لم يدع الرئيس الأميركي دونالد ترامب مجالًا للشك، حينما أكد الجمعة الماضية للصحافيين في لقاء بالمكتب البيضاوي، أنه سيفرض بالتأكيد رسوماً جمركية على الاتحاد الأوروبي في المستقبل، جاء إعلانه ذلك قبل يوم واحد من فرض رسوم على الصين والمكسيك وكندا.
علل ترامب خطوته بأن الاتحاد الأوروبي عاملهم بطريقة "فظيعة للغاية" حسب ما جاء في كلمته التي فضّل فيها على حد وصفه أن يكون صادقًا على أن يكون دبلوماسيًا.
وشهدت صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة نمواً ملحوظاً خلال الـ15 عامًا الماضية، إذ ارتفعت نسبة صادرات الاتحاد إلى باقي العالم من 15% في 2010 إلى أكثر من 20% في 2023، بحسب تقرير لـ"CaixaBank" اطلع عليه "العربية Business".
وذكر التقرير أن هذا النمو مع زيادة حيوية التجارة الخارجية ساهم في رفع حصة صادرات الولايات المتحدة إلى حوالي 5% من ناتج الاتحاد المحلي الإجمالي، مقارنة بأقل من 3% في البداية.
وذكر أن صادرات السلع، التي ستكون محور التدابير الحمائية التي سيتبناها الإدارة الأميركية الجديدة، تمثل أكثر من 60% من إجمالي المبيعات إلى السوق الأميركية
وأشار إلى أنه داخل الاتحاد الأوروبي، تتفاوت نسبة الصادرات الموجهة إلى الولايات المتحدة بشكل كبير من دولة إلى أخرى، فإيرلندا هي الدولة التي تتمتع بأكبر نسبة من صادرات السلع إلى الولايات المتحدة، حيث تتجاوز 25%، في حين أن حصة السوق الأميركية تكون عادة أقل بالنسبة لدول شرق أوروبا.
في حين تستحوذ صادرات أميركا على 10% إجمالي ما تصدره إيطاليا وألمانيا، متجاوزةً بذلك فرنسا 7%، وإسبانيا أقل من 5%، بحسب التقرير.
وقال التقرير إن فرض رسم جمركي شامل على واردات الولايات المتحدة من السلع بنسبة تتراوح بين 10% و20% سيؤدي إلى زيادة كبيرة مقارنة بالمستويات الحالية، بالنظر إلى أن متوسط الرسوم الجمركية يبلغ حوالي 2% بالنظر إلى هيكل الصادرات من الاتحاد الأوروبي إلى السوق الأميركية.
وذكر أن صناعة المواد الكيميائية هي الأكثر عرضة لهذا التغيير، إذ تمثل مبيعاتها إلى السوق الأمريكية نحو 26% من مجمل صادراتها في 2023، ولكن مع ذلك، فإن التأثير النهائي سيعتمد على مرونة الطلب من مستوردي الولايات المتحدة، بالإضافة إلى قدرة الشركات الأوروبية المصدرة على بيع منتجاتها في الولايات المتحدة من خلال الاستثمار المباشر أو استبدال هذا السوق بأسواق دولية أخرى.
كما أن مجموعة المنتجات التي تشمل الأجهزة البصرية والأثاث تقع في وضع مشابه، وإن كانت حصة الصادرات الأميركية فيها أقل عند حوالي 10%، وهناك مجموعتان أخرتان من المنتجات الكبرى، وهي الآلات والمعدات، والمواد والسلع الخاص النقل، ومجتعمتين تمثلان 40% من إجمالي الصادرات إلى الولايات المتحدة، لكن قد لا يواجه الاتحاد الأوروبي صعوبة كبيرة في إيجاد أسواق بديلة.
وقال التقرير إن رفع الرسوم الجمركية على تجارة السلع يؤثر مباشرة على قدرة الشركات المصدرة على التنافس، لكن الآثار أيضًا ستشعر بها الاقتصاد ككل بشكل غير مباشر.
وبالتالي، فإن القطاعات الرئيسية في البلدان الأوروبية، مثل الصناعات الاستخراجية والشركات المصنعة التي تبيع منتجاتها في الولايات المتحدة، تمارس تأثيرًا كبيرًا على القطاعات الإنتاجية المحلية، وكذلك على تلك الخاصة بدول أعضاء أخرى، من خلال شراء السلع الوسيطة والخدمات.
وأشار إلى أن ذلك بالإضافة إلى أنه حتى الدول غير الأوروبية حينما كانت تصدر منتجات إلى الولايات المتحدة، فإنها غالبًا ما تعتمد على مكونات أو مواد من الاتحاد الأوروبي في إنتاج تلك السلع، وبالتالي فإن جزءًا كبيرًا من القيمة المضافة لهذه السلع يعود إلى الاتحاد الأوروبي، وتراجع التصدير لأميركا بصفة عامة يؤثر بشكل مباشر على أوروبا.
وقال إنه مع كل ذلك، يصبح تقييم تعرض الاتحاد الأوروبي لزيادة الرسوم الجمركية المحتملة من الإدارة الأمريكية الجديدة مهمة أكثر تعقيدًا مما توحي به أرقام الصادرات الإجمالية المذكورة، وبالتالي فإن تحليلًا أكثر تفصيلًا مطلوبًا لتقييم المخاطر التي تواجه الاقتصاد الأوروبي.
قال نائب المستشار الألماني المنتهية ولايته، روبرت هابيك، إن "أوروبا مستعدة، إذا فرضت الولايات المتحدة الرسوم الجمركية"، مضيفًا أنه يأمل ألا يحدث ذلك.
وأكد هابيك أن أوروبا يمكنها فرض "إجراءات مضادة تؤثر على الاقتصاد الأميركي، بما في ذلك قطاع المستهلكين"، لكنه قال إنه في نظره سيكون ذلك "الطريقة الخاطئة" للتعامل مع ترامب.
وأضاف هابيك، الذي يشغل أيضًا منصب وزير الاقتصاد، في مقابلة مع DW أن أنه يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتعاون ويخوض معركة مع الولايات المتحدة، لكنه أشار إلى أن ذلك لن يساعد أيًا من الجانبين وأنه يفضل تجنب مثل هذه الوضعية.
وبدلاً من ذلك، أشار إلى أن هناك حاجة إلى المزيد من الحوافز الضريبية والاستثمارات لضمان تحديث البنية التحتية المتقادمة من أجل نمو الاقتصاد وإنتاج تقنيات المستقبل في أوروبا وألمانيا.
وقال إن ألمانيا والاتحاد الأوروبي يجب أن يبذلا المزيد من الجهد لمساعدة أنفسهم في مجالات الابتكار والبنية التحتية والتقنيات الجديدة في ظل تهديد الرسوم الجمركية الأميركية على المنتجات الأوروبية في فترة إدارة ترامب.
ترى ناتالي ديروزير، رئيسة قسم الأبحاث الاقتصادية للمؤسسات المالية، أن الاتحاد الأوروبي في وضع جيد للتفاوض مع الولايات المتحدة، وكذلك مع الصين حول قضايا التجارة.
أوضحت أنه في الواقع، بالنظر إلى أهمية التجارة بين المنطقتين، فإن تدهور العلاقات التجارية سيكون ضارًا للطرفين، لكن من المرجح أن يضر بالولايات المتحدة أكثر من الاتحاد الأوروبي، خصوصًا في قطاع السلع المصنعة، إذ تعتمد الولايات المتحدة على الاتحاد الأوروبي في 18.3% من تجارتها بالسلع، مقارنة بـ 6.7% للاتحاد، بحسب تقرير للبنك اطلعت عليه "العربية Business".
وقالت إنه على المدى القصير، في مواجهة التهديدات الأمريكية المحتملة، فإن قدرة الاتحاد الأوروبي على التحدث بصوت واحد على الساحة العالمية تضعه في موقف قوي فيما يتعلق بالتجارة الدولية.
وأشارت إلى أن الاتحاد الأوروبي يمتلك حاليًا آليات ردع مختلفة للدفاع عن مصالحه وجعل الولايات المتحدة تجلس إلى طاولة المفاوضات، وبالتالي تجنب تصعيد الإجراءات، خاصة أنه عزز قدراته خلال العامين الماضيين من خلال أدوات مثل آلية مكافحة الإكراه (ACI)، وتنظيم الدعم الأجنبي (FSR)، وأداة المشتريات الدولية (IPI).
لكنها ذكرت أنه إذا فشلت المفاوضات، سيكون من الضروري وضع خطة مساعدة طارئة لدعم القطاعات الضعيفة والمساهمة في مرونة الاقتصاد الأوروبي.
وقالت إنه على المدى الطويل، يبدو أن هناك حاجة إلى إلى إحياء تنافسية السوق الموحد الأوروبي من خلال سياسة صناعية متكاملة، وأخيرًا تنويع التجارة لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة والصين.
أضافت أنه مع سوق يضم 450 مليون نسمة، وتجارية تتنامى بسرعة، وشبكة من اتفاقيات التجارة التي تعززت في السنوات الأخيرة، يبدو أن الاتحاد الأوروبي قادر على تقديم رد حازم للولايات المتحدة، مع الحفاظ على علاقة مرنة، وقد يأتي الخطر الرئيسي من داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، مع ظهور رغبة لدى بعض الدول الأعضاء في التزام الحذر في رد فعلها.