تمكن فريق علمي دولي من رصد اللحظات الأولى لتشكل القلب البشري عبر تقنيات تصوير ثورية، كاشفين النقاب عن تفاصيل مذهلة تعيد كتابة فهمنا للتطور الجنيني.
وهذه اللقطات التاريخية تمثل طفرة في علم الأجنة قد تحدث تحولا جذريا في مواجهة العيوب الخلقية التي تطال قلوب الأطفال.
وعبر تقنية مجهرية فائقة الدقة تعتمد على شرائح الضوء ثلاثية الأبعاد، تابع باحثو جامعة كوليدج لندن الأجنة الفأرية خلال مرحلة "التخلق" (gastrulation)، تلك المرحلة الحرجة التي تبدأ فيها الخلايا غير المتمايزة في تشكيل طبقات الجنين الأولى.
Early coordination of cell migration and cardiac fate determination during mammalian gastrulation, revealed by light-sheet microscopy tracking of individual mesodermal cells #RefereedPreprint c/o @reviewcommons.org by @kenzoivanovitch.bsky.social and colleagues www.embopress.org/doi/full/10....
[image or embed]
وما أذهل العلماء هو ظهور الخلايا القلبية المتخصصة بعد ستة أيام فقط من التطور الجنيني للفأر (ما يعادل الأسابيع الأولى في الجنين البشري)، حيث بدأت هذه الخلايا فجأة في التمايز والتنظيم الذاتي بآلية تشبه فرقة موسيقية تعزف سيمفونية حياة دون قائد.
Researchers @uclpophealthsci.bsky.social and @crick.ac.uk, led by Dr @kenzoivanovitch.bsky.social & Shayma Abukar, have, for the first time, identified the origin of cardiac cells using 3D images of a heart forming in real-time, inside a living mouse embryo www.ucl.ac.uk/news/2025/ma...
[image or embed]
وباستخدام علامات فلورية متطورة، تحولت الخلايا العضلية القلبية إلى كائنات مضيئة تتحرك في رقصة كونية محسوبة. وكل نبضة انقسام، كل حركة مجهرية، وكل اتجاه اتخذته الخلايا، تم تسجيله بدقة متناهية عبر صور التقطت كل 120 ثانية على مدار 40 ساعة متواصلة.
واللافت أن الخلايا لم تكن تتحرك عشوائيا كما كان يعتقد سابقا، بل اتبعت مسارات محددة سلفا بحسب وظيفتها المستقبلية: خلايا البطينات (القلبية) سلكت مسارا مغايرا لخلايا الأذينات، وكأنها تسير وفق خريطة جينية غاية في الدقة.
وكان المشهد الأكثر إثارة عندما بدأت هذه الخلايا الذكية في تشكيل أنبوب أولي بدائي، وهو النواة الأولى لما سيصبح لاحقا العضو الأكثر تعقيدا في الجسد البشري. وهذا الأنبوب - الذي يشبه في بداياته دودة مضيئة - سرعان ما بدأ في التمايز إلى حجرات وجدران، في عملية بيولوجية محكمة تذكرنا بطي الورق الياباني (الأوريغامي) على مستوى مجهري.
ولطالما حيرت العيوب القلبية الخلقية - مثل الثقوب بين الحجرات أو التشوهات الصمامية - الأطباء لعقود، وهذه الدراسة تقدم الآن إجابة محتملة: الخلل قد يحدث في هذه المرحلة المبكرة جدا من التخلُق، عندما تفقد الخلايا "بوصلة اتجاهها" خلال رحلتها المنظمة.
ويقول الدكتور كينزو إيفانوفيتش، رئيس الفريق البحثي: "كنا نعتقد أن الخلايا تتحرك بعشوائية ثم تتمايز لاحقا، لكننا نكتشف الآن أن هناك برنامجا خلويا دقيقا يعمل منذ اللحظة الأولى، وأي خلل في هذا البرنامج قد يكون المسؤول عن العديد من التشوهات".
وبخلاف كشفها الأسرار الجنينية، تفتح هذه التقنية بابا أمام طب المستقبل. القدرة على مراقبة الخلايا القلبية بهذه الدقة تعني إمكانية محاكاة هذه العمليات في المختبر لزراعة أنسجة قلبية بشرية، أو حتى تصحيح المسار الخلوي للأجنة المعرضة للتشوهات. الباحثون يؤكدون أن هذه مجرد بداية، فالتقنية نفسها يمكن تطبيقها على أعضاء أخرى كالدماغ والكبد، ما قد يقود إلى ثورة شاملة في فهم التطور البشري.
المصدر: الغارديان