في الوقت الذي تواصل فيه الإدارة الأميركية، بقيادة الرئيس دونالد ترامب، الضغط على الدول العربية لتبني خطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى دول مثل مصر والأردن، يأتي الرد العربي قاطعاً ومتماسكاً.
حيث تؤكد البيانات الرسمية من القاهرة وعمان، إلى جانب دعم المواقف الشعبية في دول عربية عدة، رفضها القاطع لأي مساعٍ ترمي إلى تهجير الفلسطينيين من أراضيهم.
تزايدت الأحاديث في الفترة الأخيرة بشأن إمكانية تنفيذ خطة تهجير لآلاف الفلسطينيين من غزة، في ظل التصريحات اليومية للرئيس الأميركي الذي يروج لفكرة "التوطين" في دول الجوار.
هذه الخطة، بحسب الكثير من المحللين، تهدف إلى تغيير ديموغرافي في المنطقة، على غرار المخططات التي طرحتها إسرائيل منذ عقود، ما يطرح سؤالاً مهماً: كيف سيكون رد الفعل العربي على هذه المساعي؟
موقف العرب.. موقف صلب ومتحد
في سياق هذا النزاع المتجدد، تتعدد الأبعاد السياسية والاقتصادية التي تقف خلف المواقف الرافضة للمخططات الأميركية.
أستاذ القانون الدولي في الجامعة الأميركية في الإمارات، عامر فاخوري، يوضح في حديثه لـسكاي نيوز عربية أن "الموقف الأردني من موضوع تهجير الفلسطينيين كان واضحاً طوال التاريخ، لا للوطن البديل ولا للتهجير".
ويؤكد فاخوري أن الأردن، لا يقبل بأي حال من الأحوال بتغيير الوضع القائم وتعتبر فلسطين هي للفلسطينيين فقط.
ويشير إلى أن الموقف المصري لا يقل صلابة عن الموقف الأردني، حيث جاء في بيان صادر عن الرئاسة المصرية: "إننا نرفض تماماً أي محاولة لتهجير الفلسطينيين أو المساس بحقهم في العودة".
ويضيف فاخوري أن الدعم العربي، خاصة من مصر والأردن، يأتي مدعوماً من قاعدة شعبية عميقة ترفض هذه المخططات بأي شكل من الأشكال.
الأبعاد القانونية والإنسانية.. التهجير جريمة دولية
من جانب آخر، يبرز أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأمة بغزة، حسام الدجني، قضية جوهرية متعلقة بحق الفلسطينيين في العودة.
الدجني يرى أن الفلسطينيين، ورغم كل التحديات والمخططات الإسرائيلية، متمسكون بأرضهم وحقهم في العودة إلى أراضيهم الأصلية.
ويضيف: "الشعب الفلسطيني في غزة متمسك بمقاومة كل محاولات التهجير وهو لا ينسى أبدًا مدن يافا وحيفا وبئر السبع".
وتتناول تصريحات الدجني الجانب الإنساني لهذه القضية، حيث يشدد على أن التهجير لا يعد فقط انتهاكاً لحقوق الإنسان، بل أيضاً خرقا للقانون الدولي. فمبدأ "عدم التهجير القسري" من الحقوق الأساسية التي يحميها القانون الدولي، وهو ما ترفضه جميع المنظمات الأممية.
تحليل استراتيجي.. ضغط دولي وحسابات دقيقة
ويلفت حسين عبد الحسين، الباحث في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، خلال حديثه الأنظار إلى الأبعاد الاستراتيجية لهذه الأزمة، مشيراً إلى أن "الولايات المتحدة تستخدم أوراق ضغط متعددة، بما في ذلك الدعم المالي والسياسي، للضغط على الدول العربية".
ويضيف عبد الحسين أن "مصر والأردن يدركان تماماً أن هذه الضغوط لا تتعلق فقط بمستقبل غزة، بل بمصير منطقة الشرق الأوسط برمتها"، مشيراً إلى أن "التوسع في المخططات الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين يعكس تزايد الضغوط الأميركية على الدول العربية لاحتواء القضية الفلسطينية على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني".
من جهة أخرى، يشير سيد غنيم، الأستاذ الزائر في أكاديمية الناتو في بروكسل، إلى أن موقف الدول العربية مستند إلى منطق استراتيجي: "إن التهجير ليس حلاً لفلسطين، بل هو خطأ تاريخي سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها".
ويتابع غنيم قائلاً: "إن موقف مصر والأردن الرافض للتهجير ليس مجرد تصريحات، بل هو استراتيجي يعكس رفضًا مطلقًا لأي حلول موقتة لا تحقق العدالة للفلسطينيين".
مستقبل غزة.. خيارات ومسارات
ما بين الضغط الدولي والمواقف العربية المتماسكة، يبدو أن مستقبل غزة يتجه نحو إعادة ترتيب الأوراق على مستوى الإقليم.
ويعكف المسؤولون في دول مثل مصر والأردن على تحضير خطة عربية واضحة لرفض أي محاولات تهجير، والتي ستكون محور النقاش في القمة العربية المرتقبة.
كما أن التهديدات الأميركية قد تجعل هذه القمة أكثر حدة في مواقفها، حيث سيتجدد الحديث عن إبعاد غزة عن الحلول التوطينية.
ويبقى الفلسطينيون في غزة، رغم كل الضغوطات، متمسكين بأرضهم وحقوقهم، ولن يكون تهجيرهم إلا عنواناً جديداً لمرحلة أخرى من الصراع العربي الإسرائيلي، بل أكثر من ذلك، هو تحدٍّ تاريخي أمام المجتمع الدولي من أجل احترام القانون الدولي وحقوق الإنسان.