آخر الأخبار

درويش والشعر العربي ما بعد الرحيل

شارك

في حضوره شكل ظاهرة شعرية شعبية، تزحف الجماهير لحضور أمسياته و"تتسابق لملء مدرجات ملاعب كرة القدم لسماع شعره"، وفي غيابه ما زال الشاعر الفلسطيني محمود درويش، شعره وأثره الباقي، عنوانا حاضرا ودائما في فعاليات ثقافية عربية ترصد وتعاين وتدرس المشهد الشعري العربي.

"الشعر العربي بعد محمود درويش" كان عنوان ندوة أقيمت ضمن فعاليات معرض الكتاب الدولي، في العاصمة الأردنية عمّان، والعنوان وإن جاء إشكاليا من جهة أنه يحيل إلى قراءة الشعر العربي وحاله ما قبل وأثناء تجربة درويش الشعرية، إلا أنه يبدو مبررا للإجابة عن أسئلة رأت فيها الأكاديمية والناقدة د. امتنان الصمادي أنها ملحة ومشروعة للوقوف على الخطاب الشعري لشاعر "حجز مقعده نحو الكونية".

الأسئلة التي طرحتها الندوة: ماذا خسر الشعر العربي برحيل محمود درويش؟ وهل استطاع الشعراء العرب بعده تقديم شعر معبر عن تطلعات الشعوب العربية وتحديدا الفلسطينية؟ أم ما زالوا أسرى التأثر به؟ وأين يقع الخطاب الشعري الدرويشي في خريطة الخطاب الشعري التخييلي؟

ولدى الصمادي فإن "درويش أدمن التفوق على نفسه، فهو يريد فنا متطورا يخاطب الأغوار العميقة في النفوس ويبقى أثره في الوجدان، وكان دائما حريصا على أن يجمع بين هذا الفن المتطور والانتشار الجماهيري الواسع".

مصدر الصورة الأكاديمية والناقدة الدكتورة امتنان الصمادي تتوسط الجلوس خلال الندوة (الجزيرة)

ربح وخسارة

اختار الناقد صبحي حديدي في ورقته أن يحصي الربح والخسارة بعد درويش، فرأى أننا "فقدنا الشاعر الذي احتل مكانة مميزة على مستوى تحدي الذائقة الجمالية، إضافة إلى أنه شكل حالة شعبوية جماهيرية".

على أن الجماهيرية التي أشار إليها صاحب "مستقر محمود درويش: الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ"، ولفت إليها في الكتاب ذاته بأنها "مفهوم غائم الدلالة وعائم البرهان"، فإنه يميل ويرجح مفهوم الذائقة الجمالية.

إعلان

جماهير "درويش" التي عاينها حديدي في أمسيات كثيرة، وشهدت العلاقة بينها وبينه حال "عناد"، كانت تقبل على جديده الصعب وغير المألوف لديها، وترحب به وتتذوقه.

وهي الجماهير ذاتها التي "كرسته شاعرا كبيرا ومعلما، ولكنها ألزمته بأن يكون أكثر بكثير من هذا: من زاوية احتفاء أولى، الشاعر الذي عليه أن يرى وينبه ويجمع (في ضوء انحسار موقع الشاعر في الوجدان الجمعي)، وهو من زاوية احتفاء ثانية شاعر قصيدة تحفظ كرامة الشعر العربي (مقابل نكوص معظم الشعر واعتلال علاقته بالناس)".

ويلفت حديدي إلى إصرار "محمود درويش على أن يستقل جماليا ويتحدى الذائقة الجمعية من حوله، ولم يكن ذلك بدافع من الغطرسة والتكبر، وإنما كان ضمن إطار برنامج جمالي كان يطوره".

مصدر الصورة الناقد صبحي حديدي (الجزيرة)

الشاعر النجم

يرى صاحب كتاب "تعقيبات على الاستشراق" أن "كثيرا من المجتمعات عرفت مفهوم الشاعر النجم الذي يصل إلى مستوى عراف الثقافة وجمالياتها، وقد يرقى إلى مستوى النبي، ليس بالمعنى الديني بل بالمعنى الاستبصاري"، مضيفا "أننا خسرنا كثيرا برحيل شاعر مزج بين الحس الملحمي والوجودي مع حضور للفردانية"، مشيرا إلى أن درويش احتل هذه المكانة.

