آخر الأخبار

رجّي يثير الجدل من جديد.. ماذا يعني رفض زيارة إيران؟

شارك
مجدّدًا، أثار وزير الخارجية يوسف رجّي الجدل، وأعاد فتح ملف العلاقات اللبنانية الإيرانية على مصراعيه، بعد موقفٍ أطلقه عبر مواقع التواصل، وأعلن من خلاله رفضه تلبية دعوة نظيره الإيراني عباس عراقجي لزيارة طهران في الوقت الراهن، واقتراحه عقد لقاء في دولة ثالثة، وهو ما بدا "سابقة دبلوماسية" من نوعها، خصوصًا أنّ لبنان وإيران ليسا، رسميًا على الأقلّ، في حالة خصومة أو عداء، وثمّة زيارات رسمية متبادلة بين مسؤولي البلدين.

بطبيعة الحال، لم يمرّ موقف الوزير رجّي مرور الكرام، وسرعان ما تحوّل إلى مادة سجالية، باعتبار أنّ الرسالة السياسية التي حملها بدت أبعد من مجرد خلاف على مكان الاجتماع، على الرغم من نبرة الانفتاح التي حملها الردّ، الذي ربطه كثيرون بما يجوز وصفه "الهوية السياسية" لوزير الخارجية، وهو المحسوب على " القوات اللبنانية "، التي تتصدّر المواجهة الداخلية مع " حزب الله "، علمًا أن الوزير رجي سبق أن اتخذ مواقف أثارت حفيظة إيران .

من هنا، ثمّة من يلفت إلى أبعاد "حزبية"، وربما "شخصية"، خلف موقف الوزير رجي، الذي لا يعبّر عن كلّ الحكومة، طالما أنه يتحدث عن دعوة "شخصية" وُجّهت له، وله الحق في تلبيتها أم لا، فيما يذهب آخرون إلى القول إنّ الوزير لا يمكن أن يتّخذ موقفًا من هذا النوع وبهذا الحجم، من دون التنسيق مع رئيس الحكومة بالحدّ الأدنى. فهل يمكن الحديث عن تحوّل كامل في السياسة الخارجية اللبنانية، أم أنّ الموضوع حُمّل أكثر ممّا يحتمل؟

حسابات الدولة وحدود المناورة

من الناحية الرسمية، حاول رجي في بيانه الحفاظ على لغة دبلوماسية لا تقطع الجسور، فهو لم يرفض الحوار مع إيران، بل رفض التوقيت والشكل، مقترحًا نقل النقاش إلى ما وصفها بـ"الأرض المحايدة"، وهذه الصيغة يمكن أن تُقرأ كحرص على تجنّب تصعيد غير ضروري في لحظة داخلية دقيقة، لا سيما أن لبنان يعيش مرحلة تفاوضية حساسة على أكثر من خط، على وقع ضغوط بالجملة يدفع بعضها إلى "تبريد" العلاقات مع إيران.

لكنّ القراءة السياسية للخطوة لا تستقيم من دون فهم القيود التي تتحرك الدولة ضمنها، فالحكومة لا تملك ترف الذهاب إلى مواجهة مباشرة مع إيران في ظلّ وجود حزب الله لاعبًا داخليًا لا يمكن تجاوزه، وهو "الشريك" في الحكومة أيضًا. لذا، فإن رفض الزيارة يمكن أن يُفهم كنوع من المناورة المحسوبة، بمعنى أنها تشكّل رسالة تحفظ ماء الوجه الدبلوماسي دون مواجهة مفتوحة، ورسالة داخلية مفادها أن الدولة قادرة على إدارة علاقاتها الخارجية وفقًا لمصالحها.

مع ذلك، فإنّ الانطباع الراسخ لدى كثيرين يبقى أنّ موقف الوزير المثير للجدل "شخصي" إلى حدّ بعيد، فالمسؤولون الإيرانيون يزورون لبنان باستمرار، ويلتقون الرؤساء الثلاثة وغيرهم، ولم يسمعوا يومًا دعوة للقاء في "مكان محايد" مثلاً. ويرى العارفون أنّ "تنصّل" المصادر الرسمية من موقف وزير الخارجية، يعني أنّ الحكومة غير راغبة في تبنّي هذا السقف السياسي أو تحميله على الموقف الرسمي، وأنها تفضّل إبقاء المسألة في إطارها الفردي لتجنّب التداعيات.

الرسالة التي لا يمكن تجاهلها

عمومًا، وربطًا بما تقدّم، لا يمكن فصل الخطوة عن سياقها الداخلي، فالوزير يوسف رجّي محسوب على "القوات اللبنانية"، التي تخوض مواجهة سياسية مفتوحة مع "حزب الله"، وإيران من خلفه، وهي المواجهة التي بلغت ذروتها في الفترة الأخيرة، مع دعوة رئيس الحزب سمير جعجع إلى المسارعة في تنفيذ مبدأ "حصر السلاح بيد الدولة"، رافضًا منطق "المماطلة" بحجّة الخوف من حرب أهلية قد يتسبّب بها نزع السلاح "بالقوة"، وفق قوله.

يرى العارفون أنّ هذه الخلفية تجعل جزءًا من المشهد أوضح، فهناك وجهة نظر تقول بأنّ رجّي يستخدم موقعه الوزاري لترجمة رؤية "القوات اللبنانية"، أو على الأقل لإيصال رسالة أن زمن التعامل مع إيران بوصفها "مرجعية سياسية" في لبنان قد انتهى. لكن في المقابل، يعتقد آخرون أن موقفه ليس "موقف مواجهة"، وإنما هو محاولة لتصويب العلاقة على أساس الندية، وبناء توازن في خطاب الدولة لم يكن ممكنًا في حكومات سابقة.

وثمّة من يذهب أبعد من ذلك بالقول إنّ تلبية رجّي للدعوة، لو حصلت، وزيارة إيران في هذا التوقيت كان يمكن أن تُفسَّر، داخليًا وخارجيًا، على أنها تعزيز لموقع "حزب الله"، ما قد يشوّش على الوساطات الجارية لمنع اندلاع الحرب. أما رفضها بهذه الصيغة، وإن بدت مثيرة للجدل، ولا إجماع حكوميًا حولها بطبيعة الحال، فيعطي انطباعًا بأنّ بيروت تريد علاقة مع إيران، ولكن من موقع السيادة لا التبعية، ومن موقع الدولة لا موقع القوى السياسية، وهو ما لا يفترض أن يختلف عليه اثنان.

هل تحدّث الوزير بصفته الشخصيّة والحزبية، وبالتالي باسم مشروع سياسي داخل لبنان، أو بصفته الوزارية التي تجعله ممثلاً لكلّ لبنان؟ لا جواب حاسمًا بعد، ويرجّح أن يبقى السؤال مفتوحًا إلى أجل غير مسمّى، لكن المؤكد أن رفضه الزيارة أعاد فتح النقاش حول من يصوغ السياسة الخارجية: الدولة أم القوى التي تشارك في حكمها. ففي بلد يعيش دائمًا على خط التوازن بين الداخل والخارج، يكفي موقف واحد ليعيد رسم خريطة النفوذ حتى لو لم يتجاوز سطرين في رسالة دبلوماسية!
لبنان ٢٤ المصدر: لبنان ٢٤
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا