باتت أنقرة خلال العام 2025 تمتلك مصالح كبيرة في قطاع النفط الليبي، في وقت تتطلع أيضًا إلى موارد الغاز البحرية في شرق المتوسط.
وتعيد التطورات الأخيرة في المشهد الليبي تسليط الضوء على الدور المهيمن الذي لعبته إحدى الشركات التركية ما يُمكّن أنقرة من السيطرة على قطاع النفط الليبي. ويتعلق الأمر بشركة «بي جي أن» التي استحوذت على الحصة الأكبر من البترول وذلك استنادًا إلى تحقيقات إعلامية فرنسية وبريطانية.
ليبيا لا تمتلك القدرة على تكرير النفط
على الرغم من أن النفط الليبي يخضع نظريًا لسيطرة الدولة منذ سقوط نظام معمر القذافي في العام 2011، إلا أن البلاد لا تملك القدرة على تكرير الوقود.
وتعد ليبيا رابع أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، كما يشير موقع «أفريك»، حيث تُجبر على مقايضة نفطها الخام بالوقود المكرر. ونتيجة لذلك، يجري استيراد 70% من الديزل المستهلك في ليبيا عبر نظام تجاري أُنشئ في العام 2021، وفقًا لتحقيق أجرته جريدة «فايننشال تايمز» في وقت سابق من العام الجاري.
وبشكل ملموس، تصل التكلفة الإضافية لهذا النظام إلى ما يقارب مليار دولار سنويًا، أو 865 مليون يورو، كعمولات ورسوم مختلفة.
وتعتمد تجارة النفط غير المشروعة في ليبيا على شبكة معقدة تضم تشكيلات مسلحة وشركات خاصة ومهربين دوليين، وغالبًا ما يُستبدل النفط الخام بالوقود المكرر، الذي يُباع محليًا بأسعار مدعومة.
دور دور شركة «بي جي أن» التركية
وهنا يأتي دور شركة «بي جي أن»، وهي شركة بتروكيماوية تركية خاصة تعمل انطلاقًا من دبي وإسطنبول وجنيف. وتعتمد في عملياتها على هياكل معقدة تشمل شركات وهمية وحسابات سويسرية، وفي غضون خمس سنوات فقط، أصبحت وسيطًا أساسيًا في تجارة النفط الليبي، حيث تدير ملايين براميل النفط يوميًا كما كشف موقع «كوريي أنترناسيونال» الفرنسي في وقت سابق.
- «بوليتيكس توداي»: القمة الليبية - التركية- الإيطالية إشارة لتوازن جديد في «شرق المتوسط»
- جريدة تركية: هكذا تسعى أنقرة للموازنة بين شرق وغرب ليبيا
- «كاثمريني» تتحدث عن «تحركات خلف الكواليس» بشأن ترسيم الحدود في شرق المتوسط
- عبدالصادق يبحث توسيع التعاون بين ليبيا وتركيا في مجالات النفط والغاز
ومن المفارقات أن الشركة التركية تمكنت من العمل في ليبيا المنقسمة، حيث كانت على اتصال بكل من الحكومة المعترف بها في طرابلس والسلطات في الشرق.
على الرغم من أن المصرف المركزي صرّح في بيان صحفي، بأنه يعمل «بالامتثال التام لجميع اللوائح المنظمة لتجارة النفط في ليبيا»، إلا أن النائب العام أمر مع ذلك بالوقف الفوري لنظام المقايضة في يناير 2025 بهدف وضع حد لهذا النهب للثروة من قبل هذه الشبكة من الوسطاء الذين يستفيدون من الفوضى.
وجرى توجيه انتقادات لهذه الشركة لتورطها في تمويل هاتين الحكومتين المتنافستين عن طريق تحويل أموال من صفقات النفط، وفقًا لتحقيق أجرته جريدة «فايننشال تايمز».
الطموحات التركية في ليبيا
والآن، تتجاوز الطموحات التركية في ليبيا النفط والعلاقات الثنائية مع حكومة الوحدة، فقد أصبحت ليبيا «منصة لطموحات أنقرة في شرق المتوسط»، كما يشير موقع «ميدل إيست مونيتور».
وفي نوفمبر 2019، وقّعت تركيا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع حكومة الوفاق الوطني آنذاك في طرابلس، متجاهلةً بذلك المطالبات اليونانية بمناطق اقتصادية خالصة واسعة.
تسمح هذه الاتفاقية الثنائية للرئيس رجب طيب إردوغان، بـ«إقامة وجود دبلوماسي وقانوني وعسكري في جميع أنحاء المنطقة»، وقد تمكنت تركيا من بناء قاعدة نفوذ سياسي في ليبيا. وفي ظل سعي تركيا واليونان لتأكيد حقوقهما وسيادتهما على موارد الغاز في شرق المتوسط، تُقدّم هذه الاتفاقية ميزة كبيرة لأنقرة.
وانطلاقًا من موطئ قدم لها في الأراضي الليبية، تعتزم تركيا تحقيق ميزة في المعركة القادمة للسيطرة على حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط.
العامل المحفز لمشروع تركيا في ليبيا
ولطالما نظرت تركيا إلى ليبيا كعامل محفز لمشروعها «الوطن الأزرق»، وهو مشروع يهدف إلى ضمان سيادتها على مساحات شاسعة من البحر الأبيض المتوسط وما يترتب على ذلك من فوائد مالية وجيوسياسية وأمنية. وبالنظر إلى طموحات اليونان الموازية - وتاريخها المتوتر مع تركيا - فإن الأخيرة تعد الخصم الطبيعي لهذه السياسة، كما يرى محللون.
لم تصادق الحكومة التركية أيضًا على اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار للعام 1982. بل إنها تعتقد، أن القانون البحري «ينبغي أن يعطي الأولوية لحقوق الأراضي القارية على حقوق الجزر». ويصب هذا الرأي في مصلحتها؛ إذ تمتلك تركيا 7200 كيلومتر من السواحل المتصلة، ما يمنحها أطول منفذ إلى شرق البحر الأبيض المتوسط.
المصدر:
بوابة الوسط
مصدر الصورة