بالمقابل، أشار إلى أنه مع خسارة درويش إلا "أننا ربحنا مشاريع شعرية عديدة تحاول أن تقارب التاريخي والملحمي بعد أن كانت مغلقة، وربحنا شعراء جددا في تجسير هذه الهوة".

ويلفت إلى أن درويش سعى إلى جسر الهوة الفعلية أو المصطنعة بين قصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، إذ أدرك أن قصيدة النثر العربية بدأت تستقر على نحو من الخصائص الجمالية وحق الوجود، وفي أواخر مجموعاته مزج في التعبير بقصيدة مكتوبة بالتفعيلة وأخرى خاطرة نثرية.

وعرج صاحب "زوال لا يزول" على خصوصية القصيدة الغنائية لدى درويش، الذي كان أحد كبارها، لافتا إلى أن قصيدته ملحمية وتستقبل في فرنسا وإنجلترا وإسبانيا.

مصدر الصورة الناقد "فخري صالح" (الجزيرة)

فخري صالح.. تفكيك العنوان

وأشار الناقد فخري صالح إلى ضرورة تفكيك عنوان الندوة الذي يفترض أن الشعر العربي قبل محمود درويش كان شيئا، وأصبح شيئا آخر بعده.

وتابع أن العنوان يفترض، إذا أولناه على نحو آخر، أن الشعر العربي بعد رحيل درويش أصبح شيئا آخر، وفقد بعضا من زخمه وطاقته. ونبه إلى أن هذه الافتراضات تمتلك بعضا من الوجاهة والمعقولية، لكنها تغفل، في الوقت نفسه، حقيقة أن محمود درويش كان له سابقون ومجايلون وكذلك لاحقون، سواء في الجناح الفلسطيني من الحركة الشعرية العربية أو في الشعر العربي عامة.

وأشار صالح، الذي تابع التجربة الشعرية لدرويش ووضع دراسة مركزية جعلها مقدمة لمختارات من شعره، إلى أن الحديث عن الشعر العربي بعد محمود درويش يكتنفه الكثير من المصاعب المنطقية والمعرفية والزمنية التاريخية.

وأوضح أنه لولا التأثيرات ممن سبق درويش أو من جايله من شعراء، وإطلالته على الشعر والثقافة العالمية التي انسربت في وعيه الشعري، ومارست حضورها في عدد كبير من قصائده، خصوصا في مرحلة ما قبل خروجه من فلسطين عام 1971، ما كان لشاعريته أن تتطور وتصل إلى ما وصلت إليه.

ولفت إلى أن التأثيرات المتبادلة لشعراء من أجيال مختلفة يكتبون في الوقت نفسه، تجعل من محمود درويش اسما من بين أسماء عديدة مثلت، بطرق وصيغ مختلفة، تطور حركة الشعر العربي المعاصر، وفتحت له آفاقا أوسع.

إعلان

ويرفض صاحب "تحت سماء رمادية" "كل الالتباسات، والأحكام السريعة الجاهزة، وربما اللئيمة، التي تحاول ربط أهمية شعر درويش بجماهيريته، وكون الشاعر، وبلا منازع، ناطقا شعريا باسم فلسطين".

ولدى صاحب "دفاعا عن إدوارد سعيد" فإن شعر درويش يمثل مجرى واسعا، متنوعا، شديد الغنى، في نهر الشعر العربي الممتد من امرئ القيس وطرفة بن العبد وأبي تمام والمتنبي وصولا إلى شعراء قصيدة النثر.

ويخلص إلى أنه "يمكن النظر إلى محمود درويش لا بوصفه انقطاعا، بل كامتداد لميراث واسع عريض، شديد الغنى ووافر التجارب؛ كشرفة مفتوحة لتطوير الشعريات العربية، ومن ضمنها الفلسطينية، لا بوصفه عقبة وجدارا".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار