في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
دير الزور- في الوقت الذي تسعى فيه محافظة دير الزور (شرقي سوريا) للتعافي من آثار الحرب الطويلة التي دمرت المدينة، تظل الألغام الأرضية المنتشرة في المناطق السكنية والريفية على حد سواء تهديداً دائماً لحياة المدنيين.
وقد أودت تلك الألغام -التي زرعت خلال سنوات الثورة- بحياة الكثيرين وأصابت آخرين بجروح بليغة حيث وصل العدد إلى 14 قتيلا و28 مصابا خلال الشهر الماضي والجاري فقط حسب مصادر محلية، مما يكشف عن التحديات الكبيرة التي تواجه جهود استعادة الحياة الطبيعية في المحافظة.
قبل انسحاب قوات النظام المخلوع والمليشيات المساندة من المحافظة قامت بزرع أعداد كبيرة من الألغام، ومنعت المدنيين من الخروج إلى باديتها لأمور اعتبرتها أمنية آنذاك.
وبعد خروج قوات النظام من المحافظة، تفاجأ سكان دير الزور بالمأساة التي تنتظرهم في ريف المحافظة وباديتها، فمع لجوء الأهالي إلى البادية من أجل الحصول على الحطب الذي يستخدم في التدفئة تكشفت حجم الكارثة بانفجار العديد من الألغام الموضوعة من قبل قوات النظام.
ويقول عبود الوكاع أحد سكان قرية الكشمة في ريف دير الزور -للجزيرة نت- إنه أصيب في قدمه اليمنى، وماتت زوجة أخيه جراء انفجار لغم كما بترت قدم أخيه اليمنى أيضا بعد انفجار لغم أرضي أثناء محاولتهم جمع الحطب في البادية القريبة من منازلهم.
ويضيف أنه لم يتمكن من الحصول على الرعاية الصحية المناسبة بسبب تدهور القطاع الصحي في المحافظة، حيث تم نقل شقيقه إلى العاصمة دمشق من أجل العلاج، مؤكدا الحاجة الماسة إلى كاسحة ألغام لإزالة الألغام التي تملأ محيط منازلهم وتسببت بمقتل العديد من سكان قريته والقرى المجاورة.
وفي حادثة مشابهة، فقد كل من غدار وزكريا الشبلي (25 و18 عاماً) حياتهما جراء انفجار لغم في بادية دير الزور أثناء خروجهما المعتاد إلى الصحراء مؤخراً، حسب ما أفاد عمهما منسي للجزيرة نت من مجلس العزاء.
وأشار العم الشلبي إلى أن بادية المحافظة "مليئة بالألغام التي زرعتها المليشيات الإيرانية وقوات النظام السابق" محذرا الأهالي من التوجه إلى تلك المناطق مهما كانت الظروف.
بدوره، يوضح أبو صالح (إمام مسجد في قرية الكشمة) -للجزيرة نت- أن المناطق القريبة من المساكن زرعت فيها الألغام بكثافة، مؤكداً حدوث العديد من الحوادث القاتلة، وأن هناك تهورا من قبل بعض الأهالي الذين يغامرون بالخروج إلى مناطق مليئة بالألغام.
وأضاف أن "المليشيات الإيرانية وقوات النظام زرعت هذه الألغام لإغلاق الطرق أمام المدنيين، والنتيجة هي خسائر يومية في الأرواح" مطالبا الجهات المعنية بسرعة التحرك لتوفير كاسحات ألغام وتنفيذ برامج توعية للسكان.
تنتشر الألغام في دير الزور بشكل عشوائي نتيجة تعاقب القوى المسيطرة على المنطقة، من نظام بشار الأسد إلى تنظيم الدولة ثم المليشيات الإيرانية.
ويقول الخبير العسكري العقيد فايز الأسمر إن هذه الألغام تشمل أنواعا مختلفة، منها ما هو مضاد للأفراد أو مضاد للدروع، وبعضها صُمم ليبدو كحجارة أو ألعاب أطفال، مما يزيد من خطورتها وصعوبة اكتشافها.
وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- أن عمليات إزالة الألغام تواجه تحديات كبيرة، أبرزها غياب الخرائط التي توضح أماكن زرع الألغام، وقلة الفرق الهندسية المختصة، وانتشار الألغام بكثافة في مناطق مثل حي الصناعة والطحطوح داخل مدينة دير الزور، إضافة إلى قرى المياذين والقورية والكشمة ودبلان وصبيخان والبوكمال في الريف الشرقي.
من جانبه، يوضح عبد الله الحسين المتطوع في الدفاع المدني ومسؤول استجابة دير الزور -في حديثه للجزيرة نت- أن فرق الدفاع المدني يقتصر عملها حالياً على وضع إشارات تحذيرية في المناطق الملوثة بالألغام وتوعية الأهالي بمخاطرها.
وأضاف الحسين أن الفرق تتلقى البلاغات من السكان عن مواقع الألغام، لكن نقص المعدات والفرق الهندسية يمنعها من التعامل معها بشكل كامل، مما يجعل هذه المهمة خطيرة ومعقدة حيث تستوجب بعض الألغام التفجير بنفس الموقع الذي توجد بداخله.
لم تقتصر مشكلة الألغام على المناطق الريفية فقط، بل امتدت إلى داخل أحياء مدينة دير الزور كحي الصناعة والجبل المطل على المدينة، وأحياء هرابش والبغيلية وعياش إضافة إلى حي الطحطوح.
وأشار أبو عبد الله (أحد سكان الحي) -للجزيرة نت- إلى وجود ألغام زرعتها قوات النظام السابق قرب المراكز الأمنية التي كانت تستخدمها نقاط تفتيش، مضيفا أن هذه الألغام تُشكل تهديداً مباشراً للسكان خاصة الأطفال.
ولفت إلى أن الجهات المختصة وضعت علامات تحذيرية في تلك المناطق، لكنه شدد على ضرورة إزالتها بشكل كامل لضمان سلامة المدنيين.
ويرى الصحفي هيثم الحنت أن بعض المنظمات المحلية حاولت إزالة بعض الألغام من القرى السبع التي كانت تحت سيطرة قوات النظام والمليشيات الإيرانية الواقعة شرق الفرات بأوامر من قوات قسد (سوريا الديمقراطية) لكن جهودها كانت محدودة للغاية.
وأضاف الحنت -في حديث للجزيرة نت- أن ناشطي المنطقة قدموا مناشدات للمنظمات الدولية والجهات المعنية لإزالة الألغام، لكن معظمها قوبل بالوعود دون أي تنفيذ فعلي بسبب نقص الدعم والمعدات.