آخر الأخبار

معرض علي شمس الدين في بيروت.. الأمل يشتبك مع العنف في حوار نازف

شارك

في مواجهة الخراب الذي تخلفه حروب المدن والمآسي التي تفتك بمواطنيها، يعلن الرسام اللبناني علي شمس الدين عن انتصار الضوء والأمل على السواد، من خلال معرضه الجديد "ضوء في ظل الخراب"، الذي افتتحه في قلب بيروت، في صالة العرض بمنطقة الجميزة، ترتفع لوحات فنية يتشح بعضها بلون أسود قاتم، لكنه لا يلبث أن يشتبك في حوار بصري عنيف مع ألوان وردية وزاهية، كأنه صراع بين اليأس والرجاء.

بدأ شمس الدين في رسم هذه اللوحات قبل عامين، لكن حرب غزة سرعان ما اقتحمت فضاء أعماله واحتلت بعض عناوينها، ثم تراكمت معها معاناة دول وشعوب أخرى، من لبنان إلى سوريا والسودان وفلسطين، يعترف الفنان بأن الحزن الشديد وفقدان الأمل كانا يطغيان على رسوماته سابقًا، والتي وصفها "بالكئيبة"، لكنه أصر هذه المرة على أن يضيف إليها "الأمل، على الرغم من اتساع المأساة والدم المسفوك والجحيم المفتوح على رؤوس الأحياء".

لا تميز ريشة شمس الدين بين جحيم وآخر، فالألم الإنساني واحد سواء كان في لبنان أو سوريا أو السودان أو فلسطين، "وفي القلب منها غزة"، كما يقول، ويضيف "مأساة غزة لا تحتاج إلى شرح، لكني أصرّيت على أن أقارب الموضوع من زاوية مختلفة".

في مقابلة مع "رويترز"، يرى شمس الدين أن العنف والألم والشر الكبير لا يمكن وصفه أو تجسيده بشكل مباشر في لوحات تعبيرية، لأن حقيقته أقسى وأصعب من أي قدرة على الوصف، لذلك، اختار الذهاب إلى "التفاصيل التي نلاحظها في عيون الناس وهم يتعرضون لهذا الألم والعنف، نلاحظ هناك الخوف، لكن نلمس أيضًا الإصرار على الاستمرار والبقاء، نعثر على أرواح مشتتة لكنها غير منكسرة تمامًا، نرى الأجساد المجروحة التي تعرضت لكل هذا العنف وما زالت تقف على قدميها، صحيح أن هناك أناسًا ماتوا، لكن هناك أناسًا لا يزالون واقفين، والأمل أجمل، ولن يستطيع العنف أن يدمر أحلام الناس".

إعلان

علي شمس الدين (69 عامًا)، هو ابن الجنوب اللبناني الذي عايش الحروب عن قرب، وهو فنان متعدد المواهب، حاز على جائزة معرض الشارقة الدولي للكتاب عام 1996، وجائزة الكتب المصورة من معهد اليونسكو الثقافي لشرق آسيا في اليابان عام 1994، وكما جاء في المنشور التعريفي للمعرض، فإن الفنان في هذه اللوحات "لا يقارب الشر كما هو في حقيقته، قاتم وقاتل وعنيف، بل هي محاولة الاقتراب بخجل واحترام من الذين يعبرون الحروب بأجسادهم الهشة وأرواحهم التي لم تنكسر".

ولدت بعض هذه اللوحات في بلدة الفنان "عربصاليم" بجنوب لبنان، عندما كانت الحرب قد دارت رحاها وعكس دخانها لونه على جدارياتها، يقول شمس الدين "كان القصف قريبًا منا، إلا أنني لم أعكس العنف، بل عكست الأمل، لم أرد للوحة أن تكون سوداوية، وهذا الأمر واضح، عندما ننظر إلى اللوحات من بعيد، نرى الألوان المريحة والجميلة، ولكن عندما نقترب، نرى هذه العلاقة الجدلية بين المأساة والفرح"، وإلى عمق هذه المأساة، تتسلل قطعة قماش تأخذ لون وشكل "الكوفية الفلسطينية" لتنضم إلى ثنائية المأساة والأمل معًا.

وقد توافد على المعرض عدد من رواد الفن والإعلام، وقال ماهر العطار، صاحب قاعة "آرت ديستركت" التي استضافت المعرض، إنه كان في حالة انبهار بلوحات شمس الدين لما فيها من رسالة تعالج العنف بالفرح، وأضاف "من خلال هذه المكعبات والمجسمات الملونة، يحاول شمس الدين أن يرسم هذه الرسالة التي تعنينا جميعًا، كلبنانيين وكشعوب عربية نعيش هذه المرحلة من الوجع، والتي يمكننا أن نقرأها بطريقة إيجابية".

وترى الصحفية حنان عيسى، وهي من أصول فلسطينية، أن ما لفتها في المعرض هو "علم فلسطين وكوفيتها، شاهدت الكوفية واضحة جدًا داخل اللوحة، من جهة، يمنحنا أملًا، ومن جهة أخرى هناك غصة كبيرة جدًا، وهكذا يدخل إلى أعماقك إحساس غريب".

وعلى أحد جدران المعرض، تبرز لوحة حملت عنوان "إذا سقطت يدك فالتقطها"، وهي عبارة من قصيدة للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، حيث تظهر معركة صاخبة يتداخل فيها اللون واليد والطيور ورغبة الولادة والبقاء.

وعلّق الشاعر ومقدم البرامج زاهي وهبي على اللوحات قائلاً "السواد والعنف والحرب والدمار ليس فقط في الأمكنة، فهناك دمار في الوجدان والضمير والإنسان، لكن معالجة الموضوع نراها هنا من خلال ألوان مبهجة ومفرحة، كأنها نافذة تقول إنه لا يجب أن نفقد الأمل، كأنه بصيص ضوء في آخر النفق".

وما استوقف النحاتة كارول أنجا هو قدرة الرسام على تجسيد فكرته بألوان تبدو للوهلة الأولى غير متجانسة، تقول: "لديه ألوان نظن أنه من غير المعقول أن تليق ببعضها البعض، لكنه لا أعرف كيف يركبها وكل شيء ينجح.،هكذا نرى أنه يعالج الموضوعات القاسية بهذه الطريقة الجاذبة حتى يتلقاها المرء ويفهمها أكثر".

ويشرح نجل الفنان، الصحفي آدم شمس الدين، كيف يجلس والده في جبل الرفيع بالجنوب، الذي يتعرض لغارات إسرائيلية باستمرار، ويرسم من عمق الأرض وهو على دراية كاملة بكل ما يحدث حوله، يقول آدم: "كنت أحس به حتى خلال تنفيذ اللوحة، بحسب الظرف والمحيط الذي كان يمر فيه. كنت أحس أن النمط يتغير، أي أن هناك ألوانًا تصبح طاغية على ألوان أخرى، كان هذا بالنسبة لي أكبر دليل على أنه يحول كل الغضب وكل الحب وكل ما يحيط به ويؤثر عليه من مشاعر إلى ترجمة لونية في لوحاته، ولهذا رفض الانسحاب من قريته وأراد أن يعيش الحرب كما يعيشها الآخرون".

إعلان

يستمر معرض "ضوء في ظلال الخراب" حتى الحادي عشر من أكتوبر/تشرين الأول المقبل، ليقدم ثورة لونية في مواجهة أزمات العصر، ونافذة أمل تطل من بين ركام الحروب.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار