القدس المحتلة- أثار إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الاعتراف بإقليم أرض الصومال الانفصالي دولة مستقلة، عاصفة من الجدل الإقليمي والدولي، وأسئلة تتعلق بالجدوى والكلفة، وفيما إذا كانت هذه "المقامرة" السياسية ستُعزز نفوذ إسرائيل فعلا أم ستفتح عليها جبهة بلا غطاء سياسي أو أمني؟
وما قامت به تل أبيب يأتي ضمن سعيها لتوسيع حضورها الإستراتيجي في القرن الأفريقي، وهي منطقة تُعد من أكثر المساحات الجيوسياسية حساسية في العالم، لارتباطها المباشر بممرات الشحن البحرية الحيوية، وعلى رأسها باب المندب.
بالنسبة لإسرائيل أيضا، لا ينفصل هذا المسعى عن هواجس الأمن البحري، ولا عن الرغبة في مراقبة طرق التجارة والطاقة، وخلق نقاط ارتكاز قريبة من البحر الأحمر والقرن الأفريقي في مواجهة خصومها الإقليميين.
وتنظر إسرائيل إلى أرض الصومال بوصفها بوابة محتملة لتعزيز نفوذها البحري والاستخباراتي، وإقامة شراكات أمنية واقتصادية خارج الأطر التقليدية.
كما تراهن على استثمار الفراغات السياسية بمناطق النزاعات، مستفيدة من ضعف الدولة المركزية في الصومال كما يعتقد المحللون، ومن تعقيدات المشهد الإقليمي، لنسج تحالفات هامشية تمنحها موطئ قدم إضافيا على خطوط الملاحة الدولية.
غير أن هذه الأهداف تصطدم بواقع سياسي صلب، فأرض الصومال كيان غير معترف به دوليا، وأي اعتراف أحادي به يعد تحديا مباشرا لمبدأ سيادة الدول ووحدة أراضيها. وهو ما يُفسّر موجة الرفض التي صدرت عن قوى إقليمية وازنة مثل تركيا ومصر والسعودية وقطر، التي ترى في الخطوة تهديدا للاستقرار الإقليمي ولمعادلات النفوذ القائمة في المنطقة.
والأخطر بالنسبة لإسرائيل أن هذه الخطوة لم تحظَ بغطاء دولي، بل بدت معزولة حتى عن أقرب حلفائها؛ فالموقف الأميركي، الذي يدعم تقليديا وحدة الصومال وإدارة التوازنات الحسّاسة في القرن الأفريقي، لم يظهر أية حماسة أو دعم للاعتراف الإسرائيلي.
وغياب التأييد الأميركي يحرم تل أبيب من مظلة سياسية حاسمة، ويحوّل الخطوة إلى عبء دبلوماسي بدل أن تكون ورقة قوة، كما يرى المراقبون في إسرائيل.
ولذا، تبدو إسرائيل كمن يغامر خارج الإجماع الدولي، في لحظة تتزايد فيها حساسية مسائل الملاحة والأمن البحري، وتتقاطع فيها مصالح قوى دولية كبرى. وهو ما يطرح سؤال الكلفة: هل تستطيع تل أبيب تحمُّل تبعات توتر علاقاتها مع دول إقليمية محورية، مقابل مكسب غير مضمون في كيان هش ومتنازع عليه؟
ويبدو الرهان الإسرائيلي في أرض الصومال -حتى الآن- محدود الجدوى وعالي الكلفة. وبدل أن يُعزز نفوذ إسرائيل، قد يفتح عليها مسارات صدام سياسي وربما أمني، ويضعها في مواجهة غير مباشرة مع قوى إقليمية تملك أدوات ضغط أكبر ونفوذا أعمق في المنطقة.
ويحذّر محللون إسرائيليون من أن أي وجود إسرائيلي في هذا الفضاء قد يتحوّل إلى هدف في بيئة مضطربة، دون ضمانات حماية أو دعم دولي فعلي.
