آخر الأخبار

ذهب باكستان المعلّق.. ثروات بالمليارات تعوقها الفوضى

شارك

إسلام آباد رغم امتلاكها خامس أكبر احتياطي من النحاس والذهب في العالم، لا تزال باكستان تصدّر أقل من 0.1% من المعادن عالميا.

في بلد تُقدّر ثرواته المعدنية بنحو 6 إلى 8 تريليونات دولار، تبقى هذه الكنوز مدفونة تحت طبقات من البيروقراطية ، والتنازع القانوني، وضعف البنية التحتية، لتتحول فرص النهوض الاقتصادي إلى ما يشبه "الفرص المهدورة"، وفق متابعين.

كنوز مدفونة في كل الأقاليم وثروات لا تُستثمر

من شمال جيلجيت بالتستان إلى جنوب السند، ومن شرق البنجاب إلى غرب بلوشستان وخيبر بختونخوا، تختزن باكستان خزانا هائلا من الموارد الطبيعية والمعادن.

تزخر البلاد بـ92 نوعا من المعادن المحددة، 52 منها تُستخرج تجاريا، ويُقدّر إجمالي الطاقة الإنتاجية السنوية بـ68.52 مليون طن متري، وفقا لورقة بحثية أصدرتها هيئة تطوير التجارة الباكستانية في عام 2021.

وتغطي هذه الثروات مساحة تبلغ 600 ألف كيلومتر مربع، وتضم معادن مهمة مثل: الذهب، والنحاس، والفضة، والفحم الطبيعي، والحديد، والملح، فضلا عن النفط الخام.

ويمثل هذا القطاع نشاطا اقتصاديا حيويا، إذ يحتوي على أكثر من 5 آلاف منجم عامل، وحوالي 50 ألف شركة صغيرة ومتوسطة، ويشغّل مباشرة نحو 300 ألف عامل.

كما تمتلك باكستان ثاني أكبر مناجم للملح في العالم، وخامس أكبر احتياطي من النحاس والذهب، وثاني أكبر رواسب للفحم، بالإضافة إلى مليارات البراميل من النفط الخام.

وتشير التقديرات الرسمية وغير الرسمية إلى أن القيمة الإجمالية للثروات المعدنية في باكستان تتراوح بين 6 و8 تريليونات دولار، وهو ما يمثل فرصة نادرة لإنعاش الاقتصاد المتعثر في البلاد.

وفي مارس/آذار الماضي، أُطلِعت الحكومة الفدرالية في جلسة لمجلس الوزراء على حجم هذه الثروات، وأكّدت التقديرات الرسمية وجود ما يقرب من 8 تريليونات دولار من المعادن الطبيعية في باكستان.

إعلان

قطاع يتعثر رغم التريليونات

ورغم هذا الخزان الثري من الموارد، لا يزال قطاع التعدين يعاني من ضعف حاد في النمو، ومساهمة محدودة في الناتج المحلي الإجمالي .

فوفقا لبيانات الأمم المتحدة ، لم تمثل صادرات باكستان من المعادن سوى نحو 0.1% من صادرات العالم في عام 2020، حيث بلغت قيمتها حوالي 1.18 مليار دولار، مقابل صادرات عالمية بقيمة 1.5 تريليون دولار، ويواصل القطاع نموه السنوي بمعدل ضعيف يتراوح بين 2 و3% فقط.

ويقول الدكتور عثمان شوهان، المستشار الاقتصادي في "معهد دراسات الفضاء والأمن" في إسلام آباد، إن السبب الرئيسي لهذا الضعف يعود إلى "الإطار التنظيمي المجزأ"، الذي نشأ بعد التعديل الدستوري الثامن عشر.

ويوضح للجزيرة نت أن الحكومة الفدرالية والأقاليم الأربعة تصدر تراخيص متداخلة، بشروط متعارضة، مما يحوّل حتى الموافقات الروتينية إلى "متاهة بيروقراطية"، على حد وصفه.

مصدر الصورة قطاع التعدين في باكستان يضم أكثر من 5 آلاف منجم و50 ألف شركة ويؤمّن وظائف مباشرة لنحو 300 ألف عامل (رويترز)

ويُشير شوهان إلى أن "معارك بارزة" مثل نزاع "ريكو ديك" حول الذهب والنحاس تُظهر كيف يمكن أن تُعيق السلطات القضائية المتعددة مشاريع بمليارات الدولارات لسنوات، وتؤدي إلى تحكيم دولي مكلف، مما يُثبّط شهية المستثمرين الأجانب.

ويُضيف أن الشركات تواجه مشاكل متعددة، تشمل ميزانيات محدودة لعمليات التنقيب، وضعف البنية التحتية للنقل، ونقص الكوادر الفنية المتخصصة في الوزارات الإقليمية، إلى جانب تفشي الفساد والسعي وراء الريع المحلي، مما يجعل من المستحيل عمليا تمويل مشاريع استثمارية على مستوى عالمي.

من جهته، يرى الباحث في "معهد باكستان لاقتصاديات التنمية" في إسلام آباد الدكتور محمد فيصل أن القطاع يعاني من منظومة تنظيمية مثقلة بالقيود.

ويؤكد للجزيرة نت أن التعديل الثامن عشر أعطى الأقاليم قدرا من الاستقلالية في إدارة الموارد، لكن ذلك لم ينعكس في تعزيز الشفافية أو التنسيق مع الحكومة الفدرالية.

ويُعدد فيصل عدة معوقات أساسية:


* إجراءات الترخيص المطولة التي تعيق سرعة جذب الاستثمارات.
* ضعف تطبيق المعايير البيئية الخاصة بالتعدين.
* ضعف القدرة التقنية على رسم خرائط دقيقة للاحتياطيات المعدنية.
* هشاشة البنية التحتية الداعمة من شبكات النقل إلى مرافق التخزين والطاقة.

سباق الاستثمار بين واشنطن وبكين

واتخذت الحكومة الباكستانية خطوات لتعزيز الاستثمار في قطاع التعدين، من خلال إطلاق "مجلس تيسير الاستثمار الخاص" العام الماضي، الذي بدأ بتطبيق لوائح موحدة، وإنشاء الصندوق الوطني للتعدين، وإطلاق إطار ترخيص حديث، وسياسات وُصفت بأنها صديقة للمستثمرين.

وخلال زيارة المشير عاصم منير ، قائد الجيش الباكستاني، إلى واشنطن في يونيو/حزيران الماضي، كان ملف التعدين حاضرا بقوة في لقائه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب .

وفي الشهر ذاته، دعا وزير البترول الباكستاني علي برويز مالك الشركات الأميركية إلى دخول شراكات ومشاريع مع الحكومة الباكستانية، ضمن إطار يدعم الطاقة النظيفة ويسهّل ممارسة الأعمال التجارية.

كما شجّع رئيس الوزراء شهباز شريف، بدعم من قيادة الجيش، على الانفتاح على دول مثل السعودية، والصين، والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة ، بهدف استقطاب الاستثمارات إلى قطاع المعادن، في محاولة لإعادة تشكيل بنية الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.

إعلان

لكن رغم هذه التحركات، فإن المحللين يرون أن العقبات الهيكلية لم تُحل بعد، وأن تحوّل الخطاب السياسي إلى تنفيذ فعلي لا يزال يواجه عراقيل شائكة، أبرزها التداخل الإداري، وعدم استقرار الأطر القانونية، وغياب الشفافية في العوائد والامتيازات.

مصدر الصورة صادرات باكستان من المعادن لا تتجاوز نسبة 0.1% من إجمالي الصادرات نحو العالم (شترستوك)

بلوشستان.. الثروات تُشعل الغضب بدلا من التنمية

ويمثل إقليم بلوشستان الغني بالمعادن -خاصة النحاس والذهب- نقطة التوتر الأخطر في هذا الملف، فقد ظل الإقليم لسنوات طويلة يشهد صراعات دامية بين السلطات الفدرالية والمجموعات الانفصالية، التي تتهم الحكومة بـ"سرقة" ثروات الإقليم وبيعها لشركات أجنبية، خاصة الصينية منها.

وفي هذا السياق، يقول د. محمد فيصل "حين نتحدث عن استخراج المعادن في مناطق متعددة، فإننا نتحدث أيضا عن خطر حقيقي يتمثل في تغذية النزعات الانفصالية، ما لم يتم التعامل مع الملف بحساسية شديدة".

ويؤكد أنه لا بد أولا من تعزيز القدرات الوطنية في الاستخراج والإدارة، قبل فتح الأبواب على مصراعيها أمام الاستثمارات الخارجية.

ويضيف فيصل "غالبا ما تظهر أزمة العدالة في توزيع العائدات، حين يُمنح الجزء الأكبر من الأرباح للشركات الأجنبية، بينما يشعر السكان المحليون بالتهميش والحرمان. وهذا يخلق بيئة خصبة للغضب والرفض الشعبي".

ويشدد على ضرورة ضمان التوزيع العادل للعائدات، وإشراك السكان المحليين في عمليات التخطيط واتخاذ القرار، بما يمنع تصاعد الغضب والانفصال.

ويحذر "إذا تم تجاهل هذه المطالب، فإن خطر النزعات الانفصالية سيبقى قائما وربما يتفاقم".

من جانبه، يرى الدكتور عثمان شوهان أن النزعات الانفصالية لن تتمدد بالضرورة إلى مناطق أخرى في البلاد، شريطة أن تلتزم الحكومة بالشفافية في توزيع الإيرادات، وأن تصل أرباح التعدين مباشرة إلى المواطنين العاديين.

فرصة نادرة في مهبّ الفوضى

تمتلك باكستان ثروة معدنية قادرة على قلب ميزان اقتصادها بالكامل، إذا ما أُحسن استغلالها. لكن الطريق إلى هذا الهدف ليس مفروشا بالذهب، بل تعترضه طبقات من التعقيد السياسي، والتحديات الأمنية، والعراقيل التنظيمية.

وبين الطموح الحكومي والإشارات الإيجابية من الخارج، تبقى الخطوة الحاسمة هي إصلاح الداخل: ترسيخ الشفافية، وتوحيد القوانين، وبناء البنية التحتية، وإشراك السكان المحليين. عندها فقط يمكن أن يتحول "الذهب المعلّق" إلى فرصة حقيقية للنهوض، بدلا من أن يبقى وقودا للغضب والانفصال، يقول مراقبون.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار