يدرك أغلب الناس مدى الحرج الذي يسببه إرسال رسالة خاطئة إلى الشخص الخطأ، ولكن عندما يكون المسؤول عن ذلك مستشار الأمن القومي الأميركي مايك والتز ، وتكون الرسالة خطة عسكرية مفصلة لقصف اليمن، ويكون المستلم صحفيا بارزا، فإن الخطأ لا يكون فضيحة فقط، بل يحتمل أن يشكل خرقا خطيرا للأمن القومي.
هكذا افتتحت صحيفة إيكونوميست تقريرا لها بدأته بتأكيد البيت الأبيض أن الرسائل التي أُرسلت عن غير قصد إلى رئيس تحرير مجلة "أتلانتيك" جيفري غولدبرغ ونشرها مُفصلة في تقرير بمجلته، تبدو حقيقية.
وكتب غولدبرغ أنه كان على علم بقصف أهداف ل جماعة الحوثيين في جميع أنحاء اليمن قبل أن تقع بساعتين، موضحا أن وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث أرسل له رسالة نصية تتضمن خطة الحرب في الساعة 11:44 صباحا، تضمنت معلومات دقيقة عن الأسلحة والأهداف والتوقيت.
وذكر غولدبرغ أنه تلقى طلب اتصال على سيغنال من مستخدم يدعي أنه والتز يوم 11 مارس/آذار الجاري، ولم يستغرب ذلك لأن العديد من الأعضاء في إدارة ترامب لديهم علاقات وثيقة مع الصحفيين الرئيسيين، وهكذا انضم إلى مجموعة نقاش تسمى "مجموعة الحوثيين الصغيرة"، تم إنشاؤها ظاهريا لتنسيق العمل القادم ضد جماعة الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن، لاستئنافهم إطلاق النار على السفن المارة عبر باب المندب .
وتضم المجموعة -حسب الصحفي- 18 عضوا بينهم جيه دي فانس نائب الرئيس، ووزير الخارجية ماركو روبيو ، ومديرة الاستخبارات الوطنية تولسي غابارد ، ومدير وكالة المخابرات المركزية جون راتكليف ، وهيغسيث وآخرون.
وفي مجموعة سيغنال -كما يقول غولدبرغ- أعرب فانس عن شكوكه بشأن العملية الوشيكة، مشيرا إلى أن الأوروبيين يعتمدون أكثر بكثير من أميركا على التجارة عبر قناة السويس ، وأضاف "لست متأكدا من أن الرئيس يدرك مدى تناقض هذا مع رسالته بشأن أوروبا".
وأشار هيغسيث إلى أن الانتظار يحمل خطرين "إذا تسربت هذه المعلومات سنبدو مترددين، وإذا اتخذت إسرائيل إجراء أو انهار وقف إطلاق النار في غزة ، فلن نتمكن من بدء هذا الأمر بشروطنا الخاصة"، ورد والتز بالإشارة إلى القيود التي تواجهها القوات البحرية الأوروبية، واقترح أن الحلفاء سوف يتحملون الفاتورة.
وقال فانس "أكره إنقاذ أوروبا مجددا"، فرد وزير الدفاع قائلا "أشاركك تماما كراهيتك للاستغلال الأوروبي، لكن مايك محق، فنحن الوحيدون على هذا الكوكب القادرون على فعل ذلك، أشعر أن الآن هو الوقت المُناسب نظرا لتوجيهات الرئيس بإعادة فتح ممرات الشحن".
ثم اختتم "إس إم"، وهو على الأرجح ستيفن ميلر نائب رئيس موظفي ترامب، النقاش قائلا: إن ترامب أعطى الضوء الأخضر، ولكن بقي عليه أن يوضح لمصر وأوروبا ما تتوقع الإدارة الحصول عليه مقابل اتخاذ هذا الإجراء. وأضاف "إذا نجحت الولايات المتحدة في استعادة حرية الملاحة بتكلفة باهظة، فيجب أن يكون هناك المزيد من المكاسب الاقتصادية في المقابل".
وفي صباح اليوم التالي، وبعد وقت قصير من سقوط القنابل الأولى على صنعاء، عادت قناة سيغنال إلى الحياة، فأشاد والتز بالعملية ووصفها بأنها "عمل مذهل" ونشر ثلاثة رموز تعبيرية عبارة عن قبضة وعلم أميركي ونار، ولكن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط وروسيا ستيف ويتكوف تفوق عليه بعرض خمسة رموز تعبيرية.
وبعد الكشف الصحفي الذي وضع والتز في حرج كبير مع أمله ألا تكون هناك عواقب وخيمة، قال متحدث باسم مجلس الأمن القومي إن هناك مراجعة جارية لمعرفة كيف "أُضيف رقم غير مقصود إلى المجموعة" لكنه أصر على أن هذه المجموعة "دليل على التنسيق السياسي العميق والمدروس بين كبار المسؤولين".
ولا توجد أي إشارة في هذه المناقشات -حسب غولدبرغ- إلى أن القصف في اليمن سيحقق الكثير من الفائدة، ولا إلى إمكانية التصعيد مع إيران، ولا إلى دور إسرائيل في وقت ظهر فيه أن وقف إطلاق النار مع حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) يوشك على الانهيار.
وأشار الكاتب إلى ويتكوف الذي بدا -حسب رأيه- مفتونا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، وقال إن هدفه لم يكن إنهاء الحرب في أوكرانيا فحسب، بل بناء شراكة جديدة بين أميركا وروسيا، ووبخ الدول الأوروبية على اعتقادها بأن الروس سيزحفون على أوروبا، وقال "أعتقد أن هذا سخيف".
وختم غولدبرغ بأن هذه التعليقات ستعزز المخاوف الأوروبية من أن أميركا قد تتحول بسرعة من حامية لأوروبا إلى ما يشبه العدو، مستنتجا أن تسريبات سيغنال لن تؤدي إلا إلى زيادة القلق.