وترجح المؤشرات الحالية، بحسب التحليلات الإسرائيلية، أن حكومة نتنياهو دخلت في رهان سياسي محفوف بالمخاطر، قد يمنح تل أبيب حضورا شكليا، لكنه يُحمّلها كلفة إستراتيجية أكبر من أي مكسب محتمل، ويُكرّس عزلتها بدلا من توسيع نفوذها.
ويعكس الاعتراف بأرض الصومال، وفق محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "هآرتس"، تسفي بارئيل، محاولة إسرائيل إنشاء محور مصالح وتعزيز نفوذها الاقتصادي والسياسي في القرن الأفريقي، لكنه بالمقابل يشكل تحديا للدول الإقليمية الكبرى التي ترى بهذه الخطوة تهديدا لموازين القوى التقليدية.
ووفق المحلل، تأتي خطوة إسرائيل رغم المخاطر الأمنية المترتبة على ذلك، خاصة في ظل تحذيرات جماعة أنصار الله ( الحوثيين) من اعتبار أي وجود إسرائيلي في الإقليم "هدفا عسكريا".
كما أن إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، رفضه الاعتراف بالإقليم، يضع إسرائيل، كما يرى بارئيل، في موقف دولي معزول، ويثير تساؤلات حول جدوى الخطوة على الأمد الطويل، رغم المخاطر المحتملة لفتح جبهة توتر جديدة في منطقة حساسة إستراتيجيا.
ويربط بارئيل هذا الاعتراف بمحاولات تل أبيب إعادة رسم خرائط النفوذ في القرن الأفريقي، لضمان وصولها إلى ممرات الشحن البحري والتحكم في نقاط إستراتيجية مهمة، لكنه يُحذّر من أن الخطوة قد تتحول إلى مقامرة سياسية وأمنية محفوفة بالمخاطر، وقد تزيد حدة التوترات الإقليمية، وتعيد المنطقة إلى دائرة الصراعات التقليدية بين القوى الكبرى والإقليمية.
من ناحيته، يرى الخبير في السياسة الدولية، شاي غال، أن الموقف الأميركي من اعتراف إسرائيل بأرض الصومال يعكس مقاربة ترامب للسياسة الخارجية، حيث لم تكن واشنطن منخرطة أو مستشارة في الخطوة، لأن السياسة الخارجية لديه تقوم على حسابات المنفعة المباشرة لا على المبادئ أو الالتزامات الطويلة الأمد.
وكتب شاي غال في موقع "والا" أن استثنائية الخطوة الإسرائيلية تكمن في خروجها عن قواعد التنسيق التقليدية، حيث تحرَّكت تل أبيب دون غطاء أميركي أو مراسم دبلوماسية، وحتى بلا موافقة مسبقة من حليفها الأهم، وهو ما يضاعف كلفتها؛ فالقيم في السياسة الخارجية -كما يؤكد- ليست شعارات بل أثمان تدفع عند كسر القواعد.
كما أن هذا المسار يصطدم بعزلة دولية واضحة، فغياب الاعتراف الأميركي ورفض واشنطن الانخراط في الخطوة يضعان إسرائيل في موقع منفرد ويجعلان الرهان عالي المخاطر، إذ إن الدبلوماسية الدولية -يقول غال- "غالبا ما تكافئ الوهم وتعاقب الواقع وتُبقي الفاعلين رهائن لتوازنات أكبر منهم".
وفي مشهد إقليمي شديد التعقيد، تقع أرض الصومال بين نفوذين: إيراني يتمثّل بجماعة أنصار الله في اليمن، وتركي متصاعد في الصومال، "مما يدفع إسرائيل لرؤية هذا الإقليم "أرض الصومال" كآخر شريط ساحلي لم يخضع بعد لقوة إقليمية كبرى".
لكن يبقى السؤال الحاسم: هل يكفي ذلك لجعل الرهان قابلا للحياة؟ يقول غال.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة
مصدر الصورة