تبدو فكرة الشركة التي يديرها شخص واحد ويعمل فيها الذكاء الاصطناعي بدل الموظفين البشر وكأنها مستقبل العمل الحتمي، لكن تجربة حديثة أظهرت أن الواقع أكثر تعقيداً بكثير مما تروج له وادي السيليكون.
الصحفي الأميركي إيفان راتليف قرر اختبار الفكرة عملياً، عبر إطلاق شركة ناشئة باسم HurumoAI، تعتمد بالكامل على موظفين من وكلاء الذكاء الاصطناعي، مع استثناء المؤسس نفسه.
ومن خلال منصات المساعدات الذكية، منح راتليف كل وكيل عنوان بريد إلكتروني خاصاً، وحساباً على "سلاك"، وحتى رقم هاتف، بحسب تقرير نشره موقع "gizmochina" واطلعت عليه "العربية Business".
في البداية، بدت النتائج واعدة، تمكن الموظفون الافتراضيون من كتابة أكواد برمجية، وإنشاء جداول بيانات، والمساعدة في تطوير تطبيق صغير جذب آلاف المستخدمين في مراحله الأولى.
لكن مع مرور الوقت، بدأت المشكلات بالظهور، اكتشف راتليف سريعاً أن وكلاء الذكاء الاصطناعي يفتقرون إلى أبسط قواعد الانضباط والمنطق البشري.
سؤال عابر مثل: كيف كان عطلة نهاية الأسبوع؟ كان كفيلاً بإطلاق سيل لا يتوقف من الرسائل على "سلاك" لساعات، ما استنزف أرصدة واجهات البرمجة (API) قبل أن يتدخل المؤسس يدوياً لإيقافهم.
وحتى عند التدخل، لم يكن الأمر سهلاً، إذ كانت بعض الوكلاء تواصل الرد أو تشرح باستفاضة سبب توقفها عن العمل، متجاهلة أوامر الإيقاف.
ولم تكن هذه الحالات استثناءً، فعند ترك الوكلاء دون إشراف، كانوا إما يدخلون في حالة خمول تام، أو يتحولون إلى نشاط مفرط بلا جدوى، عبر تبادل الرسائل والبريد الإلكتروني والدعوات على التقويم فيما بينهم، دون تحقيق نتائج حقيقية.
وأصبح إدارة الشركة تحدياً بحد ذاته: تعليمات قليلة تعني غياب التقدم، وحرية زائدة تعني الفوضى.
ورغم شعار شركة تعتمد كلياً على الذكاء الاصطناعي، لم تستطع HurumoAI الاستمرار دون تدخل بشري مباشر.
فقد استعان راتليف بطالب دكتوراه في علوم الحاسوب من جامعة ستانفورد، للمساعدة في بناء البنية التقنية وإدارة أنظمة الذاكرة، وهي مهام لم يتمكن الذكاء الاصطناعي من التعامل معها بمفرده.
وحتى مع هذه الضوابط، واجهت الوكلاء صعوبات واضحة في التخطيط طويل الأمد، واتخاذ القرارات الذاتية، بل وحتى في تقديم تقارير دقيقة عما أنجزوه بالفعل.
ويشبه راتليف وكلاء الذكاء الاصطناعي اليوم بتقنيات القيادة الذاتية في بداياتها: مفيدة في سيناريوهات محددة، لكنها بعيدة عن الاستقلال الكامل.
وخلاصة التجربة، بحسب راتليف، أن الذكاء الاصطناعي قادر على تسريع العمل وتعزيز الإنتاجية، لكنه لا يلغي دور الإنسان في الإدارة واتخاذ القرار، على الأقل في الوقت الراهن.
وربما يتغير ذلك مستقبلاً، لكن الطريق لا يزال أطول مما يتصوره المتحمسون.
المصدر:
العربيّة