آخر الأخبار

ماذا استفاد بوتين اقتصاديا من زيارته للصين؟

شارك

موسكو – رغم أن الطابع السياسي غلّف زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة إلى بكين ومباحثاته مع نظيره الصيني شي جين بينغ ، فإن الجانب الاقتصادي كان حاضرا بقوة في الجلسات غير الرسمية بين الزعيمين.

فقد خُصصت مساحة واسعة لقضايا التجارة والطاقة والاستثمار والنقل، في ظل إدراك الطرفين أن الاقتصاد أصبح محورا أساسيا للعلاقات الثنائية.

ويعود الاهتمام بهذا البعد إلى أن حجم التبادل التجاري بين موسكو وبكين بلغ ذروته التاريخية عام 2024، لكنه شهد تراجعا خلال العام الحالي، ما جعل البحث عن آليات جديدة لتعزيز التبادل أمرا ملحا بالنسبة إلى الجانبين.

العقوبات الغربية وظلالها

زيارة بوتين حملت أيضا بعدا اقتصاديا واضحا يرتبط بتداعيات العقوبات الغربية على موسكو، فالغرب جمد نحو 300 مليار دولار من احتياطيات روسيا من الذهب والعملات الأجنبية، وفصل البنوك الروسية عن نظام التحويلات المالية العالمي ( سويفت )، وفرض قيودا على التقنيات الغربية.

مصدر الصورة الحروب التجارية الأميركية الصينية زادت من أهمية روسيا كسوق للمنتجات الصينية (رويترز)

وفي هذا السياق، بدت الصين بمثابة "طوق النجاة" الذي مكّن الاقتصاد الروسي من الاستمرار في تمويل متطلبات الحرب في أوكرانيا.

وتزداد أهمية هذا الدور مع اتهامات غربية لعدد من الشركات الصينية المرتبطة بالحكومة بأنها تزود روسيا بمعادن إستراتيجية مثل الغاليوم والغرمانيوم والأنتيمون، وهي ضرورية في صناعات حساسة كالمسيّرات والصواريخ.

وتبرز هذه المزاعم في لحظة يسعى فيها الكرملين لتعويض خسائره من القيود الغربية عبر شراكات بديلة.

أرقام وتحديات التجارة

ويرى الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون أن الهدف الأبرز من زيارة بوتين كان معالجة التحديات التي تواجه تكامل الاقتصادين الروسي والصيني في ظل العقوبات .

ويشير في حديثه للجزيرة نت إلى أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ عام 2025 نحو 235 مليار دولار، لكنه تراجع خلال الأشهر السبعة الأولى بنسبة 8% مقارنة بالعام الماضي.

إعلان

ويعزو هذا التراجع إلى عدة عوامل، من بينها انخفاض أسعار الطاقة عالميا بنسبة تراوحت بين 10% و15%، إضافة إلى ارتفاع قيمة الروبل مقابل اليوان بنحو 17%، وبالمقارنة مع الدولار بنسبة 21%.

ورغم هذه العقبات، يؤكد لاشون أن التعامل بالعملات الوطنية بين البلدين وصل إلى أكثر من 90% من المبادلات، وهو تطور نوعي يحدّ من أثر العقوبات الغربية.

آفاق النمو واستعادة الزخم

ويضيف لاشون أن اللقاءات التي أجراها بوتين في بكين قد تمنح العلاقات التجارية دفعة جديدة، مشيرا إلى أن حجم التبادل قد يعود إلى مسار النمو بحلول نهاية العام الحالي، إذا استعاد قطاعا التصدير والاستيراد نشاطهما، وأعيد تقييم أسعار الصرف بين الروبل من جهة والدولار واليوان من جهة أخرى.

هذه التوقعات تكتسب أهمية خاصة بالنسبة للصين، التي تعاني بدورها من ضغوط الحرب التجارية مع الولايات المتحدة وتراجع تبادلاتها مع واشنطن. وهنا يبدو تقارب موسكو وبكين بمثابة تعويض إستراتيجي لكلا الطرفين.

مصالح متبادلة في عالم متغير

يوضح الخبير الاقتصادي فياتشيسلاف بريكودين أن الحروب التجارية الأميركية الصينية دفعت بكين إلى البحث عن أسواق بديلة، على رأسها روسيا، إلى جانب دول البريكس والهند وأفريقيا.

مصدر الصورة الصين أصبحت أكبر مشترٍ للطاقة الروسية رغم الضغوط الغربية (الفرنسية)

ويشير في تصريحاته للجزيرة نت إلى أن النزاع التجاري بين الصين والولايات المتحدة خفض حجم التبادل بينهما إلى أدنى مستوى خلال 19 عاما، إذ تراجعت الواردات الأميركية من الصين بنحو 36%.

هذا الانخفاض زاد من أهمية روسيا كسوق واعدة للمنتجات الصينية، بينما استفادت موسكو من كون بكين أكبر مشترٍ للطاقة الروسية في ظل مقاطعة غربية متصاعدة.

وهكذا تحولت الصين إلى شريان حياة أساسي للاقتصاد الروسي، ليس فقط عبر شراء النفط والغاز، بل أيضا عبر توريد المعدات والتقنيات الحيوية التي لم تعد متاحة من الغرب.

اتفاقيات ورسائل ختامية

وخلال زيارة بوتين لبكين، وُقعت اتفاقيات لتوريد الغاز بكميات تقارب ما كانت روسيا تصدره إلى أوروبا في السابق، في إشارة واضحة إلى إعادة توجيه مسارات الطاقة نحو الشرق.

وبذلك، يكتسب الخطاب الروسي بأن "موسكو ليست معزولة" بعدا عمليا، في حين يرى محللون أن الغرب هو الذي قد يجد نفسه معزولا إذا استمرت المواجهة الاقتصادية على هذا النحو.

ويخلص بريكودين إلى أن روسيا، من خلال شراكتها مع الصين وفي ظل العالم الجديد متعدد الأقطاب، لم تعد مجرد طرف يسعى لتجاوز العقوبات، بل دولة تبحث عن صياغة مصالحها الخاصة بفاعلية أكبر مما كان قبل الحرب في أوكرانيا.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار