القاهرة – بعد أن ارتبط الذهب لعقود بالزينة والادخار التقليدي عبر محال الصاغة، يشهد السوق المصري تحولا غير مسبوق في النظر إلى المعدن الأصفر من سلعة للزينة إلى أداة استثمار وتأمين معترف بها رسميًا.
ففي خطوة تُعد الأولى من نوعها في مصر ، قررت الهيئة العامة للرقابة المالية السماح لشركات تأمينات الأشخاص وتكوين الأموال بتمكين عملائها من الاستثمار المباشر في المعادن النفيسة، وعلى رأسها الذهب.
هذا القرار يفتح الباب أمام عهد جديد من المنتجات المالية المربوطة بالذهب، ويثير تساؤلات حول ما إذا كانت مصر تتجه نحو إدماج المعدن النفيس في منظومة الاستثمار والادخار المؤسسي، في ظل بحث المواطنين والمستثمرين عن أدوات تحفظ القيمة في مواجهة التضخم وتذبذب العملة، وتجمع بين الأمان التأميني والعائد الاستثماري.
وبحسب بيان الهيئة العامة للرقابة المالية، يأتي القرار رقم 228 لسنة 2025 ضمن خطة الهيئة لتنويع محافظ استثمارات شركات التأمين، ويمثل نقلة إستراتيجية في تطوير أدوات الادخار والاستثمار في السوق المصري. كما يفتح آفاقًا جديدة أمام قطاع التأمين لتعظيم عوائد حملة الوثائق، في ظل إطار رقابي صارم يضمن الشفافية وحماية حقوق العملاء.
واعتبرت رانيا يعقوب، عضو مجلس إدارة البورصة المصرية وعضو اللجنة الاستشارية لسوق المال بهيئة الرقابة المالية سابقًا، أن قرار الهيئة العامة للرقابة المالية السماح لشركات تأمينات الأشخاص بالاستثمار المباشر في الذهب لأول مرة، يمثل خطوة مهمة نحو تنويع الاستثمار، ويعكس التوجه العالمي الجديد في ظل المتغيرات الاقتصادية الراهنة.
وقالت رانيا يعقوب في حديث للجزيرة نت إن الذهب ما زال يحتفظ بمكانته كملاذ آمن يلجأ إليه المستثمرون حول العالم، موضحة أن أغلب المستثمرين في صناديق الذهب يسعون للتحوط من التقلبات الجيوسياسية وتذبذب أسعار العملات وارتفاع معدلات التضخم، ومن ثمّ كان من الطبيعي أن تتيح الهيئة لصناديق التأمين خيار الدخول في استثمارات الذهب.
وأضافت أن فكرة صناديق الذهب من أبرز الآليات التي سمحت بها هيئة الرقابة المالية خلال الفترة الأخيرة، ونجحت في جذب شرائح واسعة من الأفراد والشركات، مشيرة إلى أن دخول صناديق التأمين والمعاشات إلى هذا المجال سيسهم في تعزيز عوائدها وزيادة درجة الأمان فيها، مع توقعها أن يكون الاستثمار في الذهب بنسب محدودة ومدروسة.
ووصفت يعقوب القرار بأنه يعكس تحولًا في فلسفة الادخار داخل السوق المصري، إذ لم يعد الذهب مجرد سلعة للزينة أو وسيلة ادخار فردية، بل أصبح أداة استثمارية مؤسسية مدعومة بقرارات تنظيمية ورقابية، في ظل سعي المؤسسات إلى تنويع أدواتها الاستثمارية والبحث عن ملاذات أكثر استقرارًا.
واستبعدت خبيرة أسواق المال أن يؤدي دخول صناديق التأمين إلى الاستثمار في الذهب إلى التأثير على الاتجاه العام نحو أدوات الدين المحلية مثل السندات وأذون الخزانة، موضحة أن البنوك والمؤسسات المالية تبقى المستثمر الأكبر في هذه الأدوات، بينما يفضل الأفراد والمؤسسات المتوسطة الاستثمار في الذهب، ضمن توجه أوسع نحو تنويع المحافظ الاستثمارية.
وتضمّن قرار الهيئة العامة للرقابة المالية ضوابط لتنظيم استثمار شركات التأمين في المعادن النفيسة، ومن أبرز هذه الضوابط:
وعلق رئيس شعبة الذهب باتحاد الغرف التجارية هاني ميلاد، على الخطوة غير المسبوقة، واصفًا إياها بأنها وعاء استثماري جديد يستهدف شريحة معينة من الأفراد والشركات القادرة على الاستفادة من تنويع أدوات الاستثمار في الصناديق، مشيرًا إلى أنها قد تناسب بعض المستثمرين ولا تناسب آخرين. وأوضح أن المستهلك التقليدي يظل من يلجأ إلى تاجر الذهب ويرغب في الاحتفاظ بالمعدن بشكل عيني.
وقال ميلاد في حديثه لـ"الجزيرة نت" إن صناديق الاستثمار في الذهب قد تكون مفيدة للشركات التي تمتلك ملاءة مالية وترغب في الحفاظ على قيمة أصولها بالذهب، إلى جانب أدوات استثمارية أخرى، مشيرًا إلى أن هناك رسومًا إضافية مرتبطة بإدارة وحفظ الاستثمار في الصناديق، مما قد يجعلها أقل جاذبية للمستثمرين الأفراد التقليديين.
وأضاف ميلاد أنه من غير المتوقع أن تؤثر صناديق الاستثمار على النشاط التقليدي لمحلات الصاغة، موضحًا أن السوق واسع بما يكفي لاستيعاب جميع أنواع المستثمرين، ودليل ذلك ارتفاع الطلب على السبائك والمشغولات الذهبية.
أظهرت بيانات مجلس الذهب العالمي للربع الثالث من عام 2025 أن إجمالي مشتريات المصريين من الذهب، (حلي وسبائك)، بلغ 9.9 أطنان. إذ بلغت مشتريات السبائك والعملات الذهبية 5.5 أطنان، مقابل 4.4 أطنان فقط من المشغولات الذهبية.
ويؤكد ذلك تحول الطلب المحلي من الزينة إلى الملاذ الآمن والادخار، في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
واختتم رئيس شعبة الذهب حديثه بالقول بأن الدافع الرئيسي وراء هذه التغيرات هو ضعف الثقة في الأوراق النقدية عالميًا، وعلى رأسها الدولار، والبحث عن بدائل في الشرق، متوقعًا أن يظل الذهب الملاذ الأكثر أمانًا، مع احتمال وصول سعره إلى نحو 5 آلاف دولار العام المقبل.
أسهم ارتفاع سعر الذهب عالميًا بشكل كبير في تعزيز احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي المصري، الذي سجل بنهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي مستوى قياسيًا بلغ 50.07 مليار دولار، وهو الأعلى في تاريخ البنك.
وجاءت هذه القفزة مدفوعة بزيادة حيازات الذهب لدى المركزي، مما رفع قيمة المعدن النفيس بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية العام، مساهما بشكل مباشر في تعزيز القوة المالية للاحتياطي النقدي ومواجهة التحديات الاقتصادية.
المصدر:
الجزيرة
مصدر الصورة