آخر الأخبار

هواجس الفاتيكان اللبنانية: الوحدة ضمانة الوجود المسيحي

شارك
كتب فراس الشوفي في" الاخبار": جاءت زيارة البابا لاوون الرابع عشر للبنان في لحظة مفصليّة تمرّ بها المنطقة والكيان الصغير، وسط بحرٍ من اللَّااستقرار والتطرّف. وإن كانت بعض الأصوات اللبنانية ذات المصالح الخاصة والطائفية، تقلّل من المخاطر المُحدِقة بالبلد إرضاءً لأجندات خارجية، فإن الفاتيكان والبابا الأميركي الجديد، يشخّصان الأوضاع والظروف التي تمرّ بها البلاد بفهمٍ عميق، أبعد من سجالات السياسيين اللبنانيين.
مصادر سياسية رفيعة المستوى تكشف عن هواجس تقارب حدّ القلق لدى البابا، واعتباره لبنان اليوم يقع في قلب العاصفة بسبب التطورات الدولية والإقليمية والداخلية، وهذا ما شكّل الدافع الأقوى أمام البابا لتحقيق الزيارة رغم النصائح والعقبات بتأجيلها أو إلغائها.
يتراجع الاهتمام الأميركي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، وتكتفي إدارة الرئيس دونالد ترامب بـ«الشكليات» من دون البحث عن حلول عميقة للأزمات المُزمِنة في هذه المنطقة.ويُقرأ أيضاً عن انشغال أوروبي في ملفات ذات أخطار مباشرة ووشيكة على القارة الأوروبية، كالملف الأوكراني، وعدم قدرة الأوروبيين على التدخّل بشكل حازم في هذه المرحلة. ما يعني ترك القوى الإقليمية للقيام بما تراه مناسباً لمصالحها على حساب القوى الصغيرة.
وإقليمياً، تبدو الاصطفافات الجديدة بين تركيا وإيران وإسرائيل مصدراً لجولات مستقبلية من العنف في مناطق مختلفة، ولبنان مرشّح ليكون إحداها. فعلى الرغم من التطمينات الأميركية وبعض الأوروبية وإطلاع الفاتيكان مباشرةً على الأوضاع في سوريا ، فإن الفاتيكان ينظر إلى الملف السوري بعين الريبة، مع تزايد تفكّك سوريا وتصاعد منسوب التطرّف في داخلها والهجمات الطائفية التي تركت ندوباً عميقة في النسيج السوري.
وكلّما أطلق الموفد الأميركي إلى سوريا والسفير في أنقرة توم برّاك تهديداً أو تلميحاً بضم لبنان إلى سوريا أو إدخال قوات تابعة للحكومة الانتقالية إلى لبنان، تأكدت هواجس الفاتيكان والخائفين على مصير لبنان من الرعونة السياسية ومن إعادة رسم خارطة المنطقة بالفوضى وضياع لبنان ذي الأهمية للعالم الكاثوليكي، تحت وطأة الترسيمات الجديدة.
غير أن هذا ليس أكثر ما يُزعِج الفاتيكان، إذ تقول مصادر كنسية اطّلعت على خلفيات الزيارة، إن عدم وحدة اللبنانيين وتكاتفهم للدفاع عن لبنان هو أكثر ما يخيف الفاتيكان ويُزعِج البابا ويدفعه إلى السعي لشدّ أزْر اللبنانيين للتكاتف والتضامن، وهو ما ظهر في جميع الخطب التي ألقاها في بيروت . وتقول المصادر، إن «البابا يسعده إنهاء الحرب الإسرائيلية على لبنان وتوقيع اتفاق سلام بين الطرفين، إلّا أن السلام الذي ناشده في خطبه وصلواته هو السلام بين اللبنانيين قبل أن يكون بين لبنان وأي أحد آخر».
وتقرأ مصادر دبلوماسية أوروبية في زيارة البابا، رسالة إلى من يعنيهم الأمر في داخل لبنان وخارجه «عن حرص الفاتيكان على حفظ لبنان وحمايته لتجاوز المصاعب الحالية والمستقبلية وتحييده عن المخاطر التي تهدّد حدوده وصيغته الداخلية وفرادته في العالم الإسلامي الممتدّ من شمال أفريقيا شرقاً إلى المحيط الهادئ». وتعتقد المصادر بأن «البابا ليس لديه جيش لإرساله، ولكنْ لديه موقفٌ واضحٌ يوصله من خلال الزيارات والتحرّكات، وثمّة اعتقاد كبير بأنه ربّما ساهم إلى حدّ ما في تأخير وعرقلة خطط هجوم إسرائيلي كانت تل أبيب تحضّرها ضد لبنان في العام المقبل من دون أن يعني ذلك زوال هذا الخطر».
كشفت زيارة البابا عن قلق كبير من الطروحات الفيدرالية أو الانفصالية، وخشية بأن تكون النتيجة هجرة لمسيحيّي لبنان كما حصل في العراق وسوريا
أكثر من مصدر معنيّ أكّد أن الصيغة الحالية الداخلية في لبنان بالنسبة إلى الفاتيكان، وعلى علّاتها وقصورها في إنتاج دولة مواطنة حقيقية، هي حصيلة عقود أو قرون من التجارب المؤلمة والعميقة وكلّفت دماءً وهجرةً وأرزاقاً حتى تبلورت بشكلها الحالي.
ورغم فهم الفاتيكان أن الصيغة اللبنانية ليست مثالية على الإطلاق، إلا أنه يراها «ضامنة وحافظة لدرجة مقبولة من الأمان لاحترام التنوّع والحفاظ على الحريات، بما تعنيه حرية المعتقد الديني وحرية الإنسان» كما تقول المصادر الكنسية، مضيفة أن «التفريط في هذه الصيغة الآن دونه المجهول ومن غير الواضح كيف سيكون اتجاه المنطقة، لذلك الآن ليس وقت المغامرات غير المحسوبة».
مسألة أخرى تركّز عليها المصادر الكنسية، هي أن «البابا كان واضحاً بأنه لم يأتِ ليدعم جماعة ضد جماعة، أو ليغلّب طائفة على أخرى، إنّما هو يتعامل مع اللبنانيين بمنظورٍ واحد ومع جماعاته بالتساوي، وهو عندما يكون متمسّكاً بلبنان الواحد، يكون عملياً متمسّكاً بالمسيحيين ولا يريد أن يترك المسيحيون أرض المشرق أو أن يلقوا مصير مسيحيّي سوريا والعراق، وهو يقرأ مصلحة المسيحيين واللبنانيين من فكرة لبنان الواحد». وتقول المصادر، إن «البابا يحرص ويأمل ويطالب بأن يبقى لبنان نموذجاً عن التعدّد والحرية ليقدّم نموذجاً مختلفاً في المنطقة، ولبنان شكّل دائماً ملجأً للمضطهدين وتحمّل ثمن ذلك بسبب فرادته التعدّدية».
أمّا حول بعض الأصوات السياسية التي تطالب بتغيير الصيغة اللبنانية، وتجنح أكثر نحو الفيدرالية أو حتى تطالب بالتقسيم، فتعتقد المصادر الكنسية بأن «بعض الجيل الجديد يتحدّث بلغة الشحن السياسي لأن السنوات السابقة كانت صعبة ولم تقدّم نموذجاً جيداً للحياة، ولأن هناك بعض الأحزاب أو الأفراد الذين يستخدمون هذا الشحن من أجل المكاسب.باعتقادنا أن هذا ليس في مصلحة البلد ولا مصلحة المسيحيين». وتضيف المصادر ختاماً بأن «كلام البابا حسم الجدل والأفكار حول التوجّه الفاتيكاني. النخبة المسيحية المتنوّعة وإن كان بعضها يتحدّث عن الفيدرالية أو التقسيم، فهذا ليس كجواب إداري على أزمة إدارة النظام، بل كخيار غير مضمون النتائج. لكنّ الغالبية المتمرّسة في العمل السياسي والتي عاشت التجارب، مقتنعة بأن لبنان لا يمكن أن يحيا إلّا واحداً، وأن أيّ نزعة انفصالية تعني تفكّك الأطراف وسقوط البلد».
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا