في خضم التصعيد المتسارع للحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، أقدمت بكين على خطوات اقتصادية لافتة في مواجهة التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضتها واشنطن.
وفي الوقت الذي وسّع فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب دائرة المواجهة بإدراج المعادن النادرة ضمن أدوات الضغط على الصين، يتزايد التساؤل حول مآلات هذه الحرب ومدى استعداد الطرفين للعودة إلى طاولة التفاوض.
الصحفي الاقتصادي في سكاي نيوز عربية، محمود الرفاعي، أوضح في حديثه لـ"غرفة الأخبار" أن تصريحات رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، جيروم باول، حملت إشارات واضحة إلى تداعيات اقتصادية ملموسة بدأت تظهر في الأسواق الأميركية.
ولفت إلى أن باول أشار إلى أن الرسوم الجمركية جاءت أكبر من المتوقع، وستؤدي إلى ارتفاع معدلات التضخم والبطالة، إضافة إلى تقلبات متواصلة في الأسواق المالية.
خسائر أولية للشركات الأميركية
الرفاعي أشار إلى تأثر عدد من الشركات الكبرى سلباً، أبرزها شركة " إنفيديا" المصنعة للرقائق الإلكترونية، والتي أعلنت أن القيود الأميركية الجديدة على تصدير نوع معين من الرقائق إلى الصين ستكلفها نحو 5 مليارات دولار.
كما أوقفت الصين طلبيات شراء طائرات إضافية من " بوينغ"، ما أدى إلى تراجع سهم الشركة بشكل حاد في البورصة الأميركية.
من الخاسر الأكبر؟
ورداً على سؤال حول الطرف الأكثر تضرراً، أوضح الرفاعي أن كلا الطرفين يخسران، وإن كانت الصين أكثر عرضة للخسارة على صعيد التصدير.
فبحسب الأرقام، تصدّر الصين إلى الولايات المتحدة ما يقارب 440 مليار دولار، بينما لا تتجاوز الصادرات الأميركية إلى الصين 150 مليار دولار.
لكن عند النظر إلى القدرة على استبدال هذه الواردات، فإن الولايات المتحدة ستواجه صعوبة في استبدال 36% من وارداتها من الصين، في حين ستجد بكين صعوبة في استبدال 10% فقط من وارداتها من واشنطن، بحسب تقديرات بنك "غولدمان ساكس"، ما يشير إلى أن الصين قد تملك هامش مناورة أكبر على المدى الطويل.
تداعيات على الأسواق الناشئة
أما عن انعكاسات الحرب التجارية على الأسواق الناشئة، وخاصة في الشرق الأوسط، فأوضح الرفاعي أن التأثيرات غير مباشرة حتى الآن. فبينما لا تتأثر دول المنطقة بشكل مباشر بالرسوم الجمركية، إلا أن انكماش حركة التجارة العالمية - التي توقعت منظمة التجارة العالمية تراجعها بنسبة 20% هذا العام - قد ينعكس سلباً على الاقتصادات المرتبطة بالتصدير وإعادة التصدير، مثل اقتصادات الخليج العربي.
كما قد تشهد المنطقة فرصاً جديدة في حال أعادت الشركات العالمية تموضعها في سلاسل التوريد، وانتقلت إلى دول تتمتع ببيئة رسوم جمركية أقل، وهو ما ينطبق على العديد من الدول العربية.
إعادة تقييم للهيمنة الأميركية
وحول تأثير التصعيد الأخير على مكانة الولايات المتحدة في النظام المالي العالمي، أشار الرفاعي إلى أن الأسواق المالية الأميركية شهدت تراجعات حادة، طالت الأسهم وسندات الخزينة والدولار الأميركي على حد سواء، وهو أمر غير معتاد في أوقات الأزمات.
وأضاف أن هذا الوضع يثير تساؤلات عن إعادة تقييم محتملة للدور الأميركي في النظام المالي العالمي، في وقت بدأت فيه بعض الدول الاقتصادية الكبرى بالبحث عن بدائل تقلّص من اعتمادها على الدولار والأسواق الأميركية.