في ظل تصاعد الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة التي فجرها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، قررت الحكومة الصينية التوقف عن استيراد طائرات بوينغ الأميركية، وهو ما أثار قلقًا واسعًا في قطاع الطيران العالمي، بحسب ما نقلته وكالة بلومبيرغ عن مصادر مطلعة.
وأفادت الوكالة بأن السلطات الصينية أمرت شركات الطيران التابعة لها بعدم تسلّم أي شحنات إضافية من طائرات بوينغ، كما طلبت منها وقف شراء المعدات وقطع الغيار من الشركات الأميركية.
وتُعدّ شركة بوينغ من أعمدة الاقتصاد الأميركي، إذ تسهم بنحو 79 مليار دولار سنويًا، وتوفّر ما يقرب من 1.6 مليون وظيفة بشكل مباشر وغير مباشر.
وتوظف الشركة حوالي 150 ألف موظف أميركي، وفقًا لما نشرته شبكة "سي إن إن".
وعلى عكس شركات أخرى متعددة الجنسيات، تنتج بوينغ جميع طائراتها داخل الولايات المتحدة ، وتُصدّر قرابة ثلثي طائراتها إلى الخارج، ما يجعلها عرضة للتقلبات التجارية العالمية.
الصين، التي تُعد أكبر سوق عالمي للطائرات، تُشكل شريكًا رئيسيًا لبوينغ. وتقدّر الشركة أن شركات الطيران الصينية ستشتري حوالي 8830 طائرة جديدة خلال العقدين المقبلين، وأن أسطول الطيران التجاري الصيني سيتضاعف بحلول عام 2043، مدفوعًا بارتفاع الطلب على السفر الجوي للركاب والبضائع.
وبحسب تقرير بوينغ، سينمو أسطول الطائرات التجارية في الصين بمعدل 4.1% سنويًا، مقابل معدل عالمي يبلغ 4.7%. ومن المتوقع أن ترتفع حركة الركاب في الصين بنسبة 5.9% سنويًا، متجاوزة المتوسط العالمي.
وتشير توقعات إدارة التسويق في بوينغ إلى أن السوق الصيني سيشهد أكبر حركة تدفق جوي داخلي في العالم، ما يدفع إلى زيادة الطلب على الطائرات ذات الممر الواحد.
كما يتوقع أن تمتلك الصين أكبر أسطول من الطائرات عريضة البدن في العالم، بواقع 1.575 طائرة جديدة، إلى جانب مضاعفة أسطول طائرات الشحن 3 مرات تقريبًا، مدفوعًا بازدهار التجارة الإلكترونية.
وتتوقع بوينغ أن تحتاج شركات الطيران الصينية إلى خدمات بقيمة 780 مليار دولار لدعم الأسطول المتنامي، تشمل الصيانة، التحديثات، والحلول الرقمية. كما سيتطلب القطاع توظيف وتدريب نحو 430 ألف شخص في مجالات الطيران والصيانة والخدمات الجوية.
وفقًا لصحيفة الغارديان البريطانية، تراجعت أسهم بوينغ بنسبة 7% منذ بداية العام، وسط مخاوف من تأثير الرسوم الجمركية . وأشار مديرها المالي، برايان ويست، إلى أن هذه الإجراءات قد تؤثر على سلاسل الإمداد، وتُصعّب الحصول على الأجراء من الموردين.
كما عبّر مستثمرون عن قلقهم من عدم استثمار الشركة بما يكفي في مجال الهندسة. وبعد القرار الصيني، تراجعت الأسهم بنسبة 3% إضافية بسبب احتمال فقدان السوق الصينية، التي تمثل نحو 20% من الطلب المتوقع على طائرات بوينغ في العقدين المقبلين.
وصرّح مايكل أوليري، الرئيس التنفيذي لشركة "رايان إير"، لصحيفة فايننشال تايمز، بأن شركته قد تؤجل تسلّم 25 طائرة من طراز بوينغ 737 ماكس إذا ارتفعت الأسعار بسبب الرسوم. وأضاف أن الشركة لن تحتاج الطائرات قبل مارس/آذار أو أبريل/نيسان 2026، مفضلًا الانتظار إلى حين وضوح الصورة.
ولا تقتصر تداعيات القرار على الجانب الأميركي فقط. إذ حذّرت مجلة "إير ويز ماغ" من احتمال تأثر أسطول بوينغ الصيني، الذي يضم أكثر من 4200 طائرة، في حال استمرار انقطاع قطع الغيار الأميركية.
ومن بين أبرز التحديات:
ويحذر مراقبون من سيناريو شبيه بأزمة الطيران في روسيا عام 2022، حيث أدى نقص قطع الغيار إلى تعطّل 60% من الطائرات الغربية خلال أقل من عامين.
كما قد تؤثر هذه التوترات على خطط الصين لتوسيع إنتاج طائرتها المدنية "سي919" من خلال شركة "كوماك"، والتي تعتمد بشكل أساسي على محركات وأنظمة تشغيل أميركية. إذ تخطط الصين لإنتاج 50 طائرة سنويًا من هذا الطراز بحلول 2025.
وتفتح القيود الصينية بابًا واسعًا أمام المنافسين الإقليميين والدوليين. فبحسب تايمز أوف إنديا، يمكن لشركات الطيران الهندية مثل "إير إنديا إكسبرس" و"أكاسا" الاستفادة من الطائرات المخصصة سابقًا للصين، لا سيما طرازات "737 ماكس" و"787 دريملاينر".
يُذكر أن الهند واجهت صعوبة في الحصول على هذه الطائرات سابقًا، ولكن إعادة توجيهها بعد القرار الصيني قد تسهم في تخفيف الأزمة. ومن الجدير بالذكر أن "أكاسا" توظف عددًا من الطيارين يفوق حاجتها، ما يجعلها مستعدة لتسلّم طائرات إضافية.
أما شركة "إيرباص" الأوروبية، فهي على الأرجح المستفيد الأكبر من هذا التحول. ووفقًا لصحيفة تشاينا ديلي، تمتلك إيرباص حاليًا نصف حصة السوق الصينية، وتدير مصنع تجميع في مدينة تيانجين منذ عام 2008، وقد سلّمت حتى نهاية 2024 أكثر من 800 طائرة إلى الصين، من طرازات A320 وA330 وA350.
وأكد جورج شو، نائب الرئيس التنفيذي لإيرباص في الصين، أن السوق الصيني هو الأكبر بالنسبة للشركة عالميًا، وأن الطائرات الموجهة إلى الصين تمثل نحو 20% من إجمالي تسليمات الشركة السنوية.
وبينما تُشكل الخطوة الصينية ردًا سياسيًا واقتصاديًا مباشرًا، فإنها تفتح بابًا أمام تداعيات مزدوجة. بوينغ قد تخسر حصة ضخمة من السوق، بينما تواجه الصين تحديات في صيانة أسطولها وطموحاتها الصناعية.
ومع استفادة لاعبين مثل الهند وإيرباص، يبقى السؤال مفتوحًا: هل سيؤدي التصعيد إلى إعادة تشكيل خريطة الطيران المدني؟ أم أن كلفة العزلة التجارية ستُرغم الطرفين على التراجع قريبًا؟