آخر الأخبار

تعاظم القلق الإسرائيلي من الهجرة المضادة

شارك الخبر

في الأسبوع الأخير من ديسمبر/كانون الأول الماضي نشرت دائرة الإحصاء المركزي الإسرائيلية تقريرا عن الوضع السكاني في الدولة العبرية وكان مفاجئا في بعض جوانبه.

ورغم الإعلان الاحتفالي عن تجاوز عدد السكان في إسرائيل حاجز الـ10 ملايين، فإن الخبر السيئ من وجهة نظرهم، كان يتعلق بالهجرة السلبية عام 2024 التي بلغت 82700 إسرائيلي، ويعتبر غير مسبوق والأسوأ من ذلك أنه يؤكد استمرار الهجرة السلبية على الأقل في العامين الأخيرين.

وحسب ما نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" في سبتمبر/أيلول الماضي، فإن مزيدا من الإسرائيليين يختارون في السنوات الأخيرة مغادرة إسرائيل وبدء حياة جديدة في الخارج.

وكتبت أن ما لا يقل عن 55 ألفا و300 إسرائيلي آثروا البقاء خارج إسرائيل في عام 2023 أي أنهم غادروا مناطق إقامتهم في عام 2022 ولم يعودوا إليها، وهذا يشكل رصيد هجرة سلبية متزايدة مقارنة بالأعوام الأخيرة.

ومن المؤكد أن استمرار هذا المعدل في الهجرة المضادة وتقلص عدد المهاجرين إلى إسرائيل يضرب في الصميم غايات الصهيونية بتجميع اليهود في أرض فلسطين.

"علياه" مقابل "يريداه"

وقد أعطت الصهيونية للهجرة إلى فلسطين مفهوما أقرب إلى القداسة الدينية حيث وصفت هذه الهجرة بـ"العودة" أو "الحج" أو التسامي والصعود. وأسمت الوصول إلى فلسطين بالعبرية بأنه "علياه" أي ارتقاء وصعود.

إعلان

في حين أسمت الهجرة من إسرائيل بـ"يريداه" بمعنى النزول أو السقوط. وهكذا استقبلت بالترحاب المهاجرين اليهود، بينما وصمت تقريبا بالعار المهاجرين منها.

مصدر الصورة مهاجرون يهود قدموا من أوكرانيا إلى إسرائيل في ديسمبر/كانون الأول 2014 تنفيذا لما يعرف بمبدأ العالياه (أسوشيتد برس)

وبحسب دائرة الإحصاء المركزي، بلغ عدد سكان إسرائيل حاليا 10 ملايين و27 ألف نسمة، منهم 7 ملايين و707 آلاف يهودي وآخرون (76.9% من السكان)، ومليونان و104 آلاف عربي (21%)، و216 ألف أجنبي (2.1%).

وأفادت بأنه خلال عام 2024، نما عدد سكان إسرائيل بنسبة 1.1%، وانخفض معدل نمو السكان مقارنة بعام 2023 (حيث بلغ معدل النمو في نهاية عام 2023 نسبة 1.6%)، ويرجع بشكل رئيسي إلى ارتفاع عدد الإسرائيليين المهاجرين من إسرائيل في عام 2024.

وتعتمد إسرائيل طريقة خاصة في تحديد ميزان الهجرة باعتماد الفرق بين عدد القادمين للعيش في إسرائيل وعدد الذين يغادرونها. وفي نهاية عام 2023، غدا الرصيد سلبيا بانخفاض قدره 18 ألفا و200 شخص.

أما في العام الماضي، فغادر 82 ألفا و700 مواطن إسرائيل وعاد 23 ألفا و800 شخص، ولذلك فإن رصيد الإسرائيليين المهاجرين من إسرائيل سلبي ويبلغ 58 ألفا و900 أكثر من الذين عادوا. وفي أكتوبر/تشرين الأول 2024، أي بعد مرور عام على الحرب، سجل رقم قياسي وكان رصيد الهجرة سلبيا بأكثر من 10 آلاف إسرائيلي.

زيادة حادة

وأفادت "يديعوت أحرونوت" أن هذه الزيادة حادة في عدد الأشخاص الذين يغادرون مقارنة بالعام السابق. ووفقا للبيانات التي تشير إلى عام 2023، غادر حوالي 55 ألفا و300 إسرائيلي البلاد لإقامة طويلة، بمعدل 5.7 لكل 1000 ساكن، وهي زيادة طفيفة مقارنة بالسنوات السابقة.

وأضافت دائرة الإحصاء المركزي أن عدد المهاجرين في عام 2024 هو 32 ألفا و800 وهو أقل بحوالي 15 ألفا، مقارنة بعام 2023. وعدد الوافدين ضمن نظام جمع شمل العائلات -حوالي 7900- هو تقريبًا نفس العدد في عام 2023.

إعلان

ولا يمكن عند قراءة البيانات السكانية في إسرائيل عدم الالتفات إلى توزيع المواليد بين مكونات هذه الدولة، إذ تظهر بيانات دائرة الإحصاء المركزي أيضًا أنه خلال عام 2024 ولد حوالي 181 ألف طفل، 24% منهم لأمهات عربيات.

ومعروف أن نسبة السكان العرب في إسرائيل، كما سلف، هي 21% وهو ما يعني أن استمرار هذه الوتيرة تزيد نسبة العرب سنويا في المجموع العام مقارنة باليهود.

مصدر الصورة 181 ألف طفل ولدوا عام 2024 في إسرائيل، 24% منهم لأمهات عربيات (الجزيرة)

ولا تقتصر خطورة البيانات من وجهة نظر محللي الأرقام على المعاني العمومية وإنما تصل إلى التفاصيل، فبيانات الأشهر من يناير/كانون الثاني إلى نوفمبر/تشرين الثاني تظهر أنه في تلك الأشهر، غادر إسرائيل 78 ألفا و600 إسرائيلي.

ولكن دائرة الإحصاء المركزي أجرت تقييما لأولئك الذين يغادرون في ديسمبر/كانون الأول، وتبين أنها حصلت على رقم قياسي مثير للقلق يبلغ حوالي 82 ألفا و700 شخص يغادرون إسرائيل في عام واحد، وهو أعلى رقم منذ عام 1948.

وهو رقم أعلى وأشد إثارة للقلق من الرقم القياسي السابق الذي سجل عام 2023، عندما غادر نحو 53 ألف إسرائيلي البلاد. وتظهر البيانات أن 14 ألفا و816 إسرائيليا غادروا البلاد في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وفي أغسطس/آب غادر 11 ألفا و394.

أطفال ومراهقون

وما يزيد طين بلة في قياساتهم كل ما يتعلق بأعمار المهاجرين، حيث تظهر بيانات الإحصاء أن 21 ألفا و262 منهم تقل أعمارهم عن 19 عاما، أي أن حوالي 27% من المهاجرين هم من الأطفال والمراهقين.

كما تظهر البيانات أن 37 ألفا و567 من المهاجرين العام الماضي كانت تتراوح أعمارهم بين 20 و45 عامًا – أي 47.8% من جميع المهاجرين. وبتلخيص البيانات، يتبين أن 3 من كل 4 هم تحت سن 45 عامًا. ويمكن أيضًا أن نستنتج من البيانات أن معظم أولئك المهاجرين هم عائلات مستقرة لديها أطفال.

إعلان

وتظهر المعطيات أنه في الأعمار الأكبر سنا، يتم تسجيل انخفاض تدريجي في عدد الأشخاص المهاجرين من إسرائيل، ففي الفئة العمرية 45 إلى 49، هاجر 4662 إسرائيليا، وفي الفئة العمرية 50 إلى 54 – هاجر 3483، فيما في الفئة العمرية 55 إلى 59 هاجر 2693.

وكان لافتا فيما نشر أن المهاجرين من إسرائيل جاؤوا من المناطق الأشد استقرارا وازدهارا في الدولة العبرية. وهكذا فإن تل أبيب وحيفا ونتانيا والقدس على التوالي تتصدر جدول أعداد المهاجرين في عام 2024. أما في المركز الخامس فتقع بات يام مع 3102.

تليها ريشون لتسيون (2490) وهاتان المدينتان من غوش دان وتل أبيب الكبرى، وأسدود (2359)، ورمات غان (1883)، وبيتاح تكفا (1756)، ثم عسقلان (1508)، وهرتسليا (1401)، وحولون (1295)، ونهاريا (1288) ورحوفوت (1213).

مصدر الصورة معظم المهاجرين من إسرائيل قدموا من المدن الأكثر استقرارا (غيتي)

وتقريبا تكاد تخلو قائمة المدن والبلدات التي هاجر منها الإسرائيليون من البلدات والقرى العربية، في حين أن لمستوطنات غلاف غزة والمستوطنات الشمالية على الحدود اللبنانية حصة من المهاجرين.

وتظهر البيانات أن عدد الأشخاص المهاجرين إلى الخارج من المستوطنات التي تم إخلاؤها في الشمال ليس أعلى من المستوطنات الأخرى. وقد تم تشخيص 137 من سكان كريات شمونة كمهاجرين في عام 2024، وكذلك 60 من شلومي و32 من المطلة.

ومعروف أن الغالبية الساحقة من مستوطني الشمال وغلاف غزة تم استيعابهم على حساب الدولة في فنادق ومناطق أخرى في الوسط والجنوب. وربما أن هذا العامل ترك أثره ولم يدفع الكثيرين منهم إلى الهجرة إلى الخارج.

لكن هناك عاملا آخر وهو أن الكثيرين من سكان المستوطنات الحدودية ليسوا من الطبقات الوسطى أو العليا في المجتمع الإسرائيلي، وغالبا ليسوا من ذوي الأصول الأوروبية وبالتالي فإن فرص اندماجهم في أماكن الهجرة الجديدة في الغرب ليست عالية.

إعلان

سيطرة اليمين

وتختلف أسباب الهجرة من إسرائيل وفقا لمستوى الثقافة والواقع الاقتصادي للمهاجرين. فهناك من يرى أن سيطرة اليمين على الحياة العامة والتوجهات الفاشية تضاعف عندهم القلق من استمرار العيش في المكان.

وآخرون رأوا فيما بات يعرف بـ"الإصلاح القضائي" الذي يحاول ضمان هيمنة اليمين على مقاليد الحكم على حساب مفاهيم ليبرالية خطرا على حياتهم. وكثيرون يرون أن مستقبل الدولة العبرية في خطر داهم بعد زوال أسباب إقامة السلام في المنطقة واقتناعهم بأن الدولة ستعيش متكئة على حرابها إلى يوم يبعثون.

وأجرت "يديعوت" مقابلات مع العديد من المهاجرين حول الأسباب الحقيقية لهجرتهم. وهكذا فإن شاي وميشال ليفيتا، 35 عامًا، انتقلا إلى برلين قبل بضعة أشهر. وقالا إن القرار اتخذ، من بين أمور أخرى، في أعقاب محاولات الإصلاح القضائي أو الثورة القانونية.

وأوضحا "منذ عدة سنوات ونحن نفكر في فكرة الذهاب في رحلة طويلة. ولكن بعد الثورة القانونية وعدم المساواة في تحمل الأعباء (إشارة إلى عدم تجنيد الحريديم)، أصبحت الحاجة إلى تحويل "رحلتنا" إلى استعداد لإمكانية العيش في الخارج أقوى بالنسبة لنا. نوع من الخطة البديلة، إذا ساءت الأمور حقا، وقد ازدادت سوءا".

وأضافا أنه "من الممكن أن نعود إلى إسرائيل في المستقبل، لكن من الصعب علينا ديمغرافيا أن نرى ذلك مع صعود قوى الظلام". ووفقا لهما، "من الممكن أنه إذا عاد التسامح والعقلانية، وإذا كانت هناك نافذة ما للسلام – فربما نعود إلى إسرائيل". وخلصا إلى أن "الوضع السياسي في إسرائيل هو المحفز – الحرب والخدمة في القوات الاحتياطية كانت الركلة الأخيرة".

مصدر الصورة صعود اليمين الديني كان بين أسباب هجرة فئة من الإسرائيليين (رويترز)

كما هاجر ن. وم. من إسرائيل إلى إسبانيا مع ابنتهما البالغة من العمر 3.5 سنوات، قبل شهر تقريبًا من طوفان الأقصى في "7 أكتوبر"، فـ"بمجرد أن أدركنا أين تهب الرياح بعد الانتخابات، وأن سموتريتش وبن غفير يحصلان على مناصب مهمة في الحكومة إلى حد الهذيان – أدركنا أن الأمر يسير في اتجاه سيئ".

إعلان

وعن قرار الانتقال إلى إسبانيا قالا: "كان لدينا الكثير من الخطوط الحمراء -تم تجاوزها كلها- مثل دور بن غفير وسموتريتش، وكانت هناك أيضًا حالة سقط فيها صاروخ على بُعد حوالي 100 متر منا" قبل 7 أكتوبر.

التظاهرات

كما أشارت "يديعوت أحرونوت" أيضا إلى الزوجين أليسا تسوي وأور معوز البالغين من العمر 28 عامًا اللذين انتقلا إلى تايلند في مايو/أيار 2023. وعلى عكس العائلات السابقة، اختارا الهجرة على وجه التحديد بسبب الانقسام في المجتمع الذي ظهر بحسبهما في التظاهرات.

وقال تسوي: "الحقيقة هي أننا منذ الصغر كنا نفكر في الانتقال كعائلة"، و"بعد فيروس كورونا، انهار كل شيء. لم يعد لدي أي استقرار واستغرق الأمر بعض الوقت للعودة إلى سوق العمل، وكانت المظاهرات في كابلان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير".

وأضاف "لقد سئمت من الانقسام الذي سببته، لقد سئمت من الاختناقات المرورية، حيث استغرق الوصول إلى العمل والعودة منه ساعة في كل مكان، فقط في غوش دان".

ووصفت أليسا الاعتبارات التي أدت إلى اتخاذ قرار الهجرة، مشيرة إلى عدم رعاية الدولة لوالديها المسنين اللذين عملا منذ هجرتهما إلى إسرائيل في عام 1992: "منذ أن كنت طفلة، كانت هناك حروب، وكان يخيفني دائمًا أن يكبر أطفالي ويضطرون إلى التجنيد والموت من أجل بلد لا يفعل ذلك حقًا".

ووفقا لها، "لقد ناضلت من أجل الحصول على مزايا وشروط ضمان الدخل لعائلتي. لدي والدان مسنان وجدة لم تحصل على أي شيء حتى وفاتها".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا