات متتالية يختمها بالقول إن "التنظيم المسبق هو سر القوة في أي بلد"، داعياً الجزائريين إلى الطمأنينة والتفاؤل.

ويشيد حساب "باتريوت" الجزائري بردود فعل الشعب الجزائري عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فهي بحسب رصده، "95% منهم وطنيين و مستعدين وجاهزين للتضحية من أجل وطنهم ومن مختلف الفئات العمرية"، ويقول إن هذا يمنحه "شعوراً بالفخر والارتياح".

في مقابل ذلك، يعبّر جواد عن رأيه بأن القانون يأتي في إطار محاولة النظام العسكري الجزائري تقوية نفسه، خاصة في سياق ما يراه أنه "أضعف" النظام بسبب قضية الحكم الذاتي.

ويشير إلى أن الهدف من هذا القانون هو محاولة "إحياء هيكل متهاوي" للنظام العسكري الذي يواجه تحديات داخلية وخارجية.

"قبول وضع قادم"

ويربط آخرون إعلان الجزائر بملف الصحراء الغربية، لا سيما أن الولايات المتحدة الأمريكية جددت دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية مطلع أبريل/نيسان الحالي، ما دفع الجزائر للاعتراض على الموقف الأمريكي الذي "يفترض أنها تحترم القانون الدولي" حسب ما ورد في بيان للخارجية الجزائرية.

ويرى الدكتور عبد الرحمن اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني المغربي، في تغريدة على إكس إن إعلان الجزائر يحمل سيناريوهين مبنيين على "قرب حسم ملف الصحراء الغربية"، الأول بحسب تعبيره هو "قبول وضع قادم يتمثل في نهاية قضية الصحراء المغربية التي قام العسكر بتنشئة الجزائريين على العداء للمغرب حول النزاع عليها".

أما السيناريو الثاني هو "شعور العسكر بقرب انهيار حكمه نتيجة حسم ملف الصحراء، لذلك فهو يستعد بالجزائريين لإعلان حرب".

ويرى حساب مغربيّ على إكس أن النظام الجزائري يستخدم "ورقة التعبئة العامة" كإجراء يائس في محاولة للتصدي لهذه التحديات، وينظر إلى الخطوة على أنها "ذعر" داخلي، وليس قوة.

ويقول حساب آخر على إكس إن مشروع التعبئة العامة في الجزائر هو "انعكاس لمدى إدراك النظام العسكري الحاكم باقتراب إغلاق ملف الصحراء المغربية بشكل نهائي"، ويقول إن الجزائر "ستعمل بكل السبل على مضايقة المملكة".

ويعبر مصطفى العلمي، وهو مغربي الجنسية، عن موقف نقدي حاد تجاه النظام الجزائري ويقول إن سمعة النظام "تدهورت بشكل كبير" على الساحة الدولية، وأن هذه الخطوة تمثل "محاولة يائسة من نظام يحتضر" لإعادة إحياء صورة وطنية، رغم أن "شرعيته المنتهية" لا يمكن استعادتها، بحسب تغريدته على إكس.

بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا